ليس مهما استغلال الحقائق لاغراض سياسية لتنحية الخصم بل إن هذا امر مشروع تماما. الأهم هو : هل أن الخروقات الفاضحة لحقوق الانسان التي ادعتها هذه الوثائق قد وقعت بالفعل ام لا؟ و بدلا من الاجابة على هذا السؤال يصار إلى الحديث عن استغلال الوقائع.

و نفس الشيء يقال عن الدوافع و التوقيتات في الإعلان عن الوقائع في هذا الوقت بالذات حيث يرى البعض ان اشغال المواطن بدوافع التوقيت تعفيه من الاجابة على السؤال هل ان هذا حصل بالفعل و ما هو الواجب الاخلاقي المترتب على الافراد و المنظمات و الاحزاب في تحديد موقفها من مثل هذه الممارسات.
لا زالت عجلة العنف تدور في العراق بكامل عنفوانها و جبروتها لان quot; مثقفين quot; و سياسيين و جدوا ان عليهم ان يدينوا عنفا دون عنف آخر و انتهاكا لحرية الانسان و كرامته دون انتهاكات اخرى يرتكبها الطرف الذي ينحازون اليه و سوف نرى هذه المرة ايضا من سوف يبتلع لسانه فيصمت على عمليات قتل و احتجاز و انتهاكات بربرية لانها جاءت من ممثليهم الذين ارادوهم بدائل لديكتاتورية مقيته فلم يكونوا بديلا لها بل كانوا بالاحرى مكملين.

و قد توافق ذلك مع تعتيم دولي، فامريكا و اطراف من المجتمع الدولي يريدون ان يقولوا للعالم ان كل شيء على ما يرام في العراق و أن الجندي الامريكي و حليفه الأوربي قد قاتل في العراق و دفع حياته ثمنا من اجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و كرامة الانسان.

أشارت الارقام الرسمية الصادرة عن الامم المتحدة إلى عمليات الهجرة من العراق بعد حرب 2003 هي اكبر ارقام للهجرة شهدها العالم بعد الكارثة الفلسطينية عام 1948 و أن العائدين تحت ضغط الحاجة و شراستها في بلدان الجيرة في سوريا و الادن على وجه الخصوص قد شعروا بالندم.

لكن الحقائق التي تفقأ العين و التي كشفت عن بعضها، و ليس عن كلها، الوثائق المنشورة في ويكيليكس لا تزال غير قادرة على تنكيس اعين المستفيدين من السلطة و المستعملينها اداة للاثراء و النفوذ. و الانكى انها بقيت موضع تجاهل كتاب اقاموا الدنيا و لم يقعدوها دفاعا عن الانسان الذي انتهك حقوقه نظام صدام حسين.
و هكذا مرة اخرى نظر البعض الى الجهة و العنوان الذي مارس الخروقات و ليس الى الانسان المنتهك باعتباره موضوعا للانتهاك و طبق المعيار الطائفي على القتل فكان ثمة قتل مشروع يستوجب الصمت و ثمة قتل اخر يستوجب الادانة.