كالعادة باتت المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في خبر كان وانهارت قبل أن تبدأ بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية خطة لبناء مائتين وثماني وثلاثين وحدة سكنية في القدس وحصولها على الضوء الأخضر من واشنطن، وكأنها تقول للرئيس الفلسطيني محمود عباس إن قرارك وقف المفاوضات ردا على رفض حكومة تل أبيب تجميد الاستيطان ليس له قيمة، قبل ذلك استغل نتنياهو الموقف ليناور، ويطالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل مقابل تجميد الاستيطان، وهو كلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فالاعتراف يمس الأرض بمعنى أنها حق خالص وملكية لليهود لا ينازعهم فيها احد، وهو ما يعني إلغاء الحقوق الأساسية لعرب ثمانية وأربعين المقيمين في إسرائيل، وتهجيرهم على اعتبار أنهم يقيمون في دولة الشعب اليهودي.
كشفت إسرائيل عن وجهها القبيح وكذب ادعاءاتها أنها تعمل من اجل السلام، ولا تجد الشريك الفلسطيني القادر على المضي قدما في العملية السلمية، بعدما قدمت السلطة الفلسطينية تنازلات واضحة، وانخفض سقف طموحها إلى حد المطالبة بتجميد الاستيطان لعدة أشهر فقط حتى يتسنى للجانبان مواصلة التفاوض، وهنا أشير إلى عدة ملاحظات:
الأولى : موقف السلطة الفلسطينية فوت على إدارة اوباما وحكومة نتنياهو الفرصة بأن تتهمها بأنها أضاعت فرصة تاريخية للتوصل إلى سلام شامل، ينتهي بإقامة دولة فلسطينية كما جرت عادة المسئولين الأمريكيين في مثل هذه الظروف، ولإبقاء الباب مواربا منحت القمة العربية الإدارة الأمريكية مهلة شهر، لإقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان، وهو أمر بات من المضحكات المبكيات، وقد يرضي محمود عباس لأنه يدرك أن قبوله التفاوض بالتزامن مع تسارع وتيرة الاستيطان سيفضي في نهاية المطاف إلى ضياع فلسطين بأكملها.
الثانية: إن الإدارة الأمريكية أثبتت مدي استخفافها بالزعماء العرب، وبالقضية الفلسطينية، وان كلام اوباما عن عزمه حل هذا الصراع، لم يكن سوى كلام معسول فارغ من أي مضمون لأن إدارته غير قادرة على تحويل رؤيته إلى واقع فعلي يجبر إسرائيل على الحل، ومبعوثه الشخصي جورج ميتشل وفريقه في جولاتهم المكوكية للمنطقة يحملون حقائب، أظنها فارغة، لتوزيع الابتسامات أمام الكاميرات، والتأكيد على التزام إدارة اوباما بدفع مسار التفاوض، وليست العبرة بالنيات إنما العبرة بتطبيق ذلك على ارض الواقع.
الثالثة: قدرة إسرائيل على استغلال ما يسمى مسيرة السلام، لكسب الوقت، وقتل أي حل يلوح في الأفق، فالإستراتيجية الإسرائيلية طوال مراحل التفاوض منذ أن بدأت قبل عقدين منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993، هي بث اليأس عند الفلسطينيين والعرب، ليقبلوا الشروط الإسرائيلية، خاصة وإن استطلاعات الرأي أوضحت تراجع اهتمام الشارع العربي بالقضية الفلسطينية لمصلحة مشاكله الحياتية اليومية، وهذا لا يعني إنكاراً لحقوق الفلسطينيين في إعادة أراضيهم.
في ظل هذه الظروف يصبح الحديث عن بدائل أمرا مشروعاً، لكن للأسف أقول إن العرب ليست لديهم بدائل، وإن كان عباس قد طرح خيارات أمام قمة سرت الاستثنائية في ليبيا من بينها اعتراف الإدارة الأمريكية بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، وكأنه يستجير من الرمضاء بالنار، أو نقل الملف الفلسطيني إلى مجلس الأمن الدولي، ووضع الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية الدولية، وهذا الأمر أيضا ثبت عدم جدواه، فقد سبق وتوجه وفد وزاري عربي لمجلس الأمن في يناير 2009 لوقف الحرب على غزة، ولم يتخذ المجلس أي إجراء ضد إسرائيل لان الفيتو الأمريكي حاضر في حال صدور قرار يغضب إسرائيل.
يبقى البديل الآخر، وهو فلسطيني بامتياز، وهو العمل على إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لأنه ليس بالإمكان أن تتفاوض فتح عن حماس ولا العكس وإذا افترضنا جدلا أن توصلت فتح إلى حل، فمن المستحيل إلزام حماس به وبالتالي لابد من العودة إلى الورقة المصرية للمصالحة، وعمل ملحق يتضمن جوانب الاتفاق والاختلاف بين الطرفين والتوفيق بينهما، ففي ظل الظروف الحالية، ربما نجد حماس طرفاً في حرب قد تقودها إسرائيل ضد إيران لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة، وتحديداً موقع إيران فيها بعد زيارة الرئيس محمود احمدي نجاد للبنان وتأكيده من بنت جبيل على بعد أربعة كيلومترات من الأراضي المحتلة أن الصهاينة إلى زوال.
وليكن معلوماً لدى فتح وحماس وباقي الأطراف الفلسطينية أن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني سيفوت على إسرائيل الاستمتاع بلحظة الانتصار الراهنة، وهي ترى الشعب الفلسطيني المطالب بحقوقه العادلة يفقد ورقة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، بعد فشل خيار التفاوض، وتشييع ما يسمى عملية السلام إلى مثواها الأخير، وليتذكر الجميع أن إسرائيل نجحت في تسميم الرئيس الراحل ياسر عرفات للإطاحة بالمشروع الوطني الفلسطيني، لأنها أدركت أن عرفات يجمع ويوحد الفلسطينيين جميعهم ويمسك العصا من الوسط بين التفاوض والمقاومة.
وللأسف أدى رحيل عرفات إلى ضعف حركة فتح، وصعود حماس، ووصل النزاع بينهما على سلطة وهمية إلى حد الاقتتال الداخلي عام ألفين وسبعة. فهل يعقل زعماء فلسطين هذا الأمر بعد أن أصبحوا عاجزين عن الفعل والخاسر الوحيد في هذا كله الشعب الفلسطيني الصامد رغم كل الجراح؟.
إعلامي مصري
- آخر تحديث :
التعليقات