لم يعد من العبقرية و لا الإلهام أبدا إمكانية التنبؤ بمستقبل الحالة السياسية القائمة في العراق؟ فالطريق اليوم في ظل المتاهات السلطوية لأحزاب السلطة الطائفية، والتخبطات الإدارية العويصة، والفشل المريع في إدارة الصراع الوطني والداخلي ليس لها من نهاية سوى ذلك الخيار الخائب المعبر أصدق تعبير عن هوية الفشل المقيم وهو خيار الحرب ألأهلية الذي بات اليوم ليس خيارا تهديديا يلوح به البعض فقط، بل أنه قد دخل في خانة الخيارات الستراتيجية التي تم أعداد و تهيئة المسرح العراقي لها منذ الإحتلال الأمريكي عام 2003 وحيث تحول الحلم الديمقراطي في العراق لإنتكاسة حقيقية ولكابوس لا يهدد العراقيين ووحدتهم الوطنية و مشروعهم الوطني فقط بل يهدد دول الجوار الخليجية و العربية، فتقسيم العراق أضحى من عزم الأمور، وهذا الخيار الذي تم الحديث العلني عنه منذ عام 1980 تحديدا دخل اليوم مرحلة التنفيذ الفعلية بعد الفشل السلطوي الكبير و فشل الإدارة الأميركية المقصود و بسبق الإصرار و الترصد في مساعدة العراقيين على الوصول لبر ألأمان بعد أن سلم الأمريكان العراق بقضه وقضيضه و كل ملفاته الستراتيجية الخطيرة للنظام الإيراني ليصول و يجول و يعين الحكومات و يبني المدارس أيضا!!و يمارس كل أشكال العربدة السياسية و العسكرية حتى أضحى العراق من سد بوجه الأطماع الإيرانية لجيب صغير من جيوب جبة الولي الإيراني الفقيه، فيما تحول سياسيوه الذين ( إنتخبهم ) الشعب لوكلاء صغار لدى النظام الإيراني يلتمسون منه المباركة و العون و النصرة و إصدار الفرمانات التعيينية الخاصة.

فالصورة الهشة المريضة القائمة في العراق اليوم و طبيعة الحشود و التكتلات الطائفية و محاولات الإستقواء بدول الإقليم، و تعبئة ألأوضاع الداخلية و التعنت في فرض المطالب و محاولات بعض الأطراف العراقية الداخلية كالجبهة الكردية مثلا إستغلال حالة الفوضى القائمة لتحقيق أطماعها و مآربها في السيطرة الكاملة على كركوك و تكوين الحدود النهائية لجمهورية كردستان الجنوبية جميعها شروط متكاملة تؤذن بفتح جبهة حرب أهلية طاحنة ستغير الحدود و ستنهي للأبد شكل العراق الذي عرفناه منذ عام 1921 و ستظهر خرائط جديدة و معالم أخرى لا علاقة لها أبدا بطبيعة الصورة السائدة حاليا، لقد قلناها لأكثر من مليون مرة بأن الأحزاب الدينية و الطائفية هي قنابل موقوتة لتكسيح الأوضاع وهي أحزاب لا يرتجى من ورائها أي خير بل أن كل معالم الشرور و خبائث السياسة تظهر من تحت طيات شعاراتها التدليسية المغلفة بأساطير الدجل الموروث؟

وهاهو حزب الدعوة الإسلامية بقيادة نوري المالكي قد بدأ موسم التنزيلات الكبرى على سيادة و إستقلال و مستقبل العراق، فالمالكي وحزبه قد قطع شوطا بعيدا جدا في إعداد الساحة الداخلية للحرب الأهلية القادمة من خلال فتح صفحات التعاون مع التيار الصدري الذي يمتلك أكبر خزين ستراتيجي من بعض القادمين أصلا من المؤسسات البعثية السابقة كالجيش الشعبي أو فدائيي صدام أو بقية التشكيلات الأمنية و الإستخبارية، وهذا التيار بات اليوم أشبه بالذراع الأمني للنظام الإيراني في العراق بعد أن هيمن الإيرانيون على قيادته مثل بكاظم الحائري المنظر الفكري لذلك التيار و المقيم أيضا في ( قم ).

فالإفراج و العفو عن المسجونين من اتباع التيار الصدري ليس سوى خطوة نهائية في حفل إعلان الحرب الأهلية ميدانيا وهي حرب قائمة فعليا و لكنها بالتقسيط المريح، فالقتل على الهوية الطائفية هو سمة الوضع ألأمني في العراق و الإغتيالات الغامضة بكواتم الصوت تشتد و تيرتها، كما أن الإنفجارات المشبوهة ضد الأهداف المدنية و الأسواق الشعبية كما حصل في البصرة مؤخرا أصبحت حديث الشارع العراقي بعد المعرفة اليقينية بوقوف أهل الميليشيات الطائفية خلفها وخصوصا العصابات الصدرية التي تنتحل أسماء و مسميات تمويهية عديدة و تحركها قيادة قوات الحرس الثوري الإيراني التي إستباحت العراق و إجتاحته بقوافل الإرهاب والمخدرات والقضايا الأخرى التي نعرف و تعرفون!!

وفشل أحزاب السلطة و التهالك على الهيمنة على السلطة قد أدى بقادة تلك الأحزاب لولوج لعبة خطيرة للغاية تتمثل في مداراة المطالبة الإنتهازية لقادة الأحزاب الكردية في حسم ملف الصراع على هوية مدينة كركوك المتنازع عليها قوميا بين الأكراد والعرب و التركمان، فحزب الدعوة وشركاه لم يعد يرى مانعا من تسليم المدينة للجبهة الكردية وبما يعني ميدانيا إشعال حرب أهلية في كركوك ستكون طاحنة و تشعل معها العراق!!

المشهد العراقي في ظل الفشل إنتحاري و إنفجاري، وهو مشهد سيفجر المنطقة برمتها مالم يتم السيطرة عليه.. الحرب ألهلية القادمة في العراق هي النهاية الحتمية لفشل الطائفيين الذين عاثوا في الأرض فسادا...

[email protected]