سبعة وثلاثون عاما مرت على نصر أكتوبر، وأحوال مصر اليوم لا تسر عدو ولا حبيب، لم تخض مصر بعد هذا التاريخ أي حروب، وبالتالي أتيحت لزعيمها الرئيس حسني مبارك احد أبطال أكتوبر فرصة تاريخية ليستلهم روح أكتوبر، وينطلق بمصر إلى المكانة التي تستحقها وسط عالمها العربي، فمصر نعمت بالأمن والاستقرار لم تخض أي مغامرات تستنزف مواردها، وتدفقت عليها الموارد من مصادر شتى، وجلبت لها العمالة المهاجرة مليارات الدولارات سنويا، وتمكنت من إقناع دول عديدة بإسقاط ديونها، لذا كان من المفترض أن تصبح مصر نموذجا للتقدم، وتنتقل من صفوف الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة.


ولا يخفى على احد التضحيات التي قدمها المصريون في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من اجل إقامة نظام جمهوري انتهت بثورة اثنتين وخمسين، وتحقيق الاستقلال السياسي، وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات قدمت مصر تضحيات من اجل تحرير سيناء، وهو ما تحقق بعد نصر السادس من أكتوبر ثلاثة وسبعين والذي شارك في صنعه رجال ذاقوا طعم الهزيمة، واستطاعوا بالإيمان والعزيمة والإصرار تحويل الهزيمة إلى نصر، ليعيدوا العزة والكرامة لوطنهم، وليتفرغ الجميع لمعركة التنمية والتحديث، لكن المسار انحرف بانعدام الرؤية السياسية في الداخل، والاستجابة لضغوط الخارج، ورأي الشعب تضحياته تضيع أمام عينيه، لينتهي المطاف بمصر لأن تكون في ذيل الدول المتخلفة والفاشلة، وتصبح أغلى أمنية لشبابها الهجرة بحثا عن لقمة العيش، وبيعت الدولة وقسمت لمصلحة نخبة من المنتفعين تحاول جاهدة الحفاظ على مكاسبها من خلال دعم أي مشروع يحفظ مكانتهم ويُنمي ثرواتهم رافعين شعار مصلحتهم على حساب مصلحة الوطن.


مهما تكن الظروف فان المصريين مطالبون اليوم بأن يستلهموا روح أكتوبر، وأن يستعيدوا قوة الإرادة، والإصرار، والعزيمة على تغيير هذا الواقع المتردي، وأن يدركوا أنهم قدموا تضحيات في الماضي ولا يزالون قادرين على العطاء، في حرب أكتوبر ظهر الإبداع، وظهرت عبقرية المصري الذي أبدع خارج بلاده، في مسرح العمليات لم يكن هناك فرق بين رئيس ومرؤوس، بين غني و فقير، بين مسلم ومسيحي، كلهم لديهم هدف واحد هو تحقيق النصر، ما أحوج المصريين اليوم إلى روح أكتوبر ليستعيدوا الوطن المسلوب من أيدي الفاسدين والمفسدين، ولينعموا بالعيش الكريم وتختفي الفتن ما ظهر منها وما بطن ويهدأ الشعب المشحون بالأحاسيس السلبية من ظروفه المعيشية ويحول تلك المشاعر إلى أحاسيس ايجابية ومهارة وإبداع.


وطالما أن الجميع في مركب واحد، يبقى أمام الرئيس مبارك فرصة تاريخية ليدخل التاريخ بإحداث تحول ديمقراطي، وتمكين الشعب من اختيار رئيسه المقبل، وتغيير المادة ست وسبعين وسبع وسيعين وثمان وسبعين سيئة السمعة في الدستور، وتحديد فترة الرئاسة بولايتين متتاليتين، وتنشيط الأحزاب السياسية لتكون أحزابا حقيقية وفاعلة لا مجرد معارضة شكلية quot;ديكورquot;، وإعطاء البرلمان اختصاصه الأصيل في الرقابة والتشريع،وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب دون قيود، ولجم من يحاولون تقييد حرية الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة طالما أنها تؤدي دورها في النقد البناء، ويعلي من شأن المحاسبة، ليقول لمن يحسن أحسنت، ويقول لمن يسيء أسأت، وأن ينحاز إلى صفوف الشعب عملا لا قولا، ولا يسمع لقلة تسمعه ما يحب، وتحجب عنه ما لا يحب، فتسيء إليه والى الوطن.


كذلك أمام الرئيس مبارك فرصة لوضع مصر على طريق التقدم العلمي والاقتصادي والسياسي، وأن يزيل الهم والغم عن شعب غارق في مشكلات اقتصادية واجتماعية لا حصر لها، وأن يعيد روح أكتوبر الذي عاشها قائدا جسورا للقوات الجوية، ويحيي قيم هذا النصر العظيم في نفوس المصريين، فما أحوج المصريين إلى قيم الوفاء، والصدق والشجاعة، والأمانة، وإنكار الذات، وروح الفريق، والانضباط، وقبل ذلك وبعده المواطنة الحقيقية التي تُشعر المصريين جميعا بالثقة في وطنهم، دون تفرقة، وأنهم شركاء في بناء هذا الوطن، وهي قيم لم يعد لها في واقع المجتمع المصري وجود.


ولسنا في حاجة إلى القول إن الإصلاح في مصر لن يحدث إلا بالعودة مجددا إلى قيم أكتوبر، لكن على الشعب أن يدرك أن الحرية ليست منحة من الحاكم يمنحها كيفا يشاء، وقتما يشاء، إنما الحرية تنتزع من براثن الاستبداد كي تنطلق مصر من جديد، لتعويض ما فاتها، وتلحق بدول بدأت بعدنا بعشرات السنين وسبقتنا بعشرات السنين وليس الصين عنكم ببعيد، كانت في السبعينات quot;جمهورية من العششquot;، والآن قوة اقتصادية فاعلة لها كلمة مسموعة في الساحة الدولية، ومع ذلك فالأمل قائم ما دامت الحياة، وسيأتي اليوم التي تُحل فيه مصر بأبنائها المخلصين مشاكلها المزمنة في ظل نظام ديمقراطي يكون فيه الشعب هو السيد والحكم، وتكون الحكومة هي الراعي الأمين لمصالح هذا الشعب الذي يستحق أن يأخذ مكانه اللائق بين الأمم المتقدمة متى هذا اليوم؟ عسى أن يكون قريبا.

إعلامي مصري