نقلت صحيفة الصباح الجديد البغدادية خبرا غاية في الخطورة عن مصدر في وزارة الثقافة في حكومة اقليم كردستان، هذا الخبر يمكن تلخيصه quot; بان ادارة مهرجان بابل ابلغوا الطرف الثقافي الكردي بعدم موافقة مجلس المحافظة على مشاركة فرق فنية في المهرجان !! quot; مجلس محافظة بابل لم ينفي هذا الخبر بل خرج احدهم على قناة فضائية ليبشرنا بان quot; الشرع والتقاليد العراقية والاسلامية لها حدود واصول لايمكن تجاوزها وكل ماعدا ذلك هي مجرد دعايات مغرضة !!quot; وحقيقة الامر جدا افرحني هذا التصريح quot; الفنطازي quot; ومصدر فرحي ان عضو مجلس المحافظة يتكلم عن الحلال والحرام بطريقته الخاصة ومسالة الحلال والحرام في العراق في واقع الامر بحاجة ماسة في عراق اليوم الى المراجعة والى المكاشفة العلنية دون لف او دوران، فاذا كانت الدبكة الكردية حرام فهل رواتب وامتيازات اعضاء مجالس المحافظة حلال في ظل عوز كبير يضرب المواطن العراقي !!؟ واذا كان جوبي الغربية حرام في مهرجان بابل فهل من الحلال ان تحرم محافظة بابل من حصتها القانونية والانسانية من ثروات البلد في ظل سكوت وتهاون صارخ من قبل مجلس المحافظة !!؟ واذا كانت الخشابة البصراوية حرام في مهرجان بابل فهل من الحلال ترك اثار اعظم واعرق حضارية انسانية في بابل بؤرة للنهب والسرقة والتخريب والتهريب حتى يومنا هذا !!؟ واذا كان طور المحمداوي حرام في مهرجان بابل فهل الحلال تعين اقرباء المسؤولين واهمال الكفاءات الحقيقية !!؟ واذا كان شعر سوق الشيوخ ودارميه المميز حرام في مهرجان بابل فهل انتشار الرشوة والمحسوبية حلال !!؟.
وفي مفارقة اخرى من مفارقات حرام quot; الافندية quot; اعلنت ممثلة عراقية مرموقة اثناء شهر رمضان المنصرم ومن برنامج فضاء الحرية من قناة الفيحاء الفضائية ان اثنين من زملائها الممثلين quot; اعلنوا اعتزالهم الفن والتمثيل لان احد رجال الدين افتى لهم بان اجورهم غير حلال جراء التمثيل!!quot;.
مثل هكذا نماذج تحريم و التي تحاول ان تسود في عراق اليوم تعطي اشارات غاية في الخطورة يجب عدم اغفالها او عدم تدقيقها وفحصها ومتابعتها والاسباب كثيرة ومتعددة لكن قد يكون أهمها اولا الحفاظ على صورة الدين والاسلام نفسه قبل غيره وحمايته من سلاطين التحريم الذين يحاولون جعل الدين سلطة وسيف مسلط على رقاب الناس وامنياتهم وطموحاتهم وهواياتهم التي لاتتقاطع مع الدين الاسلامي الحنيف، وثانيا من الضروري تحجيم هولاء سلاطين التحريم ومقاومة افكارهم الظلامية الكئيبة المضرة بالدين والانسان على حد سواء. لذلك بصراحة ضعف موقف وردود افعال وسائل الاعلام العراقية ومراكز الثقافة العراقية اضافة الى وزراة الثقافة العراقية، هذا الموقف الضعيف لايقل خطورة عن موقف المنع نفسه لان التفسير الواقعي لمثل هذا الصمت المخيب للامال يشير الى حالة من الخوف والتردد تعاني منها معظم الاوساط الاعلامية والفنية والثقافية في عراق اليوم ومصدر هذا الخوف يتلخص من الرعب الواضح من التصادم مع افندية التحريم وفي واقع الامر ان هولاء الافندية لايمثلون المرجعية الدينية في العراق لكنهم مجرد مدعين بهذا التمثيل المزيف من خلال اطلاق اللحى ومسك quot; المسبحة او السبحة quot; وترديد بعض المفردات الدينية المتداولة.
العراق ومنذ تاريخه الاول في الحضارة الانسانية كان وسيبقى منجم للتصدير وسلسلة ذهبية من الابداع الديني والاسلامي والحضاري والفني والثقافي وكسر هذه القاعدة التاريخية في العراق سيؤدي الى خلل عظيم في تركيبة البلد الاجتماعية والفكرية وسيؤدي الى تراجع خطير في مكانة البلد وفي تفاعل طبقاته المختلفة، ذلك لايمكن مجرد التصور ان تسود ثقافة واحدة دون غيرها وحتى الاحزاب الاسلامية الموجودة في البلد في واقع الامر هذه الاحزاب مجتمعة لاتملك قواعد شعبية تصل الى خمسة بالمائة !! اما من يحاجج بنتائج الانتخابات فهذا موضوع اخر له غلافه وجوهره الذي يبتعد بشكل مطلق عن الثقافة وعن توجه الاحزاب الاسلامية في العراق شيعية او سنية عربية او كردية !!
ان العراق بلد متعدد الثقافات ويجب ان تكون حرية الاختيار مضمونة و واضحة في هذا الجانب وهو بلد غالبية شعبه مسلم وملتزم وهو الاقدر على الاطلاق على الحفاظ على هذ التوازن بين القيم الروحية والثوابث الاسلامية من جانب وتعدد الثقافات وتنوعها من جانب اخر، لذلك مسالة الوصاية من quot; افندية الدين quot; هي وصاية مرفوضة تماما ويجب ان تقاوم بكل الاتجاهات كما يجب ان يعرف كل مسؤول عراقي ابتدأ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان وحتى اصغر موظف في الحكومة ان واقع التعدد الثقافي هو سيد الموقف مع ضمان حرية الاختيار طالما لاتتقاطع مع ثوابت الدين والانسان، ومن لايقبل بهذا الواقع العراقي التاريخي العتيد عليه ان يترك منصبه الرسمي ويجلس في منزله... وان يلتفت ذات اليمين وذات اليسار على جدران منزله واثاث بيته هل فعلا هي حلال ضمن المفاهيم الاسلامية الحقيقية وفي ظل حرمان وعوز وفقر تعاني منه ملايين العوائل العراقية !!؟... اما غير ذلك فهي بضاعة كاسدة سوف تبور وتستهلك وتتراجع امام الفكر والثقافة والفن العراقي الاصيل والمميز.
[email protected]
التعليقات