لكل ثورة أو نظام حكم في العالم وعبر التاريخ نشاط مضاد يتصرف بصورة نسبية بين العمل السلمي أو العدائي بحسب الدوافع والمحفزات التي تحدد شكل العلاقة السلبية بين المعارضة والنظام الحاكم، غير أنه أيا كانت درجة العداء فإن ذلك يفرض قيودا أخلاقية خاصة على النظام الحاكم في تعامله مع أي نشاط معارض وعدم دفعه للعمل المسلح أو العسكري ضد مؤسسات الحكم والدولة، وحين يحدث ذلك فإن الخلل ليس بالضرورة في التوجهات العدائية للنشاط المعارض بقدر ما هو في السلوك السياسي السلبي لنظام الحكم الذي يمتلك السلطة ومساحات واسعة من المناورات والتنازلات التي يمكن أن يقدمها من أجل سلامة واستقرار الأوطان.

ولكن الملاحظة أن أي نظام ثوري يحمل في باطنه روحا عدائية وإقصائية للآخر المعارض ولا يحسن التعامل المرن مع المعارضة، فتتحول الثورة الى ديكتاتورية والنظام الى شمولية والدولة الى بوليسية يكون لأجهزة المخابرات فيها الكلمة العليا، وذلك ما يضعف السلوك السياسي للنظام الحاكم ويخرب عليه أي توجهات لامتصاص الغضب الشعبي حين يخطئ ويمارس تعسفا أمنيا في ملاحقا أي مشتبهين أو معارضين، فيذهب الأمن السياسي والاجتماعي مع الريح ويصبح الجميع تحت سلطان القهر والطغيان لأنه حينها لا يمكن تأسيس الدولة على أركان حقوق الإنسان ومبادئ الحريات السياسية والعامة التي تحفظ للمجتمع وأفراده كرامتهم وتحقق لهم أمنهم وأمانهم.

ما يدعوني لذلك هو وضع منظمة مجاهدي خلق التي تتمركز في معسكر أشرف في الأراضي العراقية، وإني وإن لم أكن مؤمنة بأي نشاط عدائي ضد الدول أو الأنظمة الحاكمة، إلا أن الممارسة السلبية وغير الأخلاقية للثورة الإيرانية مع هذه المعارضة تفرض تساؤلات حول جدوى العمل المحموم على محوها وعدم الاعتراف بحقوقها في المعارضة دون مراعاة لأي حقوق إنسانية ودينية في التعامل مع الآخر المضاد، فهذه المنظمة موجودة منذ عقود من الزمن وتمارس نشاطها بقوة دون أن تضعف أو تتراجع عن حقوقها في الإعلان عن مطالبها، وذلك أدعى للغة حوار حقيقية، إذ أنه طالما تتعرض إيران لعداءات صريحة من قوى إقليمية ودولية فإن فكرة محو المنظمة تظل عبثا لا ينتهي الى استقرار، وبدلا من الإرهاق العسكري والأمني الذي تتسبب فيه فإنه حري بطهران أن تبحث عن حلول غير عنترية، لأن حروب العصابات ضد الجيوش النظامية لم تنته في التاريخ أو الواقع المعاصر الى هزيمتها رغم أنها تبدو الطرف الأضعف، ولذلك فالاحتفاظ بالمنظمة في الخط العدائي يستنزف أي قدرات أخلاقية وأمنية وعسكرية للقضاء عليها.

سوء السلوك السياسي في التعامل مع مجاهدي خلق يفرز مظالم وانتهاكات متعاظمة لحقوق الإنسان ضد المنتمين للمنظمة والمتعاطفين معها، وذلك طبيعي في سياق سوء سياسة النظام الإيراني مع كثير من الملفات التي يتعامل معها وتتضخم بالفشل والأخطاء، وبالنظر لوضع المنظمة على الصعيد الدولي فإنها تحظى بدعم حقيقي خاصة بعد سعي الاتحاد الأوروبي لرفع اسمها من لائحة المنظمات الإرهابية، ولذلك فمن الذكاء التعاطي بجدية مع تحدي المنظمة بدلا من العسف الذي تمارسه الدولة الإيرانية بحقها وهي التي لديها حقوق بوصفها منظمة إيرانية وإن كانت تقيم خارج الأراضي الإيرانية في معسكر أشرف الذي يكشف عن وجه غير إنساني بالنظر الى ممارسات المخابرات الإيرانية فيه، وذلك ما يمثل دليل إدانة حقوقي قوي لسوء السياسة الإيرانية وفشلها المنهجي في التعاطي مع المعارضة بصورة أخلاقية من صميم مبادئ الثورة المعلنة والتي تؤكد اضطرابا مزمنا في فهم الحركة السياسية سواء بالداخل الإيراني أو حوله.

تحتاج الممارسة السياسية الى البعد الأخلاقي خاصة إذا ما كان نظام الحكم يرفع شعارات أخلاقية وإنسانية، وتضاده وتناقضه في النظرية والتطبيق يؤكد خللا في الإدارة، فالمظالم والانتهاكات التي تتعرض لها المعارضة الإيرانية عموما ومجاهدي خلق خاصة تكشف عن خلل أخلاقي عميق في الممارسة السياسية التي تعتبر وصمة عار في جبين الثورة التي فقدت خطها البياني الذي نزل الى أسفل وضاع في الهاوية، وعندما تأخذ العزة بالإثم أي نظام حكم في تعاطيه مع معارضيه على النموذج الإيراني فإنه حتما ينتقل من فشل الى آخر، ويقدم أسوأ نماذج إهدار الحقوق الإنسانية والكرامة، وإن لم يلتفت العالم لأوضاع حقوق الإنسان الإيرانية قريبا بسبب الإنشغال بالبرنامج النووي فمن المؤكد أن ذلك مما يعمل على إضعاف الثورة والنظام ويجعله نهشا لأي حراك داخلي لأنه يكون حينها هيأ نفسه للإنهيار بصورة دراماتيكية وتلقائية لأن مسيرة الزمن لا يمكن أن تبقى على حالها عندما يكون هناك خلل ما، وكل نظام حكم يعتمد على الأمن والمخابرات في بقائه في الحكم فإنه يقترب ولا شك أكثر من السقوط، حينها يفقد أي دعم أو سند شعبي، ساعتها ينتظر فقط رصاصة الرحمة.

إعلامية سعودية*