يحرص أحمدي نجاد سنويا على الحضور إلى نيويورك للمشاركة في الجلسات العمومية للامم المتحدة. ولا يُخفي متعته بالاضواء والاهتمام الاعلامي الذي يحظى به، ربما هي متعة حرية التعبير التي يحلم بها معارضوه في إيران، أو لعله يظن أننا سنصدقه ونكذب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتأكيداتها على سعي طهران لامتلاك السلاح النووي.
مهما تكن الأسباب، فإن عزلة أحمدي نجاد داخليا وخارجيا في تزايد مستمر، عقوبات اقتصادية أممية وأوربية وأميركية، وأكثر من ثلاثين تقريرا سلبيا صادرا عن الوكالة الدولية منذ عام 2003، فضلا عن تأكيدات من أن علاقة خامنئي به بدأت بالتدهور بسبب نزعة الأخير لزيادة نفوذه داخل النظام، حتى فيديل كاسترو رئيس كوبا السابق وأشهر المعادين للولايات المتحدة من الأحياء، نصحه علنا بالكف عن معاداة اليهود لكنه لم يصغ وعاد وكرر انكاره للهلوكوست في خطابه يوم الثلاثاء أمام قادة العالم في الأمم المتحدة.
وزاد كاسترو تحذيره في لقاء مع صحافي أميركي هذا الشهر الحكومة الإيرانية من مخاطر معاداة اليهود من منطلق ديني، مضيفا أن أزمة إيران مع واشنطن وتل ابيب قد تقود إلى اندلاع حرب نووية في الشرق الأوسط.

مؤشرات كثيرة تدلل على أن النظام الإيراني يدفع باتجاه حرب غير تقليدية هذه المرة فسعي طهران لتصنيع رؤوس نووية لم يعد سرا، وتقرير وكالة الطاقة الذرية الأخير يؤكد ذلك. تأثيرات أية حرب نووية لن تقتصر على إيران وإسرائيل، بل ستكون الدول العربية أكثر المتضررين فالسواحل الكويتية مثلا لا تبعد أكثر من 120 كيلومترا عن احد المفاعل النووية الإيرانية. فلماذا هذا الخمول العربي تجاه التهديد النووي الإيراني؟

يلف الجامعة العربية صمت مطبق بخصوص التهديد النووي الايراني حتى الدعوات الخجولة لبعض الدبلوماسيين العرب، احدهم يوسف العتيبي سفير الامارت المتحدة، بوضع الضربة العسكرية على الطاولة كخيار اضافي، يعقبها نفي رسمي من جانب وزارة خارجيتهم.

العرب يدركون قبل غيرهم أن سياسية تصدير الثورة الشيعية إلى المنطقة لم تتوقف. انظروا إلى تمدد النفوذ الإيراني إلى العراق، ولبنان، واليمن، والبحرين، وافغانستان، وغزة، الامر الذي دفع بالرئيس حسني مبارك في ديسمبر 2008 للتعبير عن قلقه من امتلاك إيران للسلاح النووي بقوله إن quot;الفرس يحاولون ابتلاع الدول العربيةquot;.
ليس هذا فقط، فأحمدي نجاد ينتمي إلى مدرسة الحجتية التي تؤمن بأن إشاعة الفوضى والدمار كفيل بتعجيل ظهور الامام المهدي الثاني عشر الذي يعتقد الشيعة بأنه غائب وسيعود قبل نهاية العالم.

وقال أحمدي نجاد بعد توليه الرئاسة عام 2005 quot;إن المهمة الرئيسية لثورتنا هي تمهيد الطريق لظهور الإمام المهدي الثاني العشرquot; ثم عاد في نهاية العام الماضي ليتهم الولايات المتحدة بالعمل على منع ظهور الامام المهدي، مشيرا إلى أن سبب تأخر ظهور الامام هو عدم توفر الحماية الكافية له ما قد يفسر مشروع إيران النووي الذي بدأ سرا منذ عام 1990.إنه يعتقد بان قدر إيران هو قيادة العالم بأسره عندما يحين الوقت، لا بل أنه عبر عن ذلك في زيارته الحالية إلى نيويورك عندما قال quot;إن الجميع في عالم اليوم يدرك أن هناك قوتين فقط تتمتعان بأقوى نفوذ في العالم، هما الولايات المتحدة وإيران.quot; إدعاءات فارغة ينقصها الدليل.

فهل يستطيع الناس في الشرق الاوسط بعد كل هذه الادلة النوم وهم يعلمون أن اصبع احمدي نجاد قد يضغط على الزر الاحمر الخاص باطلاق الصواريخ النووية على إسرائيل، ليقتل المدنيين من اليهود والعرب والدروز، رجالا واطفالا ونساء؟دعم إيران لحركة حماس بالمال والسلاح يجعل من فرصة إحلال السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل أصعب مما يجب. من مصلحة الدول العربية التي باركت المفاوضات المباشرة الحالية أن تزيح العامل الايراني من هذا الملف.

إسرائيل تريد السلام مع العرب، ونتانياهو يقول إنه يرى بعباس شريكا لعقد السلام لكن أحمدي نجاد ينتقد هذه الجهود، مهددا بأن التوصل إلى اتفاق لن يؤدي إلى انهاء النزاع. الحلول المتوفرة اليوم لمنع هذه الكارثة قد تختفي غدا. ياهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي يتوقع أن تمتلك إيران السلاح النووي خلال سنتين، فيما تعتقد سفيرة إسرائيل السابقة في الأمم المتحدة غابريلا شليف أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران لن تمنعها من الحصول على السلاح النووي، ولكنها مفيدة بتأخير ذلك.

تشديد العقوبات هو اسهل الخيارات، بالمقارنة مع خيار الضربة العسكرية أو قبول إيران النووية متسيدة على مقادير الشرق الاوسط. ويتم حاليا العمل على اصدار قرار جديد من مجلس الامن، أملاً بأن تؤدي إلى تكبيل النظام الإيراني ووضعه في صندوق الاحتواء، لعلهم يعودون إلى رشدهم ويتخلون عن خط اسلحة الدمار الشامل، ويكفون عن تهديد استقرار المنطقة، أو يتمكن الشعب الإيراني من إجراء التغيير المطلوب.
وجود أحمدي نجاد في نيويورك كان مفيدا ايضا، فهو لم ينف إصرار طهران على المضي في مشروعها النووي، مذكرا كل المهتمين بفداحة هذا الخطر، عسى أن ينسى العرب واليهود خلافاتهم ولو لساعات معدودة كي يضعوا حدا لهذا التهديد قبل أن تُزهق الارواح، ويبدأ سباق التسلح النووي في المنطقة.

رئيسة منظمة مشروع إسرائيل
مؤسسة عالمية، تأخذ من واشنطن والقدس مقرا لها، وتسعى إلى التثقيف من أجل سلام دائم في الشرق الاوسط.