يقول الدكتور عودة ابو ردينة في تقديمه مقال تيد ويدمار، في الذكرى التاسعة لتفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، وجناح من مبنى البنتاغون في واشنطن إنه rdquo;مـنـذ أحـداث أيـلـول/ سـبـتـمـبـر ٢٠٠١، قـامـت مـجـمـوعـات فـي الـولايـات الـمـتـحـدة بـجـهـود مـنـسَّـقـة لـمـهـاجـمـة الإسـلام وزعـزعـتـه. وكـان الـجـواب الـعـربـي عـلـى تـلـك الـهـجـمـات ضـعـيـفـاً عـديـم الـفـاعـلـيـة، فـقـصَّـرت الـدول الـعـربـيـة فـي إبـلاغ الـشـعـب الأمـيـركـي حـقـيـقـة الإسـلام. فـلـكـي يـفـهـم الأمـيـركـيـون الإسـلام، لا بـد لـهـم مـن مـعـرفـة الـعـرب والـمـسـلـمـيـن، وهـو أمـر يـجـب أن يـبـدأ بـالـتـواصـل والـحـوار.

أمـا مـؤسـسـو الـجـمـهـوريـة الأمـيـركـيـة فـقـد كـانـوا عـلـى مـعـرفـة بـالـقـرآن والإسـلام، وكـانـوا يـنـظـرون الـيـهـمـا بـاحـتـرام وإجـلال. وهـذا الـفـهـم يـنـم عـنـه بصدق ودقة ووضوح هذا المقال. والقـصـة التي يتوجب أن تُـروى لـكـل طـالـب فـي كـل مـدرسـة ثـانـويـة فـي أمـيـركـا مفادها إن كـلـفـة تـثـقـيـف وإعــلام الـشـعـب الأمـيــركـي عـن الـعــرب والـمـسـلـمـيـن لـيـسـت كـلـفـة كـبـيــرة. فــإذا لـم يـكـن الـعـرب عـلـى اسـتـعـداد لـتـثـقـيـف وتـنـويـر الـشـعـب الأمـيـركـي عـن الإسـلام، فـإن الـمـجـمـوعـات الـمـعـاديـة للإسلام كفيلة بمواصلة التشويه.

لـقـد سـمـح الـعـرب لـلـتـعـصـب الـقـديـم ضـد الإسـلام بـأن يـظـهـر مـن جـديـد مـن دون رد عـقـلانـي مـنـاسـب. ومـا كـان أي جـمـاعـة فـي أمـيـركـا لـتـسـمـح بـتـشـويـه ديـنـهـا أو ثـقـافـتـهـا مـن غـيـر رد قـوي وفـاعـل. فـالـجـمـاعـات الـعـرقـيـة الأخـرى، كـالـبـولـنـديـيـن، والإيـطـالـيـيـن، والإيـرلـنـديـيـن، والـيـونـانـيـيـن، والأرمـن، والـكـوبـيـيـن، والـمـكـسـيـكـيـيـن، والـسـود، شـكَّـلـوا مـنـظـمـات وraquo; لـوبـيـاتlaquo; فـعّـالـة لـمـحـاربـة الـتـمـيـيـز والـتـحـيُّـز ضـدهـم. وفـي الـمـقـابـل تـجـد الـمـنـظـمـات الـعـربـيـة والإسـلامـيـة ضـعـيـفـة، وغـيـر مؤثرة، ومنقسمة على نفسها، وهي دائماً تفتقر الى الأموال اللازمة.

إن الـدول الـعـربـيـة تـنـفـق مـلـيـارات الـدولارات عـلـى شـراء الأسـلـحـة الأمـيـركـيـة، والـسـيـارات، والـمـواد الـغـذائـيـة، وعـلـى الـمـعـدات الـطـبـيـة والـتـكـنـولـوجـيـة، وعـلـى الـسـيـاحـة، لـكـنـهـا لا تـخـصـص أمـوالاً تـذكـر لإنـشـاء مـؤسـسـات يـمـكـنـهـا تـعـزيـز الـتـفـاهـم مـع بـقـيـة شـعـوب أمـيـركـا، ودحـض الـدعـايـة الـمـعـاديـة للعرب والمسلمين التي تبثها وتنشرها جماعات وكيانات مختلفة.

وقـبـل عـشــريـن سـنـة قــام رجـل الأعـمــال الـفـلـسـطـيـنـي الـعــربـي الـمـعــروف، الـمــرحــوم حـسـيـب الـصـبـاغ، بـالـمـسـاعـدة عـلـى إنـشـاء مـركـز لـلـتـفـاهـم الإسـلامـي الـمـسـيـحـي فـي جـامـعـة جـورجـتـاون، فـسـبـق زمـانـه بـالإسـهـام الـمـالـي لـلـقـيـام بـهـذا الـمـسـعـى،وواجـه صـعـوبـة فـي جـمـع الأمـوال لـهـذا الـمـشـروع. فـلـم يـلـقَ دعـمـاً إلاّ مـن قـلـة مـن الـنـاس فـي مـسـعـاه هـذا يـومـهـا، نـذكـر مـن بـيـنـهـم المأسوف عليه رفيق الحريري.

والـمـفـارقـة الـمـذهـلـة أن فـي أمـيـركـا سـيـاسـيـيـن يـروجـون لـمـواقـف عـدائـيـة تـجـاه الـعـرب والإسـلام يـتـلـقـون جـزءاً مـن تـمـويـلـهـم مـن شـركـات لـهـا أعـمـال ضـخـمـة فـي الـبـلاد الـعـربـيـة. وغـنـي عـن الـقـول إن الـشـعـب الأمـيــركـي عـمــومــاً لا يـكـن الـعــداء لـلـعــرب ولـلـمـسـلـمـيـن، إلاّ أنـهـم مـضـلـلــون وتـحـف بـهـم دعـايـات مـغـرضـة. وتـغـذي هـذا الـتـضـلـيـل كذلك تـصـرفـات جماعـات عـبـثـيـة الـتـوجـه تـدعـو الـى الـعـنـف مـثـل raquo; الـقـاعـدةlaquo; ومـؤيـديـهـا. ذلـك أن هـجـمـات ١١ أيـلـول/ سـبـتـمـبـر هـزت الـوجـدان الأمـيـركـي الـى الأعـمـاق، وإزالـة أثـر تـلـك الـصـدمـة سـوف يـسـتـغـرق وقـتـاً طـويـلاً. وبـالـتـالـي، فـإن الـجـهـود الـعـربـيـة لتعزيز التفاهم يجب أن تبدأ سريعاً، وإلاّ فإن الضرر سوف يستمر ويتفاعل ويتصاعد.

وأخـيـراً، فـلـنـتـذكـر مـا أعـلـنـتـه الـسـيـدة إلـيـانـور روزفـلـت زوجـة الـرئـيـس الأمـيـركـي الـراحـل فرانكلين روزفـلـت بقولها: raquo; لا أحد له الحق في إهانتك من غير إذنك.laquo; فمتى ينتصح العرب بهذه النصيحة؟rdquo;.

يتناول تيد ويدمار في مقاله هذا أهل الكتاب من خلال القصة الحقيقية للقرآن الكريم في الولايات المتحدة، ويستهله بالقول:
مـضـى تـسـع سـنـوات عـلـى هـجـمـات ١١ أيـلـول/ سـبـتـمـبـر، ومـا زال يـخـيـم عـلـيـنـا شـبـحـهـا، بـل زاد سـوءًآ فـي بـعـض الـنـواحـي. وطـوال الـصـيـف الـمـاضـي نـشـب نـقـاش حـاد حـول بـنـاء جـامـع بـالـقـرب مـن مـوقـع الـبـرجـيـن الـمـتـهـدمـيـن، أثـاره بـعـض دعـاة الـيـمـيـن الـذيـن شـكـلـوا جـوقـة صـاخـبـة جـعـلـت مـن الـمـسـتـحـيـل الـتـركـيـز عـلـى الـحـقـائـق الـبـسـيـطـة لـلـقـضـيـة. ومـع اقـتـراب يـوم ١١ أيـلـول/ سـبـتـمـبـر، أثـارت كـنـيـسـة فـي بـلـدة غـايـنـسـفـيـل بـولايـة فـلـوريـدا عـاصـفـة هـوجـاء تـنـذر بـحـريـق كـبـيـر، بـكـل مـعـنـى الـكـلـمـة، عـنـدمـا دعـت الـمـسـيـحـيـيـن الـى الـتـجـمـع فـي تـلـك الـذكـرى لـلاحـتـفـال بـحـرق الـقـرآن الـكـريـم. فـقـد أقـام
مـركـز مـجـهـول لـم يـسـمـع بـه أحـد، ويـكـاد يـكـون وهـمـيـاً، هـو raquo; مـركـز دوف وورلـد أوتـريـتـشlaquo;، تـجـارة مـن الـتـهـجـم عـلـى الإسـلام، مـروجـاً حـمـلـة الـكـراهـيـة الـقـديـمـة بـأحـدث الأسـلـحـة، مـثـل raquo; يـوتـيـوب وlaquo;laquo;فايسبوك raquo;،وغيرهما من وسائل الإنترنت تحت عنوان laquo; عشرة أسباب لحرق القرآنraquo;.

ومـن الـواضـح أن هـذا الـفـعـل هـو لـتـرويـج الـذاتـي وكـسـب الـشـهـرة، بـقـدر مـا هـو إعـلان جـدي عـن قـضـايـا ديـنـيـة. أمـا الـقـس الـمـحـرض فـي تـلـك الـقـضـيـة، ويـدعـى تـيـري جـونـز، فـقـد بـنـى حـمـلـتـه عـلـى فـرضـيـات مـلـتـويـة، مـنـهـا اعـتـقـاده بـأن الـمـسـلـمـيـن هـم دائـمـاً فـي مـزاج عـكـر، حـيـث تـسـاءل أمـام الـكــامـيــرا بـقــولـه: raquo; هـل رأى أحــدكـم مـسـلـمــاً يـطـفـح بــالـسـعــادة؟.laquo; وعـلـى الــرغـم مـن الـطـبـيـعـة الـكـاريـكـاتـوريـة لـهـذه الـدعـوة، ومـن إقـدام صـاحـبـهـا عـلـى إلـغـائـهـا قـبـيـل الـمـوعـد الـمـحـدد تـحـت الـضـغـط، فـإن تـوقـيـت هـذا الـسـيـرك الإعـلامـي كـان كـارثـة لـلـسـيـاسـة الـخـارجـيـة الأمـيـركـيـة، ولـلـجـنـود الأمـيـركـيـيـن الـذيـن تـدعـو لـحـمـايـتـهـم. فـفـي الـلـحـظـة الـتـي أردنـا فـيـهـا الـعـمـل كـرعـاة لـلـسـلام فـي الـشـرق الأوسـط، امـتـلأت الأذهـان حـول الـعـالـم بـصـور الـكـتـاب الـمـقـدس لـلـمـسـلـمـيـن تـلـقـى نـسـخـه فـي الـنـار في أميركا.

عـلـى أنـه لا أحـد يـسـتـطـيـع أن يـفـعـل شـيـئـاً، لـلأحـسـن أو لـلأسـوأ، مـع الـمـتـطـرفـيـن الـديـنـيـيـن الـذيـن يـجـافـون الـورع والـلـيـاقـات، ويـبـقـى تـصـرفـهـم هـذا فـي إطـار مـنـطـوق الـقـانـون. فـالـدسـتـور ذاتـه الـذي يـكـفـل حـق الـعـبـادة بـحـريـة، يـحـمـي حـق الـعـبـادة الـسـيـئـة. لـكـن شـهـر أيـلـول/ سـبـتـمـبـر هـو أيـضـًا ذكـرى وثـيـقـة عـام ١٧٨٧ الـتـي رسـمـت أطـر نـظـام الـحـكـم فـي الـولايـات الـمـتـحـدة، وفـي هـذه الـذكـرى لـلـغـضـب الـذي أطـلـقـتـه شـرارة الاسـتـقـلال الـمـعـروفـة بـاسـم raquo; حـفـلـة الـشـايlaquo;، يـجـدر بـنـا أن نـقـف وقـفـة سـواء مـع تـاريـخـنـا. فـلا شـيء يـضـيـر أن تـحـدونـا الـرغـبـة فـي الـعـودة الـى الـمـبـادىء الـتـأسـيـسـيـة لـلـجـمـهـوريـة الـتـي جـعـلـت مـن أمـيـركـا بـلـداً عـظـيـمـاً. لـكـنـنـا يـجـب أن نـأخـذ وقـتـنـا ونـتـمـعـن فـي حـقـيـقـة تلك المبادىء.

وكـالـعـادة، كـان الآبـاء الـمـؤسـسـون سـبّـاقـيـن لـنـا عـنـدمـا فـكـروا مـلـيّـاً فـي بـنـاء بـلـد عـلـى مـعـتـقـدات مـخـتـلـفـة. ومـع أن الـقـرآن كـان كـتـابـاً غـريـبـاً عـن مـعـظـم الأمـيـركـيـيـن، ولـكـي يـأخـذوا تـصـورهـم الـى أبـعـد مــدى، فـقــد قــرأوا الـقــرآن ودرســوا الإســلام بــذكــاء هــادىء بــالـكــاد يـتـخـيـلـه أولـئـك الأمـيــركـيــون الـمـتـطـرفـون الـنـافـخـون الـيـوم فـي نـار الـفـتـنـة. كـان الـمـؤسـسـون يـعـرفـون شـيـئـاً لا نـعـرفـه نـحـن. ومـمـا يدهش الى درجة كبيرة أن القرآن لم يكن خارج سياق التاريخ الأميركي، بل كان في صلبه.

ولـيـس مـن كـتـاب يـعـرض هـذه الـقـضـيـة أفـضـل مـن مـجـلـد واحـد يـقـبـع عـمـيـقـاً فـي مـعـقـل مـكـتـبـة بـوسـطـن الـعـامـة فـي raquo; سـاحـة كـوبـلـيlaquo;، وهـو كـتـاب مـصـنـف تـحـت رقـم raquo; آدامـز laquo;٢٨١.١، وهـو نـسـخـة مـن الـقـرآن الـكـريـم تـعـود الـى الـمـجـمـوعـة الـخـاصـة مـن كـتـب الـرئـيـس جـون آدامـز. وهـو كـتـاب مـتـواضـع لـيـس مـزخـرفـاً، لـكـنـه يـزيـن تـلـك الـمـجـمـوعـة الـعـائـدة لـلـرئـيـس الـثـانـي لـلـولايـات الـمـتـحـدة وعـددهـا ٢٤٠٠ كـتـاب.لـكـنـه يـروي قـصـة مـهـمـة، ويـذكـرنـا بـحـكـمـة الآبـاء الـمـؤسـسـيـن، وكـم كـانـوا مـحـصـنـيـن ضـد الـتـعـصـب والـتـطـرف الـذي يـنـبـت كـالـفـطـر كـلـمـا اخـتـلـط الـديـن بـالـسـيـاسـة. فـهـم مـثـلـنـا كـانـوا يـعـيـشـون فـي مـنـاخ عــالـمـي مـعـقــد ومـعــاد أحـيــانــاً يـهـيـمـن عـلـيـه الـصــراع الــديـنـي، والإرهــاب، وسـفـك الــدمــاء بـيـن الإمـبـراطـوريـات الـمـتـصـارعـة. لـكـنـهـم، خـلافـاً لـمـا هـو عـلـيـه حـالـنـا، رأوا الـعـالـم كـمـا هـو أفـضـل مـنـا،وقـاومـوا الإغـراء الـمـتـمـثـل بـتـضـخـيـم أعـدائـنـا بـاعـتـبـارهـم وحـوشـاً شـيـطـانـيـة، أو الـتـظـاهـر بـبـسـاطـة أنـه لا
وجود لهم.

إن أخـبـار وجـود نـسـخ مـن الـقـرآن الـكـريـم فـي أمـيـركـا تـعـود الـى الـعـام ١٦٨٣، عـنـدمـا أحـضـر أحـد الـمـسـتـوطـنـيـن الألـمـان الـى بـلـدة raquo; جـيـرمـانـتـاونlaquo; بـولايـة بـنـسـلـفـانـيـا نـسـخـة بـالـلـغـة الألـمـانـيـة الـى شـواطـىء هـذه الـبـلاد. لـكـن قـرآن آدامـز عـلـى الـرغـم مـن كـونـه غـريـبـاً، كـانـت لـه نـفـحـة قـويـة مـن أجـواء فـي أمـيـركـا. إذ إنـه أول نـسـخـة أصـلـيـة مـن الـقـرآن تـنـشـر فـي الـولايـات الـمـتـحـدة، حـيـث laquo;إنـغـلانـد نـيـو raquo; طبع في مدينة سبرينغفيلد في عام ١٨٠٦. فـلـمـاذا قـام جـون آدامـز ومـجـمـوعـة مـن الـمـزارعـيـن فـي raquo; وادي كـونـاكـتـيـكـتlaquo; بـشـراء نـسـخ مـن الـقـرآن الكريم في عام ١٨٠٦؟ ومـن الـمـدهـش أنـه فـي تـلـك الـمـنـطـقـة مـن أمـيـركـا كـان هـنـاك تـقـلـيـد راسـخ لـدى الـمـواطـنـيـن بـقـراءة الـكـتـب الـديـنـيـة الإسـلامـيـة. فـالـشـخـص الأسـطـوري الأزرق الأنـف raquo; كـوتـون مـاذرlaquo; فـيـه عـيـوب كـثـيـرة لـكـن لـيـس مـن بـيـنـهـا الـفـضـول لـمـعـرفـة الـعـالـم. فـقـد أولـى raquo; مـاذرlaquo; اهـتـمـامـاً بـالإمـبـراطـوريـة الـعـثـمـانـيـة فـي قـراءاتـه الـنـهـمـة، حـيـث تـعـرف عـلـى الـقـرآن الـكـريـم وجـوّد مـقـاطـع مـنـه أحـيـانـاً بـصـوتـه الـنـحـيـل. وفـي تـلـك الـمـرحـلـة مـن الـقـرن الـسـابـع عـشـر كـان الـقـراصـنـة قـبـالـة شـواطـىء شـمـال إفـريـقـيـا يـخـطـفـون الـبـحـارة الأمـيـركـيـيـن، فـكـان ذلـك مـصـدر ضـيـق وقـلـق، فـشـجـب raquo; مـاذرlaquo; أولـئـك الـقـراصـنـة عـلـى أنـهـم quot;مـحـمـديـون أتـراك ومـغـاربـةوشـيـاطـيـنraquo; لـكـنـه كـان مـعـجـبـاً بـالـمـعـارف الـعـربـيـة والـعـثـمـانـيـة. وعـنـدمـا نـجـح الأتـراك فـي اسـطـنـبـول وإزمـيـر بـحـمـلـة الـتـلـقـيـح ضـد وبـاء الـجـدري، قـاد حـمـلـة شـعـبـيـة فـي مـديـنـة
بـوسـطـن لـتـعـمـيـم ذلـك الـتـلـقـيـح فـي الـمـديـنـة. وقـد تـم الـتـشـهـيـر بـه بـسـبـب تـلـك الـحـمـلـة مـن قـبـل الـذيـن اعـتـبـروا الـتـلـقـيـح ضـد الـجـدري مـن عـمـل الـشـيـطـان، فـقـط بـسـبـب أصـلـه الإسـلامـي، لـكـن ذلـك كـان لـه من نقاط التجلي.

وهـنـاك بـيـن الأمـيـركـيـيـن الأوائـل مـن شـجـب الإسـلام أيـضـاً، ومـن الـعـجـب أن مـن بـيـن هـؤلاء روجـر ويـلـيـامـز الـذي يـعـتـبـر مـن دعـاة الـتـسـامـح، لـكـنـه عـبّـر عـن quot; أمـلـه فـي إلـقـاء بـابـا رومـا ومـحـمـد فـي بـركـة مـن الـنـار والـكـلـس الـمـغـلـي quot;. لـكـن رود أيـلانـد ثـم مـنـطـقـة quot; نـيـو إنـغـلانـدquot; عـمـومـاً فـتـحـت ذراعـيـهـا لاسـتـقـبـال أغـراب وفـدوا فـي أعـقـاب raquo; الـمـهـاجـريـن الـبـيـوريـتـانـيـيـنlaquo; وأبـرزهـم الـطـائـفـة الـيـهـوديـة الـصـغـيـرة الـتـي اسـتـوطـنـت فـي نـيـوبـورت حـيـث أقـامـت raquo; كـنـيـس تـوروlaquo; كـمـعـبـد لـهـؤلاء الـيـهـود الأوائـل، وهـو أقـدم كـنـيـس يـهـودي فـي أمـيـركـا. ويـمـكـن الـقـول مـن الـنـاحـيـة الـنـظـريـة عـلـى الأقـل، أن هـذا الـتـسـامـح امـتـد ليشمل المسلمين، مع أن عددهم قليل جداً في ذلك الوقت.

لـكـن هـذه الـنـظـريـة جـرى الـتـعـبـيـر عـنـهـا تـعـبـيـراً بـلـيـغـاً فـي الـوقـت الـذي كـتـب فـيـه الـدسـتـور الأمـيـركـي، ومـن أبــرز نـمــاذجـه دسـتــور ولايـة مــاســاتشــوسـتـس فـي عــام ١٧٨٠، الــذي شــارك جــون آدامــز فـي إعـداده، والـذي قـال أحـد واضـعـيـه ثـيـوفـيـلـوس بـارسـونـز أنـه صُـمـم لـضـمـان raquo; أوسـع مـدى مـن حـريـة laquo; الضمير للمؤمنين بالله من محمديين ويهود ومسيحيينquot;. وفـيـمـا كـان الآبـاء الـمـؤسـسـون يـتـداولـون حـول أنـواع الـنـاس الـمـفـتـرض أن يـعـيـشـوا فـي تـلـك الـبـلاد الـجـديـدة والـغـريـبـة الـتـي يـنـشـئـون، اعـتـبـروا الـمـسـلـمـيـن حـالـة قـصـوى مـن الـغـربـة فـي تـلـك الـديـار مـمـا يـوجـب حـمـايـتـهـم فـي الـمـسـتـقـبـل. وربـمـا كـانـوا يـتـخـيـلـون فـي ذلـك الـوقـت الـمـبـكـر أن رجـلاً كـاثـولـيـكـيـًا أو مـسـلـمـاً يـمـكـن أن يـأتـي رئـيـسـاً لـهـذه الـبـلاد فـي يـوم مـن الأيـام. وقـد قـامـوا بـمـنـاقـشـة هـذا الأمـر كـأي أمر آخر.
بـعـض هـؤلاء اعـتـرض عـلـى ذلـك، لـكـن ريـتـشـارد هـنـري لـي أصـر عـلـى quot;أن الـحـريـة الـحـقـيـقـيـة تـشـمـل الـديـانـة الـمـحـمـديـة، والـهـنـدوسـيـة، إضـافـة الـى الـديـانـة الـمـسـيـحـيـةquot;. بـل إن جـورج واشـنـطـن ذهـب الـى أبـعـد مـن ذلـك عـنـدمـا أطـرى عـلـى الـمـسـلـمـيـن فـي مـنـاسـبـات عـديـدة، وأعـرب عـن اسـتـعـداده لاسـتـقـبـالـهـم فـي quot; مـونـت فـيـرنـونquot; إذا كـانـوا راغـبـيـن فـي الـعـمـل هـنـاك. وجـادل بـنـجـامـيـن فـرانـكـلـيـن بـأنـه يـجـب إعـطـاء الـحـق لـلـمـسـلـمـيـن بـتـبـشـيـر الـمـسـيـحـيـيـن، إذا أصـريـنـا عـلـى حـق الـمـسـيـحـيـيـن فـي تـبـشـيـرهـم. وفـي أخـريـات حـيـاتـه، اسـتـعـار لـنـفـسـه اسـم كـاتـب مـسـلـم لـيـسـخـر مـن الـنـفـاق الأمـيـركـي فـي مـسـألـة الـعـبـيـد والرق.
أمـا تـومـاس جـيـفـرسـون، عـلـى وجـه الـخـصـوص، فـقـد كـان عـلـى بـيـنـة مـذهـلـة مـن الإسـلام. وشـأن سـلـفـه الـرئـيـس آدامـز، كـانـت لـديـه نـسـخـة مـن الـقـرآن الـكـريـم، هـي نـسـخـة إنـكـلـيـزيـة تـعـود الـى عـام ١٧٦٤ اشـتـراهـا وهـو شـاب يـدرس الـحـقـوق فـي كـلـيـة ويـلـيـامـسـبـورغ بـولايـة فـيـرجـيـنـيـا. ومـنـذ سـنـتـيـن أثـارت تـلـك الـنـسـخـة مـن الـقـرآن جـدلاً عـنـد انـتـخـاب أول عـضـو مـسـلـم فـي الـكـونـغـرس الأمـيـركـي، هـو كـيـث
ألـيـسـون عـن الـحـزب الـديـمـوقـراطـي فـي ولايـة مـيـنـيـسـوتـا، حـيـث طـلـب الـعـضـو الـمـذكـور فـي الـكـونـغـرس أن يـقـسـم الـيـمـيـن الـدسـتـوريـة عـلـى تـلـك الـنـسـخـة مـن الـقـرآن الـكـريـم تـحـديـداً، وهـو طـلـب اسـتـدرج تـعـلـيـقـات جـارحـة مـن الـمـعـلـقـيـن الـمـتـطـرفـيـن فـي بـعـض الإذاعـات. بـل إن جـيـفـرسـون حـاول تـعـلـم الـلـغـة الـعـربـيـة، وفـي قـانـون الـحـريـات الـديـنـيـة الـذي تـقـدم بـه قـال إن غـايـة هـذا الـقـانـون هـي quot;حـمـايـةاليهود والأقوام الأخرى، والمسيحيين والمحمديين، والهندوس، والملحدين من أي فصيلquot;. وفـيـمـا الـولايـات الـمـتـحـدة تـتـلـمـس طـريـقـهـا الـى الـوجـود، قـام جـيـفـرسـون وآدامـز بـمـفـاوضـات مـبـكـرة مـع الـقــوى الإســلامـيـة، فـتـم تــوقـيـع مـعــاهــدة مـع الـمـمـلـكـة الـمـغــربـيـة اعـتـبــرت الأمـيــركـيـيـن مـن أهـل الـكـتـاب، مـثـل الـمـسـلـمـيـن تـمـامـاً، مـن حـيـث عـزوفـهـم عـن صـنـمـيـة الـديـانـات الـرسـمـيـة لـلـدول الأوروبـيـة.

وعـنـدمـا تـبـوأ آدامـز سـدة الـرئـاسـة بـعـد جـورج واشـنـطـن عـقـد مـعـاهـدة مـع طـرابـلـس الغرب( لـيـبـيـا)، جـاء فـيـهـا أن تـلـك الـمـعـاهـدة quot;لا تـقـوم بـأي شـكـل مـن الأشـكـال عـلـى الـديـانـة الـمـسـيـحـيـةquot;، وبـالـتـالـي فـإنـه لـيـس لهاlaquo; أي طابع من العداء لقوانين وديانة واستقرار المسلمين raquo;.
وهـنـاك مـجـمـوعـة أخـرى مـن الأمـيـركـيـيـن الـذيـن قـرأوا الـقـرآن، لـيـس كـمـصـدر شـرعـي أو كـوحـي الـهـي، بـل كـشـيء مـخـتـلـف تـمـامـاً يـعـبـر عـن الـحـنـيـن لـلـوطـن. ومـع أنـه لا تـوجـد أدلـة دامـغـة، فـإن الـتـقـديـرات تـشـيـر الـى أن ٪20 مـن الـعـبـيـد الـسـود فـي أمـيـركـا جـيء بـهـم مـن بـيـئـات إسـلامـيـة فـي إفـريـقـيـا. وهـؤلاء أبـقـوا عـلـى مـعـرفـة الـقـرآن حـيـة عـن طـريـق الـذاكـرة، أو عـن طـريـق تـجـويـد آيـات مـنـه، أو فـي حـالات نـادرة جـاءوا بـنـسـخ مـهـربـة مـنـه. وفـي الـثـلاثـيـنـات مـن الـقـرن الـمـاضـي اسـتـجـوب الـعـامـلـون فـي quot; وكـالـة الأشـغــال الـعــامـةquot; الـتـي أقــامـتـهــا الإدارة الأمـيــركـيـة لـمـكــافـحـة الـبـطــالـة الــواسـعـة فـي حـيـنـه، بـعـض الأمـيـركـيـيـن الـسـود فـي الـجـزر الـبـحـريـة لـولايـة جـورجـيـا، فـأفـادوا بـأن أحـد أسـلافـهـم ويـدعـى بـلالـي كـان يـنـطـق بـالـلـغـة الـعـربـيـة ولـديـه نـسـخـة مـن الـقـرآن الـكـريـم. وهـذه حـقـيـقـة مـدهـشـة إذا عـلـمـنـا أن الـقـراءة بـيـن الـعـبـيـد فـي ذلـك الـوقـت كـانـت تـعـد جـريـمـة شـديـدة الـعـقـوبـة. وفـي حـرب عـام ١٨١٢ مـع بـريـطـانـيـا قـام بـلالـي ورفـاقـه مـن الـمـسـلـمـيـن بـالـدفـاع عـن أمـيـركـا لـصـد الـهـجـوم الـبـريـطـانـي، مـمـا يـقـلـب كلياً الصورة الجارية الآن عن المسلمين في أميركا.

وفـي عـام ١٧٩٠، بـعـد دخـول آخـر ولايـة مـن الـولايـات الـثـلاث عـشـرة الأصـلـيـة فـي الاتـحـاد، وأصـبـحـت الـولايـات الـمـتـحـدة اسـمـاً عـلـى مـسـمـى، قـام جـورج واشـنـطـن فـي الـسـنـة الأولـى مـن ولايـتـه الـرئـاسـيـة بـزيـارة الـى تـلـك الـولايـة، ومـنـهـا رود أيـلانـد الـمـتـمـردة، حـيـث تـوجـد الـطـائـفـة الـيـهـوديـة فـي نـيـوبـورت.
وفـي الـرسـالـة الـتـي بـعـث بـهـا الـيـهـم بـعـد الـزيـارة، أصـاب واشـنـطـن كـبـد الـحـقـيـقـة فـبـدد الـكـثـيـر مـن الـكـلام الـمـعـادي لـلأجـانـب الـذي كـان قـد بـدأ يـسـمـم الأجـواء الـسـيـاسـيـة فـي ذلـك الـوقـت، حـيـث وجـه رسـالـتـه الـى quot; أولاد نـسـل ابـراهـيـمlaquo;quot; ( وهـذه عـبـارة تـشـمـل مـن الـنـاحـيـة الـنـظـريـة الـمـسـلـمـيـن الـى جـانـب اليهود)، وفيها قدم رئيس الولايات المتحدة تصوراً فسيحاً بالفعل، قال فيه: quot;فـلـتـكـن لأولاد نـسـل ابـراهـيـم الـقـاطـنـيـن فـي هـذه الـبـلاد الـجـدارة لـلاسـتـمـتـاع بـالـنـوايـا الـحـسـنـة لـبـقـيـة الـسـكـان، حـيـث يـقـبـع كـل واحـد آمـنـاً تـحـت عـريـشـتـه أو تـحـت شـجـرة الـتـيـن الـتـي لـه، ولـن يـكـون هـنـاك أي شيء يجعله خائفاًquot;.
ولـكـي تـدوم الـديـمـوقـراطـيـة، لا بـد مـن الـتـوافـق: أي الـرغـبـة فـي الـتـخـلـي عـن شـيء مـن الـهـويـة الـثـقـافـيـة لـلـحـفـاظ عـلـى هـدف أسـمـى لـمـجـتـمـع عـامـل. ومـا زالـت رسـالـة واشـنـطـن هـذه تـقـدم فـرصـة مـغـريـة، خـصـوصـاً أن خـلـيـفـتـه الحالي الـمـشـيـح عـن الـضـوضـاء الـصـاخـبـة فـي غـايـنـزفـيـل يـصـب اهـتـمـامـه عـلـى عـمـل جوهري قوامه إقامة السلام في الشرق الأوسط من أجل جميع ldquo;اولاد نسل ابراهيمrdquo;.
-------------------------------------------------------
* تـيـد ويـدمـار عـضـو مـجـلـس إدارة مـؤسـسـة quot; بـيـاتـريـس وخـولـيـو مـاريـو سـانـتـو دومـيـنـغـوquot;، وأمـيـن مـكـتـبـة ldquo;جون كارتر براونrdquo; في جامعة ldquo;براونrdquo; في رود ايلاند. وهذا المقال تنشره ldquo;ايلافrdquo; باتفاق خاص مع ldquo; الديبلوماسيrdquo; التقرير الذي يصدره شهرياً من لندن الصحافي اللبناني
ريمون عطااللّه ndash; عدد تشرين الاول/ اكتوبر 2010- المجلد 15