كانت اعجوبة، او قل بتعبير اخر معجزة، خروج محمد البالغ من العمر 37 عاما، وصاحب الجسم الممتليء، سالما-الا من خدوش بسيطة-من الانفجار الذي استهدف مقر شركة اسيا سيل للهاتف النقال في منطقة المنصور الراقية غرب العاصمة بغداد صباح يوم الاحد الماضي، التاسع عشر من شهر سبتمبر الجاري، وتحديدا قرب تمثال ابو جعفر المنصور الذي اثير جدل كبير قبل حوالي عامين حول هدمه، ومحمد يمتلك محلا قريبا من مكان الانفجار، وبسبب هول الانفجار فأنه الحق خسائر مادية فادحة بمقر الشركة اضافة الى البيوت والمحلات والسيارات القريبة منها، ناهيك عن الخسائر البشرية التي لم تتبين اعدادها بالضبط, اول سؤال تلقاه محمد من اصدقائه وزملائه بعد ان شاهدوه هو quot;كيف خرجت سالما؟،، الحمد لله على سلامتكquot;، ويوم الاحد الذي شهد تفجير مقر شركة اسيا سيل كان يوما داميا اخر في حياة العراقيين، فالى جانب تلك العملية، وقعت عملية ارهابية اخرى بسيارة مفخخة في ساحة عدن بمدينة الكاظمية المقدسة، رافقتها تفجيرات اخرى بعبوات ناسفة في منطقتي البنوك والنهضة، لتكتمل الصورة في عصر ذلك اليوم بعملية ارهابية بمدنية الفلوجة(50 كم غرب بغداد) التابعة لمحافظة الانبار، وبالنسبة للساكنين على مسافات ليست بعيدة عن المنطقة الخضراء شديدة التحصين، كان بأمكانهم ان يسمعوا اصوات قذائف الهاون المنطلقة عليها بين الفينة والاخرى خلال ساعات النهار وساعات الليل، صورة الاحد الدامية، باتت هي الاخرى مألوفة لدى الكثير من العراقيين لاسيما ابناء العاصمة بغداد، مثلما باتت حوارات ومباجثات الساسة العراقيون مألوفة في عدم جدوى اللجزء الاكبر منها، عندما وقعت انفجارات المنصور والكاظمية صباح يوم الاحد الماضي، كانت الجلسة غير الرسمية لمجلس النواب العراقي على ضوء مبادرة المرشح لرئاسة الحكومة عادل عبد المهدي والائتلاف الوطني العراقي الذي رشحه على وشك ان تبدأ في القاعدة الدستورية للبرلمان تحت عنوان(مجلس النواب,،قلب العملية الديمقراطية في البلاد)، اكثر من خمسين عضوا في البرلمان العراقي الجديد حضروا الجلسة معظمهم من الائتلاف الوطني العراقي وعدد قليل من التحالف الكردستاني والقائمة العراقية، اما ائتلاف دولة القانون فقد قاطع الجلسة بالكامل، وهذا امر كان متوقعا، وهو يعكس في جانب كبير منه تقاطع الاجندات السياسية، وتمحورها لدى البعض حول المصالح والحسابات الخاصة، ففي جلسات الحضور الست عشرة التي تبناها عبد المهدي وتفاعل وحضر معه نوابا من كتل مختلفة، لم يحضر ولا نائب واحد من ائتلاف دولة القانون، لان هذا الاخير اعتبر في داخل دوائره الخاصة، ولم يفصح عن ذلك، بأن عبد المهدي منافس المالكي بادر الى تلك الخطوة لرفع رصيده وسحب البساط من تحت اقدام المالكي من خارج اطار التحالف الوطني وبمساعدة العراقية بثقلها السني والتحالف الكردستاني بثقله الكردي، وخصوصا بعد ان ضمن تأييد ودعم التيار الصدري، الحراك السياسي العراقي ومنذ اكثر من ستة شهور وفق هذا الايقاع التشكيكي التوجسي، كان واضحا انه يقوم على مبدأ معارضة ما يقوم به الاخر انطلاقا من فرضية مسبقة، وهي انه يريد اضعاف منافسه والتغلب عليه، حتى وان كان ذلك يصب في مصلحة العراقيين من امثال محمد الذي نجى بأعجوبة من انفجار المنصور، ومشهد الصراع والتنافس الحاد بين المالكي وعلاوي على امتداد ستة شهور يمثل تعبيرا حيا وصادقا عن واقع سياسي سيء، انتهى الى القفز على الدستور وخرقه بطريقة فاضحة بعد ان كان الجميع يدعي التمسك والالتزام به، حتى بات الخلاف يقوم على تفسير الدستور من اجل الهروب والتنصل من الالتزامات التي يرتبها والقيود التي يضعها، ولم تهدأ جذوة السجال بين علاوي والمالكي قليلا الا حينما اعلن الائتلاف الوطني ترشيح عبد المهدي رسميا لرئاسة الحكومة، ليكون ذلك الاعلان مثلما قال برلمانيون في اكثر من كتلة سياسية بمثابة تغيير بخارطة التحالفات والحسابات السياسية، واعادة ترتيب الاوراق والمواقف، واتجاه نحو حلحلة لابد منها، بيد انه تبقى هناك عقبات وعراقيل غير قليلة امام ترشيح عبد المهدي تحتاج الى متسع من الوقت لتجاوزها والتغلب عليها، مع ضرورة عدم اهمال او التغافل عن حقيقة ان الملف العراقي مفتوح على كل الاحتمالات، السيئة والجيدة على السواء، ومادامت الاوضاع السياسية معلقة، ببقاء الاشكاليات والعقد والاخلافات والاختلافات والمماحكات بين الفرقاء السياسيين، فأن الاوضاع الامنية ستبقى سائرة ومتحركة بنفس الايقاع، ومن الخطأ الاستغراق والتفاؤل وانتظار وتوقع حصول تحسن امني ملموس، في وقت لم يعد الملف الامني يتصدر قائمة اهتمامات الماسكين بزمام الامور، وفي وقت بدا واضحا ان تنظيم القاعدة وبقايا حزب البعث المنحل نجحت في ابتكار اساليب جديدة تتيح لها العودة الى المسرح وخلط الارواق مرة اخرى، وهي تراهن على الفشل السياسي اولا واخيرا، فالفشل السياسي يعني مزيدا من مشاهد القتل والدمار كما في الكاظمية والمنصور، والعكس صحيح، Adil969@hotmail.com
- آخر تحديث :
التعليقات