الإمام فيصل عبد الرؤوف من الأسماء التي تتناولها الأخبار بصفة شبه يومية منذ اشتعل الصراع بينه وبين ما يزيد عن 70 بالمائة من الأمريكيين بشأن المسجد الذي يزمع إقامته بالقرب من موقع برجي التجارة العالمي بنيويورك. حتى وقت قريب لم يكن الكثيرون يعرفون فيصل عبد الروف، ولكن الرجل أصبح مؤخراً واحداً من أشهر الشخصيات التي تسعى وراءها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام. جاءت شهرة عبد الرؤوف الواسعة بعدما بادر الرجل مع شركاء مسلمين بشراء مبنى قديم يقع على بعد امتار قليلة من موقع برجي التجارة العالمي اللذين انهارا من جراء هجمات 11 سبتمبر الإرهابية بغرض إقامة ما قال انه مبنى اجتماعي ضخم يضم مسجداً. استفز عبد الرؤوف الرأي العام الأمريكي عندما بادر بالإعلان عن مشروعه بالقرب من موقع يعتبره الأمريكيون مقدساً بدماء مئات الأمريكيين الذين قتلوا في هجمات 11 سبتمبر. يكرس اليمين الأمريكي حالياً كل نفوذه لإقناع الأمريكيين بالمطالبة بضرورة نقل موقع المسجد إلى موقع أخر، مستخدماً تصريحات ومواقف لعبد الرؤوف للتدليل على عدم اعتدال الرجل وللبرهنة على صحة مخاوفهم من إنشاء مسجد قد يعتبره المتطرفون المسلمون انتصاراً لهم في غزوة برجي التجارة العالمي.

يتهم اليمين الأمريكي الإمام عبد الرؤوف بالتطرف ومناصرة منظمات إرهابي ورفض إدانة الإرهاب. ومن الأقوال التي يأخذها الأمريكيون على الإمام عبد الرؤوف تصريحه بأن سياسات الولايات المتحدة كانت اداة في هجمات 11 سبتمبر، وبأن أسامة بن لادن صناعة أمريكية، وبأن هجمات سبتمبر أفادت الإسلام وبأنها تشكل نقطة مهمة في تاريخ الإسلام بالولايات المتحدة، وبأن يدي الولايات المتحدة ملطختان بدماء اعداد من المسلمين تفوق أعداد الأمريكيين الذين قتلوا في اعتداءات 11 سبتمبر. كما يأخد الأمريكيون على عبد الرؤوف رفضه إدانة منظمات إرهابية كحركة حماس وحزب الله، ومطالبته الولايات المتحدة بالاعتراف بأنها قامت بإذاء المسلمين كشرط لإنهاء الإرهاب.

لم أشأ قبول موقف الإعلام اليميني الأمريكي من الإمام عبد الرؤوف من دون دلائل أو براهين، ومن ثم قررت،بعد اشتعال أزمة المسجد الذي يزمع إنشاءه، متابعة تصريحات الإمام عبد الرؤوف لمعرفة حقيقتة الرجل وطبيعة مواقفه. من أهم التصريحات التي لفتت انتباهي كانت تلك التي تتعلق بسعيه لأمركة الإسلام. ولأن عبد الرؤوف لم يسهب في وصف ما عنيه بأمركة الإسلام، كان فهم تصريحه عسيراً. تساءلت عن كيفية صبغ الإسلام بصبغة أمريكية في الوقت الذي يتهم فيه المسلمون الولايات المتحدة بأنها بلد الكفر والمجون وبلد المنحرفين والفاسقين. أسئلة كثيرة دارت في ذهني تعلقت بتصريحات عبد الرؤوف. لم أعتقد أبداً بقدرة الإسلام على الانسجام مع مباديء وعادات المجتمع الأمريكي الذي تأسس على تقديس الحرية المطلقة إيجابية كانت أو سلبية. وقلت لنفسي لو أن الحضارة الأمريكية كانت متلائمة مع الإسلام لما اعتبرها علماء الإسلام رجساً من الشيطان ولما رفضتها الغالبية العظمى من المسلمين حول العالم.

بعد تكفير طويل في أمر تصريح الإمام عبد الرؤوف ساورتني خلالها شكوك كثيرة بشأن الرجل سلّمْت بأن الرجل أطلق تصريحه إما بغرض الفرقعة الإعلامية، أو بغرض محاولة إقناع الأمريكيين بتسامح الإسلام وقدرته على التطور مع الحضارة التي يعيش بها، أو بغرض إقناعهم بعدم بوجود مباديء مشتركة تجمع الإسلام والحضارة الأمريكية. لم اتفق مع الغرضين الثاني والثالث لاعتقادي بأن الإسلام الذي ينظر إليه أتباعه على أنه المطلق المقدس لا يتلائم مع الحضارة الأمركية التي سمحت للفرد بإنكار المطلق وبالتمرد على المقدس.

ما أن مرت أيام قليلة على التصريح بالسعي لأمركة الإسلام حتى كان الإمام عبد الرؤوف يطلق تصريحاً جديداً أشد غرابة تأكدت من خلاله ظنوني بشأن الهدف من وراء تصريحات الإمام غير المنطقية. ادعى الإمام عبد الرؤوف في تصريحه الجديد بأن quot;90 بالمائة من قوانين الشريعة الإسلامية تتفق تماماً مع نصوص الدستور الأمريكيquot; وبأن quot;الاختلافات بين الاثنين قليلة وصغيرة.quot; كانت التصريحات مثيرة ليس فقط للدهشة ولكن أيضاً للضحك لأن عبد الرؤوف ظن بسذاجة غريبة أن كل من يستمعون له من الجهلة والمغفلين الذين لا يعرفون شيئاُ عن حقائق الأمور. لم أتوقع تصريح عبد الرؤوف لمعرفتي التامة بأن الشريعة الإسلامية إذا كانت تقدم مزايا فإنها تقدمها للمسلمين فقط دون غيرهم، ولإدراكي التام بأن غير المسلمين لا يعاملون تحت أحكام الشريعة الإسلامية كمواطنين ولكن كأهل ذمة بلا حقوق أو واجبات موازية لتلك التي يتمتع بها المسلمون. تساءلت عن إمكانية وكيفية حدوث اتفاق تام بين الشريعة الإسلامية والدستور الأمريكي وتساءلت:

كيف تتفق مواد الدستور الأمريكي السبعة التي تشرع لديمقراطية مؤسسية علمانية تراعي الحريات والمساواة بين المواطنين مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تضع مصير الأوطان الشعوب في أيدي نخبة من رجال الدين غير المؤهلين؟

كيف يتفق الدستور الأمريكي الوضعي المتجدد والمتوافق مع العصر مع الشريعة الإسلامية التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تتوافق مع العصر؟

كيف يتفق الدستور الأمريكي الذي يفصل الدين عن الدولة مع الشريعة الإسلامية التي تسيّس الدين وتديّن السياسة؟

كيف يتفق الدستور الأمريكي الذي يحترم المحكوم عليهم في قضايا إجرامية ويضمن لهم كرامتهم مع الشريعة الإسلامية التي ترجم وتبتر الأطراف وتنفذ الأحكام القاسية علانية؟

كيف يتفق التعديل الأول للدستور الأمريكي الذي ينص على حرية العبادة والكلام والصحافة مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تنص على أن الإسلام دين الحق وما عاداه فهو كفر؟

كيف يتفق التعديل الرابع الذي ينص على أنه لا يجوز المساس بحق المواطنين في أن يكونوا آمنين مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تهدد أمن وأمان غير المسلمين؟

كيف يتفق التعديل الخامس عشر من الدستور الأمريكي الذي ينص على المساواة بين المواطني وعدم التفرقة بينهم مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تعامل غير المسلمين على أنهم أهل ذمة منقوصي الحقوق والواجبات؟

كيف يتفق التعديل التاسع عشر من الدستور الأمريكي الذي ينص على منح المرأة حقوقها السياسية مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تخضع المرأة لسلطان الرجل؟

أسئلة كثيرة أثارها تصريح الإمام فيصل عبد الرؤوف لم أجد لها أجوبة. لكن كل هذه الأسئلة ساعدتني في إدراك أن عبد الرؤوف يتلاعب بالأمريكيين معتمداً على جهل الغالبية العظمى منهم بالحقائق، ومعتمداً في الوقت نفسه ثقته بأن القانون الأمريكي يضمن له حقوقه كاملة، ومعتمداً على تواطؤ الإدارة الأمريكية معه، ومعتمداً أيضاً على خشية الأمريكيين من الإرهاب ورغبتهم في عدم تكرار هجمات سبتمبر الإرهابية. يدعي الإمام عبد الرؤوف الاعتدال ولكن أفعاله لا تشهد له بذلك. فعبد الرؤوف لا يسعى لأمركة الإسلام كما قال لأن أمركة الإسلام مستحيلة، ولكنه يسعى إلى أسلمة أمركيا عبر مطالبته بتطبيق الشريعة الإسلامية وعبر محاولته اقناع الأمريكيين بتوافق الإسلام والشريعة الإسلامية مع الحضارة والدستور الأمريكيين. يقول عبد الرؤوف أنه يسعى لبناء الجسور مع أتباع الديانات الأخرى، ويقول أنه رجل سلام يسعى لإظهار الوجه المتسامح للإسلام ولكن تصريحات الرجل غير المنطقية وأفعاله الاستفزازية تعكس وجهاً أخر لرجل يستخدم التقية المشروعة إسلامياً لأسلمة الولايات المتحدة.

[email protected]
Twitter: @JosephBishara