كما ذكرت في مقالي السابق المنشور في quot;إيلافquot; بعنوان quot;الكريستيانوفوبيا في ديار الإسلام،quot; تعرف موسوعة quot;فيكيبيدياquot; الفوبيا بالخوف الشديد و المزمن و غير المبرر من وضعية معينة. و قد استغلت القوى الفاشية في الدول العربية - من قومية وإسلامية- بعض الآراء الفردية و التشريعات و ردود الأفعال في الديمقراطيات الغربية لإيهام عامة الناس بوجود فوبيا تستهدف المسلمين و ان عقيدتهم تتعرض إلى هجمة شرسة.

بطبيعة الحال الادعاء بان الإسلام يتعرض إلى هجمة في الغرب يجانب الصواب لسبب بسيط وهو أن فاقد الشيء لا يعطيه. بما أن شرائح هامة و مؤثرة في المجتمعات الغربية ليس لها اهتمام كبير بالدين و بما أن القوانين العلمانية لا تسمح بالخلط المدمر بين الدين و السياسة في هذه الدول، فلن يكون من المنطقي و لا من الممكن أن تخصص حكوماتها موارد دافعي الضرائب (بما في ذلك أموال الأقلية المسلمة و الشرائح غير المعنية بصراع الأديان) لتمويل حملات معادية للإسلام. و لو فكر الغرب في مثل هذه الحملات لكان من باب أولى و أحرى به أن يستهدف أديانا أخرى مثل البوذية و الكونفشيوسية و الهندوسية التي قد يمثل إتباعها في اليابان والصين والهند منافسا اقتصاديا قويا للغرب.

لكن ماذا عن مقولة أن المسلمين ndash;و ليس بالضرورة الإسلام- هم من يتعرض إلى هجمة عدائية في الغرب؟ لقد تم الرد على هذا الادعاء بصفة جزئية في الفقرة السابقة. القوانين الوضعية في الديمقراطيات الغربية لا تسمح إطلاقا بالتمييز ضد أقلية بعينها. و يكفي أن نذكر هنا بما تعرضت له الحكومة الفرنسية مؤخرا من الإعلام و من مؤسسات الوحدة الأوروبية، بما في ذلك التهديد باللجوء إلى المحكمة العليا الأوروبية اثر اتهامها بترحيل الغجر حاملي جنسية احد الدول الأعضاء. و إذا كان الأمر كذلك و تعرضت الأقلية المسلمة في الغرب إلى تمييز ضدها، فما الذي منعها من اللجوء إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو إلى المحكمة العليا في أمريكا؟ أم أن المسلمين في الغرب اقل قدرة على الدفاع عن أنفسهم من الغجر؟

و الحقيقة ان وهم الاسلاموفوبيا يقوم على فرضية عداء مستفحل للمسلمين لا وجود له على ارض الواقع. بحسب إحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي، تصل حوادث الكراهية الموجهة ضد اليهود في أمريكا خلال السنوات الأخيرة إلى ستة إضعاف الحوادث الموجهة ضد المسلمين. مع ذلك لا نسمع من اليهود اتهامات للأمريكان بوجود فربيا ضدهم. لان الأمر لا يتعدى ردود افعال فردية. كما أن حرية الرأي التي تضمنها دساتير الديمقراطيات الغربية تتحمل جزءا من مسؤولية الاجهار بتعصب بعض المجموعات ضد مجموعات أخرى في هذه الدول. و ما قد يتعرض له المسلمون أو اليهود قد يتعرض له الإنجيليون المسيحيون و الملحدون و المدافعون عن حق الإجهاض. هذه المجموعات لا تتعرض لفوبيا و إنما لحرية رأي مضمونة لهم كما لغيرهم.

كما تعتبر الديمقراطيات الغربية انه من صميم الديمقراطية السماح لشخص معاد لعقيدة ما أن يجاهر بآرائه و يقود تنظيما سياسيا يقوم على مناهضة وجود هذه العقيدة. و هذا هو حال quot;خيرت فيلدرزquot; في هولندة الذي حاز على ثقة الناخبين و أصبح ثالث قوة سياسية في البلاد بناء على برنامج معاد لوجود المسلمين. لكن هذا لا يعني أن الرجل يستطيع أن يفعل ما يشاء. فحتى لو وصل فيلدرز هذا إلى رئاسة الحكومة الهولندية و أراد إبادة الأقلية المسلمة في هولندة فلن يكون بمقدوره القيام بذلك بحكم الضوابط التي وضعتها نفس الديمقراطية الهولندية لحماية المواطنين بمن فيهم الذين ينتمون للأقليات الدينية.

و الحقيقة أيضا أن بعض التشريعات التي تبدو في الظاهر موجهة ضد الأقلية المسلمة في الغرب لا تهدف في الواقع إلا لحماية المجتمع ككل. أساس الديمقراطية أن تخضع الأقلية لحكم الأغلبية لكن بضوابط. لذلك عندما صوتت الأغلبية لمنع بناء المآذن في سويسرا أو منع النقاب في فرنسا، فلا مجال للأقلية المسلمة في هذه الدول غير الانضباط و احترام القانون. ثم إذا كانت الدول العربية نفسها تمنع مثل هذه التصرفات، مثل منع الحكومة السورية ارتداء النقاب في المؤسسات التعليمية، فعلى أي أساس نحرم على غيرنا ما نحلله لأنفسنا؟

أما الإجراءات المتعددة التي تضايق المسلمين مثل التفتيش المكثف في المطارات و إيقاف المشتبه بهم و منع بعض الجمعيات الإسلامية المتهمة بتمويل الإرهاب، فلا علاقة لهذه الإجراءات بالاسلاموفوبيا و إنما هي تدخل ضمن ما تمت تسميته في مقال نشر مؤخرا في إيلاف بــquot;الارهابوفوبياquot; أي حماية المجتمع من الإرهاب. و هو واجب السلطات في كافة الدول بما في ذلك الدول الإسلامية التي اتخذت في معظمها إجراءات لمواجهة إرهاب الحركات الإسلامية المتسترة تحت غطاء الدين اشد قساوة من الإجراءات المتخذة في الغرب في الوقت الحالي.

[email protected]