الاستطلاع أو الاستبيان مصطلحٌ نسمع به كثيراً عندما يعتري الحقائق بعض الشك ويشوبها سوء النوايا وذلك حين يحتكم الناس إلى سماع قول الحقيقة فيأتي من يزوّرها ويقلب النتائج ويبعثر الأوراق..!!! وحقل الأرقام في الغالب هو الملغوم، بالأكاذيب وخاصة في مجال مكافحة الفساد فأصبح الباحث عن الرقم الصحيح كالباحث عن إبرة في كومة من القش وأضحت الاحصاءات أداة في يد الكاذبين المضللين يصعب دحضها وعلى رأي المفكر العربي الكبير عباس محمود العقاد عن الاحصاء(بأنه من أنفع الأدلة التي دخلت في تقدير الباحثين في الشؤون العامة من أبناء العصور الحديثة و لكنه مضلل كل التضليل إن لم يكن وافياً من كل الوجوه ولم يكن مقترناً مع ذلك بطريقة الاستدلال لأن طريقة الاستدلال بالاحصاء ألزم من الإحصاء نفسه وما لم يقل المُحصي كل شيء يتعلق بإحصاءاته فالخير له ولمن يستمع إليه ألا يقول شيئاً على الإطلاق..!!).

والإحصاء والاستبيان والاستطلاع الدقيق الصادق هو الوسيلة التي تُعنى بتحديد حجم مشكلة ما ومعطياتها وتبين متغيراتها وتعطي مدلولاتها بل وتوضح اتجاهاتها وما ستكون عليه.. كل ذلك من أجل إعطاء صاحب القرار الصورة الحقيقية والواضحة كي يتخذ الاجراءات التي تناسب تلك المعطيات.. إذاً الأرقام ليست هدفاً بحد ذاتها لكنها وسيلة لتحقيق غايات كبيرة ومتى ما تم التلاعب بها والعبث بجداولها وتغيير أحجامها تصبح ضرراً ووبالاً وقد تؤدي إلى تفاقم المشاكل واستفحالها..!!! السؤال هو لماذا الخوف من إعطاء الأرقام الحقيقية وعدم إبرازها..؟؟

وما هو الضرر من نشر المعلومات الصحيحة والصدق فيها..؟؟
إن قيام هيئة النزاهة بالاستطلاع لمعرفة حجم الرشوة في دوائرنا الحكومية ومعرفة النسبة الصحيحة بعيداً عن التهويل والتضخيم حيث وصـلت الهيئة إلى قياس نسـبة الرشوة في مؤوسساستنا الحكومية حيث وصلت نسبتها إلى 36% بدلاً من الأرقام الخيالية التي كانت تطرح سابقاً، دون ضوابط علمية،أو دراسة مهنية، وحسناً فعلت هيئة النزاهة عند قيامها بهذا الاستطلاع لمعرفة النسبة الحقيقة للرشوة في دوائر ومؤسسات الدولة المختلفة لتقطع الطريق على المتصيدين في الماء العكر الذين يطلقون التهويل جزافاً دون سند علمي أو إحصاء رسمي،إضافة إلى الفوائد العديدة والكثيرة للاستبيان فهو يجعل الجهات الرقابية بالميدان قريبة من المواطن تسمع منه شكواه، وتحاول إيصاله إلى الجهات العليا، واطلاعها على مكامن الفساد في الوزارات وما يجري داخل أروقتها، أن المواطن نفسه حيث بدأ يشعر بالثقة ويتخلص من عقدة الخوف التي اكتسبها من الأجهزة القمعية للنظام البائد، فعند وجود الهيئات الرقابية في الميدان وليست داخل غرف لايستطيع المواطن الوصول إليها، ويدلنا على مكامن الفساد في الوزارات والدوائر المختلفة، لان الأجهزة الرقابية دون مساعدة المواطن لاتستطيع التقدم وتحقيق نتائج طيبة في مجال الحد من الفساد المستشري في جسد الدولة العراقية منذ عشرينات القرن الماضي.

إضافة إلى أن الاستبيان يمثل عامل ردع للموظف لاحساسة بقرب الأجهزة الرقابية منه واتصالها المباشر بالمواطن دون حواجز أو قيود جعلت الموظف يفكر ويحسب ألف حساب قبل أن يقدم على طلب رشوة ويبتز مواطناً،كما زادت من ثقة المواطن بالأجهزة الرقابية وقدرتها على محاسبة الفساد والمفسدين،وإنها ليست خلف أسوار عالية أو أبراج عاجية بعيدة عن نبض الشارع وما يعانيه عند مراجعته لدوائر الدولة المختلفة ولسان حاله يقول (أذهب أنت وربك فقاتلا )،بل اعتمد الاستبيان على رأي المواطن بالدرجة الأولى إضافة إلى الملاحظات التي يكتبها في الورقة، حيث تعتمد في تقرير يرفع للجهات العليا لاتخاذ التوجيهات المناسبة بشأنها.

نحن نشيد ونبارك هيئة النزاهة قيامها بهذا الاستبيان ونتمنى أن تحذو الجهات الرقابية الأخرى
حذو النزاهة كي يتعرف المواطن على عمل الدوائر الرقابية عن قرب، ولا يترك المفسدين يتلاعبون بالمال العام، وينهبون ثروات البلد، ويستنزفون خيراته.


[email protected]