الكتابة وجهة نظر، تملي مخيلة الكاتب على يده فتمتطي أصابعه سرج قلمه ليسرح في براري السطور مخلفا في نهاية المطاف شكلا من أشكال الطيف أو الوجبة الأدبية على مائدة المتلقي.

ولأن الكلمة قنبلة موقوتة مزروعة في صدر أو خيال الكاتب بعدما كانت مجرد فكرة عابرة اختمرت في الذهن لتصبح قضية ترهقه حين تصل إلى مرحلة المخاض، وهنا يكون المأزق، فإما أن تلد ولادة طبيعية يسيرة، وإما أن تكون ولادتها قيصرية فترهق الكاتب لأنها ربما تلد مشوهة غير ملائمة للاستمرار على قيد الحياة، فيكون نصيبها النار أو سلة اللامبالاة.

لكل كاتب الحق في ولوج الميادين التي يشاء الخوض فيها، فينال لقب الروائي أو الشاعر أو الكاتب وذلك بتركه للقارئ بصمته وهويته المميزة.
إذا ما هي حدود النص الذي يجب الكتابة فيه؟ وما هي معالمه وانتماءاته؟

فالخالدون الذين تربعوا علي كرسي العرش الأدبي، لا زالوا في ذاكرة أبنائهم وأحفادهم من المبدعين، ولا زالوا يمتشقون سيوف شهرتهم التي يحفها بريق التراث والأسطورة والأصالة والجوهر، ويدركون جيدا أن من لا ماضي له، لا حاضر ولا مستقبل له.

ما يجري اليوم - على سبيل المثال لا الحصر ndash; في الشارع الفلسطيني من تشرذم وانشقاق مابين الحزبين الكبيرين الذين ليس لهما سوى أن يعزيا نفسيهما ويخيطا جرحهما المفتوح وجيب معنوياتهما المثقوب حتى يواصلا الاستمرار والثبات في وجه عدو لا يرحم وعالم أصم، أدار ظهره عن رؤية الحق وأمعن في الصمت السرمدي حتى النهاية!

ما يجري يقض مضاجع العرب جميعا ويلح هذا الواقع المزري على الكاتب الفلسطيني بشكل خاص أن يتناول هذا الموضوع الخصب للكتابة فيه باعتباره أديبا أو كاتبا لسعته نيران الواقع. لكنني أقول جازما أنه لا يوجد من يجرؤ ndash; داخل الضفة الغربية أو قطاع غزة - على تعرية الأمور ووضع النقاط على الحروف بحشر الحزبين في خانة quot; اليك quot; من خلال مشروع رواية جادة أو حتى قصيدة لشاعر يملك شهرة وصيتا واسعا في الساحة الأدبية لتصب جام غضبها على جسد الجهة المعطلة للوفاق والوحدة.

المثقف العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص هو أحوج ما يكون من غيره كفرد وعنصر أساسي في رفع شأن أمته وبلاده نحو الأسمى والأفضل وهذه هي رسالته وإلا فانه يكون قد خرج من جلده، وساهم بشكل أو بآخر في طمس الهوية الثقافية والعودة إلي الوراء، معتقدا أنه بتربّعه في حيز أدبي أو ثقافي سيبلسم من جراح الأمة ويضعها في الموقع السليم بين الأمم والحضارات الأخرى!

أين وكيف بإمكاننا أن نغطي شمس الحقيقة بغربال عواطفنا المنحازة لكل ما يستجد ويستحدث؟ أين نعلق تذكارات الماضي وحائط حاضرنا الثقافي شبه منهار، والأديب مدرك لما يدور حوله علي الساحة الأدبية العالمية، ولا يجوز له ولا بأي حال من الأحوال، أن يغفل عما يجري سياسيا،ويكتب عن الطبيعة والوجود ndash; مثلا - بعدما أشاح وجهه بعيدا، وأغلق أنفه وأصم أذنيه عن كل ما يجري ليكون بهذا قد انسلخ عن مواكبة الواقع أو أن حصان كتابته قد فوجئ بحواجزه الكبرى، وانكفأ عائدا القهقرى، وأضاع الهدف الأسمى للكتابة والأدوات الأدبية التي تمتلكها كافة المجتمعات الأخرى، ويكون ذلك بمثابة الانتحار خارج النص وخارج الإجماع العالمي لأهداف الكتابة!

[email protected]
شاعر من فلسطين