على الرغم من تشخيص الكثير من السلبيات والأخطاء ونقاط الضعف التي رافقت العملية السياسية في العراق خلال الأعوام السبعة الماضية، إلا ان ما ينبغي الإقرار والاعتراف به، هو ان التوافقات السياسية بين الكتل والقوى العراقية الوطنية المختلفة، ساهمت في احداث تحولات مهمة في مسيرة العملية السياسية، والتغلب على تحديات جمة.


بعبارة أخرى يمكن القول انه في مقابل القراءات التحليلية المتشائمة للواقع العراقي المنطلقة من معطيات ووقائع ميدانية لا يمكن انكارها، إلا أن الحراك السياسي لقوى وشخصيات وطنية فاعلة في مراحل مختلفة، بلور قراءات تحليلية تفاؤلية تجسدت بانفراجات سياسية مهمة ومكنت من تجاوز أزمات خطيرة.

ولعل الجزء الأكبر، او الأهم من الحراك السياسي في مختلف المراحل، تمثل باتجاه قوى وكيانات سياسية متوازنة ومؤثرة لصياغة أطر معينة لتفعيل عمل الحكومة، والخروج من شرنقة المحاصصات والمحسوبيات التي كانت ـ وربما ما زالت ـ عقبة كأداء في طريق عمل الحكومة ومختلف المؤسسات السياسية للدولة.


وربما يعني ذلك أن هناك تقديرا في الاطار العام لضرورات ومقتضيات المصالح الوطنية، وحرصا على الثوابت والمبادئ التي من شأن التمسك بها والعمل عليها الدفع إلى الأمام لا التراجع، إلا أنه يمكن تشخيص قدر من التعثر والضعف لدى بعض المرافق الحكومية ما انعكس على الواقع الحياتي والسياسي والامني للمواطن العراقي، وعلى البلد بوجه العموم.


في مرحلة حاسمة كتلك التي يمر بها العراق حالياً، يمكن ان تلعب التوافقات السياسية دوراً كبيراً ومحورياً في اشاعة قدر لا بأس به من الأمن والاستقرار، ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي هي إما من مخلفات مرحلة الاستبداد والديكتاتورية، وإما نتاج حالة غياب السلطة ووجود الفراغ الاداري والسياسي، او باعتبارها استحقاقا طبيعيا لمخاضات تشكل وتبلور الدولة الديمقراطية والنظام السياسي القائم على التداول السلمي للسلطة.


ولا شك في أن التوافقات السياسية لا تتقاطع مع ما أفرزته صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية في السابع من اذار/مارس الماضي من نتائج، فالانتخابات أحد أبرز مظاهر العملية الديمقراطية، وهي في كل الاحوال لا تعني الإقصاء والتهميش والاستئثار من قبل أي طرف كان بقدر ما تمثل وسيلة من وسائل التداول السلمي للسلطة، والمشاركة الواسعة في ادارة شؤون الدولة.


وقد تكون أهمية التوافقات السياسية أكبر في بلد يتميز نسيجه الاجتماعي بالتنوع القومي والمذهبي والطائفي والسياسي.


فالتنوع السياسي وغيره يمكن أن يؤدي الي خلق معادلات وتوازنات تساهم في الحؤول دون وقوع البلد فريسة للخلافات والتناقضات، وهذا ما تؤكده وتتفق عليه معظم الأطراف السياسية ان لم يكن جميعها، وفي الوقت ذاته فإن القوى الموجودة على الأرض لا بد ان تجد نفسها ملزمة بمستوى معين على التعامل والتعاطي مع ما هو قائم من معطيات وحقائق بواقعية وعقلانية.


وبقدر ما تتحقق توافقات سياسية بدرجة معقولة ومقبولة، تنحسر وتتلاشى الكثير من المشاكل والازمات، ونتائج انتخابات السابع من اذار/مارس الماضي اثبتت الى جانب الحقائق القومية والدينية والمذهبية والسياسية ان مبدأ التوافقات السياسية هو الوصفة الانجع للمحافظة على التجربة الديمقراطية وتقويتها.


وهذا المبدأ ليس بدعة افرزها الصراع والتنافس السياسي في الساحة العراقية بعد الاطاحة بنظام صدام حسين كما يتصور ويفترض البعض، وانما صيغة لادارة شؤون الدولة والمجتمع أثبتت نجاحها وواقعيتها في المجتمعات المتعددة الهويات وذات النسيج الاجتماعي المتنوع، ومصطلح الديمقراطية التوافقية لم يكن وليد التجربة العراقية الجديدة ويمكن ان يكون الخيار الافضل، لقطع الطرق أمام خيارات الإقصاء والتهميش والإبعاد والإلغاء.

*كاتب وصحافي عراقي