لم يمر الشعب الكردي، في أي حقبة من تاريخه، بظروف مناسبة لحل قضيته ولملمة شتاته كالظروف المتاحة له حالياً. هذا لا يعني عدم وجود عقبات وعراقيل أمام تحقيق الحلم الكردي في إقامة دولته المستقلة على أرضه كردستان. فعلاوة على العوامل الإقليمية والدولية المعيقة لحل المشكلة الكردية المشكلة الكامنة بالدرجة الأولى في الحدود المرسومة بين أبناء القومية الواحدة هناك أيضاً العامل الكردي المعيق لحل قضية هذا الشعب الذي ذاق، ولا يزال يذوق، الأمرين. بمعنى آخر، وهو الدارج، هناك عوامل خارجية، وأخرى داخلية متعلقة بالشعب الكردي ذاته.

كثيراً ما نسمع من مختصين ومعنيين، وهو ما نتفق نحن معه، بأن تقسيم أرض الكرد quot;كردستانquot; وتوزيعها، مع أبنائها، بين دول أربع: سوريا، تركيا، العراق وإيران؛ هو السبب الرئيسي الكامن وراء عجز الكرد، إلى هذه اللحظة، رغم التضحيات الجسام التي قدّمها خلال سنوات كفاحهم الشاقة، عن التخلص من معاناته وتحقيق آماله وطموحاته المشروعة في إعادة الوضع القائم الآن، في موطنه، إلى حالته الطبيعية التي كان عليها سابقاً. الحالة التي أرادها الله له وليس تلك التي أرادها له البشر وقوى الهيمنة الخارجية.
أمام هذا الواقع المفروض المرفوض، وبعد أن علمنا بان التقسيم هو سرّ العجز والقهر، ليس من وسيلة لتذليل العقبات وتجاوزها إلا بالسعي لنيل، نقيض التقسيم، الوحدة. وحدة التراب، وإن كانت هي المطلب الكردي الأول، مستحيلة في الوقت الراهن، دون أن نخمّن مدى هذا الوقت، وهذا ليس من باب التشاؤم.

هنا يطرح السؤال التالي نفسه: إذن، أي وحدة مطلوب من الكرد السعي لتحقيقها الآن؟.
يحتاج الكرد الآن إلى تحقيق وحدتهم السياسية، وذلك يكون عبر اتفاق الكتل والأحزاب السياسية الكردية، في أجزاء كردستان الأربعة، وحتى في الخارج، لانتهاج سياسة واضحة محددة تضع المصلحة العليا للشعب الكردي في طليعة الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. هذه الوحدة السياسية ستكون كفيلة، إلى حدٍ بعيد، بتذليل العوامل الداخلية التي قلنا بأنها من مسببات استمرار الواقع المزري الذي يعيشه الشعب الكردي.

التجزئة السياسية لا تقل خطورة عن التجزئة الجغرافية، تناحر التيارات السياسية الكردية، أو الفصائل الكردية الأساسية، داخل كل جزء على حدا، وعلى صعيد الأجزاء الأربعة من كردستان، عامل خطر على مستقبل الشعب الكردي وقضيته، عامل لا تقل خطورته عن باقي العوامل الخارجية، هذا إن لم يكن أخطر منها، وتجارب التاريخ هي خير توثيق لكلامنا هذا، وحتى التاريخ الكردي لا يخلو منها. وحدة خطاب الكتل السياسية الكردية أمر ممكن، داخل كل جزءٍ وعلى الصعيد كردستان ككل. والدعوة إلى توحيد الخطاب السياسي الكردي لا تعني تجاهل خصوصية كل جزء والقفز فوقها، وهي لا تعني، البتة، الوحدة في الجزئيات البسيطة، التي هي الأخرى ليست مستحيلة إن وجدت النوايا الصادقة، ولكنها دعوة إلى الوحدة والاتفاق حول الخطوط العامة التي تلتقي عندها مصلحة الكردي أياً كان الجزء والمكان الذي يوجد فيه. اتفاق الكتل السياسية الكردية، إن حدث، سيكون، بلا شك، عامل قوة لقهر التحديات الخارجية، الرافضة لجمع أشلاء كردستان، وقد يكون السبيل للأخذ بيد الشعب الكردي نحو الانعتاق والخلاص من حالة التشرذم والتفكك المحزنة.

هناك جهود تبذل الآن على طريق تحقيق هذه الوحدة السياسية، ومنها الدعوات المطالبة بضرورة اجتماع الكتل والأطياف السياسية الكردية، في أجزاء كردستان الأربعة والخارج، تحت سقف quot;كونفرانس قومي كرديquot; في مدينة أربيل، عاصمة إقليم جنوب كردستان. الداعي الأول لهذا الكونفرانس غير معروف! وهناك شبح اختلافات حول من أول من دعا إليه، نتمنى أن لا تتحول إلى خلافات، فالمهم هو الكونفراس، وما سيحققه، وليس من دعا إليه. جهود تحقيق هذا الهدف، عقد الكونفرانس، لم تتوقف عند مجرد الدعوات، بل تجاوزتها إلى خطوات عملية، حيث العديد من اللقاءات جمعت بين الأشقاء في شمال وجنوب كردستان. أول لقاء جرى في العام الماضي 2009 بزيارة قام بها إلى الإقليم وفد من حزب المجتمع الديمقراطي، الذي حظرته المحكمة الدستورية التركية العليا لاحقاً، وجمع رئيس الحزب، آنذاك، السياسي المخضرم أحمد ترك وعدداً من البرلمانيين في حزبه، والذين كانوا ضمن الوفد، بكبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني. لقاء ثاني، إيضاً في أربيل في 27 تموز الماضي، وحول نفس الموضوع، جمع وفداً من حزب السلام والديمقراطية بنفس المستويات الرفيعة في الإقليم. ثمرة اللقاء الثاني، هذا، كانت افتتاح حزب السلام والديمقراطية ممثلية له هناك، إضافة إلى تصريحات ووعود، من الجانبين، بقرب سماعنا لأخبار سارة بخصوص الكونفرانس. الآن، هناك وفد ثالث في الإقليم يترأسه، مجدداً، أحمد ترك، ولكن بصفته رئيساً لمؤتمر المجتمع الديمقراطي هذه المرة، ويضم كذلك عدداً من برلمانيي حزب السلام والديمقراطية. التقى الوفد، يوم الأحد، 5 أيلول، كما كان مقرراً، بالرئيس العراقي، ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال الطالباني، وسيُجري لقاءات، مماثلة، مع المسؤولين في الإقليم. هذه اللقاءات بين الإخوة تحيي الآمال بقرب عقد الكونفرانس المرتقب. كما أن هذا هو الوقت الذي وعدنا فيه طرفي اللقاء الثاني، بعيد عقده، بسماع الأنباء السعيدة، فهل سنسمعها؟ ثم يقال بأن quot;رحلة الألف ميل تبدأ بخطوةquot;، فهل سيكون الكونفرانس خطوة الشعب الكردي الأولى نحو تحقيق وحدته السياسية، والجغرافية فيما بعد؟

[email protected]