إسترعى إنتباهي مؤخرا بيان منشور لمنظمة ( سرايا البعث )! وهي كما يبدو من إسمها واجهة بعثية على شكل رسالة موجهة لأعضاء القيادة القومية لحزب البعث تطالبهم فيها بضرورة التحرك السريع لإنهاء الإنقسام في الحزب والمبادرة بتشكيل قيادة قطرية جديدة في العراق تنهي حالة الإنقسام القائم وتجدد الوجود البعثي و تضفي شرعية على قيادته!!، والحقيقة أن أزمة حزب البعث ليست بجديدة بالمرة، فهذا الحزب من الناحية التاريخية الصرفة قد تلاشى تماما وأضحى مجرد مطية من مطايا السلطة منذ إنقلاب اللجنة العسكرية السورية بقيادة صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الأسد وبقية المجموعة على قيادة ميشيل عفلق القومية وعلى الرئيس أمين الحافظ ومجموعته في 23 شباط/ فبراير 1966 وقيام البعث القطري بعد إلغاء البعث القومي و تشتت القيادة القومية و أنهاء دورها في تنظيم المسيرة الحزبية وهو ما أشار إليه المرحوم الرفيق الدكتور منيف الرزاز في كتيبه ( التجربة المرة )! والرزاز أكلها مرتين الأولى من نظام الضباط الإنقلابي في دمشق عام 1966 والثانية و الأخيرة والحاسمة من نظام بعث صدام حسين الذي إتهمه بالتواطؤ مع مجموعة محمد عايش عام 1979 وعاش تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته، ومنه وبه إختتمت القيادة القومية لحزب البعث مسيرتها وكتبت شهادة وفاتها.. ولكن السؤال المنتصب بقوة على المشهد البعثي هو: هل توجد حاليا قيادة قومية حقيقية لحزب البعث العربي الإشتراكي؟ وفي حال وجودها هل تمتلك تلك القيادة القوة و الإحترام والقدرة على فرض قراراتها على الرفاق المتصارعين في العراق؟.... في دمشق الشام وحيث يحكم النظام السوري تحت يافطة حزب البعث موجود شيء هلامي إسمه ( القيادة القومية )! وهنالك بناية كبيرة تضمها منذ سنوات؟ ولكنها على المستوى الواقعي و الميداني مجرد مكاتب وهمية لتنظيم مسخ لا حياة له ولا قيمة له في قرارات النظام السوري، فالقيادة القومية في سوريا أشبه بمتحف للديناصورات والمتحجرات لا أثر فيه لأي حياة من أي نوع، ولم ينجح السوريون أبدا في تشكيل خلايا قطرية بعثية في أي بلد عربي بإستثناء اليمن و موريتانيا...! أما البعثيين العراقيين المرتبطين بقيادة الأسد القومية فهم من فئة المتقاعدين و أشباه الديناصورات ويعيشون في رعب دائم من مداهمات أحقر عنصر في المخابرات السورية المكلفة بإدارة نشاطاتهم ولعل أبرز المتحجرات البعثية العراقية في الشام هو الرفيق فوزي الراوي المتورط في عمليات دعم الإرهاب في العراق!، والطريف أن غالبية المنتسبين لقيادة البعث القومية في الشام كانوا يعملون لصالح قيادة البعث العراقي المناوئة لمثيلتها في دمشق!! وكانت حرب الجواسيس نشيطة للغاية بين النظامين وكانت الغلبة فيها على الأغلب لصالح نظام صدام أيام زمان؟..
أما القيادة القومية التي يقصدها بيان ( سرايا البعث ) فهي تلك القيادة التي كانت تابعة لحزب البعث العراقي والتي عينها نظام صدام حسين و تشمل حاليا كل من اللبناني الدكتور عبد المجيد الرافعي، واليمني قاسم سلام و السوداني علي الريخ شيخ السنهوري والجزائري أحمد الشوتري الذي إستطاع قبل شهور من عقد المؤتمر القطري الأول لحزب البعث في الجزائر!! الذي هو تنظيم ضعيف للغاية هناك فالغلبة كما نعلم و تعلمون للتيارات الدينية و للأمازيغية أيضا، أما البعثيون في الجزائر فهم مجرد نكتة وصورة ساخرة!!.
وخلال سنوات نظام صدام حسين لم تكن هنالك من مهام للقيادة القومية سوى تلك المهام البروتوكولية في المناسبات فقط لا غير، ولم تكن للقيادة القومية شخصيتها المستقلة أو رؤيتها الواضحة والمتفردة للقضايا،فمثلا قضية قومية خطيرة من وزن ( غزو النظام العراقي للكويت تحت الدعاوي القومية الزائفة ) عام 1990 لم تملك القيادة القومية إلا تأييدهاببلاهة رغم عدم علمهم بالغزو وعدم إحاطتهم به قبل وقوعه و لتناقضه مع كل الأدبيات المنشورة لحزب البعث! ومع ذلك تمت المباركة لذلك الفعل الأخرق المنتهك لقدسية الدم العربي ولطبيعة الإنتماء القومي السليم!، أي أن تلك القيادة كانت مجرد واجهة براقة و مشروعا للتصدير البعثي للعالم العربي وهو مشروع فاشل أيضا فبإستثناء اليمن و موريتانيا والسودان و ألأردن لا وجود بعثي حقيقي في أي دولة عربية مؤثرة و فاعلة لا في المشرق ولا في المغرب، كما ان أعضاء القيادة القومية للبعث من غير العراقيين لم يلاحقهم أحدبعد الإحتلال الأمريكي وحتى الجيش الأمريكي تركهم و شأنهم لأنه لاقيمة حقيقية لهم، فهم ليسوا أصحاب قرار في الحزب و الدولة وكل ما يتعيشون عليه هو أعطيات و أمتيازات مالية من النظام السابق وحياة رغيدة كانوا يعيشونها في بغداد المحاصرة دوليا وقتذاك؟ كما أنهم لم يشكلوا مصدرا للمعلومات لأنهم بإختصار مجرد ( شاهد ما شافش حاجة )!! ولا يعلمون ماهي مواقعهم بالضبط شأنهم شأن رفاقهم في قيادة البعث القومية السورية!! أي بعبارة أخرى أنهم مجرد أدوات ( للنصب و الإحتيال القومي ) فقط لا غير....؟ فهل يمتلك البعثي الجزائري شوتري سلطة وقدرة تعيين قيادة قطرية في العراق تنهي الخلاف بين قيادتي عزة الدوري و يونس الأحمد؟ من من البعثيين العراقيين سيعترف به أوبرفيقه السوداني أو اللبناني؟؟ إنها أوهام المهزومين وهلوسات الحالمين بعودة المجد التليد، لقد خرج من البعث بل و انتقد مسيرته بشجاعة واحدا من أهم رموز البعث من جيل ميشيل عفلق وهو الرفيق شبلي العيسمي الذي إعتبر حزب البعث وهو أحد قياداته التاريخيين حزبا فاشيا تسبب في تسميم الحياة السياسية العربية ولم يكن أبدا امينا لأهدافه في الوحدة و الحرية و الإشتراكية!! وبالتالي فإن شهادة رفيق من وزن العيسمي لها إعتبارها الفاعل و المشهود، والطريف أن سابقة تدخل القيادة القومية البعثية في تشكيل القيادات القطرية قد حدثت في العراق وتحديدا في خريف 1963 بعد أن إشتدت النزاعات البعثية في نظام 8 فبراير/ شباط الذي أسقط نظام عبد الكريم قاسم و إنقسام الحزب بين قيادات ثورية متهورة كان يمثلها علي صالح السعدي ومن خلفه منظمة الحرس القومي وقيادة حازم جواد وحيث جاء ميشيل عفلق ووفد القيادة القومية لبغداد من أجل حل النزاع الحزبي و البعث ممسك بتلابيب السلطة فلم تنجح القيادة القومية في رأب الصدع وتدخل الرئيس عبد السلام عارف ومجموعته من العسكريين وطردوا حزب البعث من السلطة نهائيا كما طرد وفد القيادة البعثية وعلى رأسهم عفلق من العراق شر طردة وكانت فضيحة بجلاجل أدت لإنهيار نظام البعث العراقي الأول في 18 نوفمبر 1963 وحيث طورد البعثيون من منتسبي الحرس الفاشي القومي في الشوارع وخرج البعث من السلطة مشيعا بلعنات الجماهير قبل أن تتكفل المصالح الدولية ولعبة الأمم بإعادته للسلطة بسهولة عن طريق ( البيك آب او الوانيت ) الأمريكي في 17 تموز/ يوليو 1968 لتقتلعه الدبابات الأميركية مرة أخرى من التاريخ في التاسع من نيسان / إبريل 2003 وليتحول لعبرة في تاريخ العرب الحزين و المأساوي..!.
لقد تلاشى البعث و أضحت قياداته القومية والقطرية بمثابة أضحوكة فالبيانات الحماسية وحدها لا تصنع التاريخ ولا تغير الحقائق، واللجوء للواجهات الفارغة فيما يسمى القيادة القومية هو خيار المفلسين..!.
التعليقات