تستحق احداث يوم الاربعاء الماضي، الخامس والعشرين من شهر اب-اغسطس الجاري، التي كان مسرحها العاصمة بغداد ومدن عراقية اخرى، الكثير من التأمل والتدقيق والمراجعة، ومن ثم استشراف صورة الغد على ضوئها.

اكثر من سبب يحتم التأمل والتدقيق والمراجعة منها:

-ان تلك الاحداث التي تمثلت بسلسلة هجمات بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة على عدد من مراكز الشرطة العراقية، تمت بطريقة منظمة ومخطط لها بشكل جيد، ولايمكن لاحد ان يدعي كما يقال بأستمرار بأنها quot;دليل على ضعف الجماعات الارهابية المسلحة، ومؤشر على بداية نهايتهاquot;، فلو كانت تلك العمليات قد استهدفت مدنيين في الاسواق لكان مثل هذا القول قابل للبحث والنقاش، وللقبول ايضا.

-جاءت عمليات الاربعاء الماضي-وهو ماوصفه البعض بأنه اربعاء دامي اخر-قبيل حلول الموعد النهائي لاكمال انسحاب الجزء الاكبر من القوات الاميركية المرابطة في العراق وفق الاتفاقية المبرمة بين بغداد وواشنطن نهاية عام 2008.

-وقعت عمليات الاربعاء في ظل اوضاع سياسية اقل مايقال عنها انها مرتبكة الى حد كبير، وتخلومن مؤشرات حقيقية في الافق على قرب حدوث انفراجات والتوصل الى حلول ومعالجات من شأنها كسر حالة الجمود السياسي الذي تجاوز حدود المعقول والمقبول كثيرا.

-جاءت تلك العمليات في سياق تداعيات وتراجعات امنية خطيرة ومقلقة خلال فترة الستة الماضية، والتي اخذت منحى تصاعديا، ارتبط بصورة او بأخرى بأيقاعات الحراك السياسي المتأزم والمرتبك.

-تصاعد العمليات الارهابية خلال الشهور الماضية، وعلى وجه العموم، ارتبط بتحذيرات اطلقها بعض قادة مجالس الصحوات من ان اهمال الحكومة لعناصر تلك المجالس، وعدم دمجها واستيعابها في الاجهزة الامنية والعسكرية يمكن ان يعيد دائرة العنف والارهاب الى ماكانت عليه في عامي 2005 و2006.

-ترافقت العمليات الارهابية الاخيرة مع اوضاع حياتية وخدمية سيئة للغاية، القت بظلالها الثقيلة على المواطن العادي وجعلته يعبر عن استياءه وامتعاضه بصوت عال جدا.

هذه الاسباب التي اشرنا اليها على وجه الاجمال يؤكدها السياسيون العراقيون انفسهم، سواء من هم يشغلون مواقع حكومية، او خارج نطاق الهيكل الحكومي الحالي.

فقبل اكثر من شهرين صرح المتحدث الرسمي بأسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا بأن تأزم الوضع السياسي وتأخر تشكيل الحكومة ينعكس سلبا على الوضع الامني.

ولم يعترض احد على ما قاله عطا، بل ان مسؤولين عسكريين ومدنيين صرحوا مرات عديدة بنفس الاتجاه، اخرهم الامين العام لمنظمة بدر ورئيس لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب السابق هادي العامري الذي قال تعليقا على عمليات الاربعاء الماضي quot;أن تصاعد وتيرة العنف والتدهور الأمني الذي شهدته عدد من محافظات العراق، نتيجة طبيعية لحالة اليأس التي يعيشها أبناء الشعب العراقي وأفراد الأجهزة الأمنية في ظل تدهور الخدمات

والفراغ السياسي والدستوري الناجم عن تأخر تشكيل الحكومة، وان عدم فاعلية الإجراءات الأمنية واستغلال الفراغ السياسي والدستوري الذي تعيشه البلاد جعل الفرصة سانحة أمام عناصر القاعدة لمزاولة نشاطاتها مجدداً بعد أن أعادت ترتيب صفوفها، واستجمعت قواهاquot;.

في ذات السياق ينتقد نائب رئيس الجمهورية والقيادي في القائمة العراقية طارق الهاشمي الاجراءات الامنية بقوله quot;ان القوات المسلحة المسلحة وأجهزتنا الأمنية رغم التطور الذي حققته في بعض المجالات والتضحيات السخية التي قدمتها لا زالت بحاجة إلى المزيد من الإعداد والتطوير والتجهيز لتكون مؤهلة بصورة كافية لمواجهة التحديات الأمنية كما هي على الأرض وأبرزها استشراء الخروقات والثغرات التي جعلت منتسبي الجيش والشرطة أهدافاً سهلة للمجرمين والقتلة، لكن مناشداتنا ونصائحنا المتواصلة كانت كثيراً ما تذهب أدراج الرياح أمام الثقة المفرطة بما يتم اتخاذه من إجراءات، والمبالغة في تصوير ما تحقق من منجز أمني والاصرار على عدم مراجعة الخطط الأمنية وتقويمهاquot;.

اما الشيخ علي حاتم السلمان، احد الزعماء العشائريين في محافظة الانبار التي كانت ضمن مسرح العمليات الارهابية الاخيرة، فقد حمل تنظيم القاعدة مسؤولية استهداف المدنيين الابرياء ومؤسسات الدولة ومنسبيها، بيد انه في ذات الوقت عزا التراجع في الوضع الامني الى تهميش مجالس الصحوات، وعدم ايفاء الحكومة بوعودها بعد انتقال ملفات الصحوات من القوات الاميركية اليها.

واذا كانت الاجراءات والسياقات التي تم اتخاذها خلال الاعوام الاربعة الماضية لمعالجة نقاط الخلل والضعف في الملف الامني قد اتت بنتائج ايجابية، الا انها افتقرت في جانب غير قليل منها الى المهنية والبعد الاستراتيجيي، وخضعت الى حد ما للاجندات والاهداف السياسية والحزبية الضيقة، لذلك وجدنا في كثير من الاحيان اختفاء مظاهر الارهاب والعنف الى حد كبير، وبروزها واستفحالها في احيان اخرى، حتى ليبدو للمراقب والمتابع ان قبضة الجماعات الارهابية مازالت قوية ومحكمة.

ومخاوف وهواجس اوساط ومحافل سياسية وغير سياسية عراقية وهي تتابع عن كثب المشاهد الدموية شبه اليومية في الشارع العراقي، لاتتمحور حول الموعد النهائي لانسحاب القوات الاميركية من العراق، ولابتأخر تشكيل الحكومة فحسب، بل ان تلك المخاوف والهواجس تتسع وتمتد الى ما هو ابعد من ذلك.

بيد ان مشهد قبيل الحادي والثلاثين من اب-اغسطس الجاري، بكل ابعاده وخطوطه والوانه ومعالمه وملامحه يمكن ان يحدد ويشخص مسارات المشاهد اللاحقة، والمشكلة ان مشهد قبيل 31 اب يبدو قاتما ومكفهرا وسوداويا، في جانبه السياسي وجانبه الامني وجانبه الحياتي، وهذا مايقوله ويؤكده الواقع.