لا نتفق كثيراً مع المتفائلين بتحقيق انحاز ما علي خلفية المفاوضات المباشرة التي ستجري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في واشنطن بعد بضعة أيام برعاية الرئيس الأمريكي والرباعية الدولية ( الاتحاد الأوربي ndash; روسيا ndash; أمريكا ndash; الأمم المتحدة ) حتى لو كانت التقارير الآتية من حول البيت الأبيض تقول باراك أوباما استعد لها بمسودة ترتيبات متناسقة وواقعية وان مستشاروه واثقون بنسبة كبيرة أن الجولة التي ستعقد في الثاني من سبتمبر القادم ستضع أسس لسلسلة متعاقبة من الجولات التي ستتوج بعد عام بالإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية..
جرب الفلسطينيون تحت سمع وأنظار العالم سبعة عشر عام من المماطلات والتسويفات وإضاعة الوقت.. منذ اتفاق أوسلو الذي وقعه الطرفان عام 1993 وما تلاه من محاولات علي مستوى كامب ديفيد الثانية وواري ريفر وخارطة الطريق.. الخ.. لم يتقدم السلام بين الطرفان إلي المستوي المأمول بسبب وجهة نظر إسرائيل الاحتلالية العنصرية..
لذلك لا يستغرب معظم المراقبون الدوليون أن أي من التسويات التي طرحت عليها سواء كانت دولية أو أمريكية أو عربية، لم تتحول إلي جدول زمني وبقيت حبراً علي ورق..
غالبية التقارير الإعلامية الصادرة من داخل إسرائيل لا تُصدق quot; نوايا نتنياهو quot; للدخول في مفاوضات جادة تقود إلي اتفاق قابل للتحقيق علي ارض الواقع السياسي..
-لأنه لا زال علي عنصريته تجاه وقف البناء في الأراضي المحتلة.. الكل ينتظر معه قدوم يوم 26 سبتمبر حيث ستنتهي فترة التجميد الوهمية للبناء في المستعمرات، إذا ألغي قرار التجميد المزيف فلن يكمل الجانب الفلسطيني مشوار المفاوضات المباشرة.. وإذا مدده فلن تستمر حكومته بتشكيلها اليمينية الحالية..
-ولا زال علي عنصريته فيما يتعلق بغور الأردن حيث يصر علي ضم الجبهة الشرقية علي خلفية انسحاب القوات الأمريكية من العراق حتى يقطع الطريق علي الأسلحة الثقيلة التي تصل إلي الفلسطينيين عن طريقها..
-ولا زال علي نظرته الاحتلالية التي تتمسك بضرورة إبقاء الكيانات الاستعمارية التي اغتصبت أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية ذات الخصوبة العالية بيد إسرائيل، مقابل منح الفلسطينيون أراضي في صحراء النقب القاحلة..
-ولا زال مصمما بشكل عنصري بغيض علي رفضه لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بوضعية القدس، رافعاً شعار توحيدها تحت سيادة إسرائيل..
هذا من ناحية..
ومن ناحية أخري غالبية وزراء حكومته اليمينية المتطرفة يرفضون الأفكار الأمريكية التي ستؤسس عليها المفاوضات المفصلة فيما يلي الجلسات التمهيدية..
-يرفضون حتى العودة الرمزية لعشرات الألآف من لاجئي عام 1948 إلي مواطنهم الأصلية داخل دولة إسرائيل التي طردوا منها، ويفضلون عودة الجميع ndash; وليس الأكثرية - إلي أراضي الدولة الفلسطينية التي ستقام بعد عام..
-يشككون في موافقة الجانب الفلسطيني علي تشكيل قوات دولية تقوم بالإشراف علي الترتيبات الأمنية التي سيتوصل إليها الطرفان، ويصرون علي تواجد إسرائيل داخل نقاط إستراتجية لفترة من الزمن للقيام بهذه المهمة حتى تتوافر مؤشرات الثقة..
الناحية الثالثة التي نود توضيحها..
نتنياهو ووزراؤه منقسمون حيال المفاوضات المباشرة وما ينتظرونه من نتائجها، إلي ثلاث
فئات لا يجمع بينها سوي الشك..
-في الجانب الفلسطيني الضعيف شعبياً quot; الذي دأب علي عض اليد الإسرائيلية الممدوةه إليه بالسلام quot;..
-و في قدرة باراك أوباما علي الانجاز، لأنه في نظرهم يحضر quot; لإنتاج فيلم سينمائي ndash; علي حد وصف سمدار بيري بصحيفة يديعوت يوم 23 الجاري ndash; لقمة سلام بعد أن مضت فترة طويلة علي واشنطن لم تشهد فيها مثل هذا الحدث quot;..
الفئة الأولي ( نتنياهو و إيهود باراك و دان مريدور و ميخائيل إيتان ).. يعملون حساب للصحوة الإسلامية المتشددة التى تحتل مع الأيام مساحات جديدة من المنطقة المحيطة بإسرائيل، ويرون أن التوصل إلي اتفاق مع الجانب الفلسطيني سيمنع فتح والسلطة الوطنية من السقوط ويقضي علي حلم حماس بالتفوق في باقي الأراضي الفلسطينية..
الفئة الثانية ( تتشكل من وزراء حزبي البيت اليهودي و إسرائيل بيتنا و يتزعمها أفيجدور ليبرمان ) ترفض حتى الاعتراف بهذه المقولات وتصر علي إنكار الحقوق الفلسطينية وتتأبي بترفع عنصري علي التعامل مع ما يسمونه الوصاية الأمريكية..
الفئة الثالثة ( تتشكل من بقية الوزراء بزعامة بيني بيجين ) تشترط لتأييد نتائج المفاوضات أن لا يستغلها الجانب الفلسطيني لممارسة مزيد من الضغط لتحقيق مكاسب أكثر من المسموح له بها، وان لا تستخدمها واشنطن لفرض رؤية مخالفة للمصالح الإسرائيلية الأمنية علي وجه الخصوص..
هذا الانقسام فرض علي نتنياهو ان يعمل علي طمأنة جميع التيارات السياسية خاصة اليمينية المتطرفة والقيادات الدينية إلي جانب زعماء المستعمرين..
جاءت هذه الطمأنة في شكل ثلاثة شروط، وهو الذي دأب منذ تولي المسئولية في مارس 2008 علي رفض التفاوض مع الجانب الفلسطيني لأنه يسعي لفرض شروطه المسبقة علي حكومته قبل أن تقبل الدخول معه في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، هكذا كان يسمعنا ويسمع المسئول الأمريكي جورج ميتشل منذ 19 عشر شهراً..
اليوم سمح لنفسه أن يملي هو شروطه التعجيزية التي يؤمن عن يقين لا يتزحزح أن quot; التجاوب الفلسطيني حيالها سيعطي فرصة لتحقيق السلام quot;..
-حتمية القبول بترتيبات أمنية لضمان أمن واستقرار إسرائيل وشعبها
-الاعتراف بأن إسرائيل دولة للشعب اليهودي فقط
-ان تكون دولتهم منزوعة السلاح
هذه الاشتراطات المسبقة كلها تصب في صالح إسرائيل، وهي التي في ضوءها فقط سيكون السلام ممكنا.. كلها تتطلب توافر المفاوض الفلسطيني quot; المتجاوب مع احتياجات إسرائيل الأمنية quot; دون النظر لمطالب التحرر من الاحتلال العنصري التي يرفع شعارها الشعب الفلسطيني منذ عام 1967.. كلها لو قُبلت ستحقق له quot; فرصة أن يكون جاداً في خطواته التي سيتخذها نحو السلام quot;.. كلها ستضع نهاية خيالية ndash; من وجهة نظره - للصراع بين دولة محتلة وشعب يريد أن يتخلص من قيودها العنصرية ويبني دولته التي طال انتظارها..
كل هذه الضمانات لإسرائيل ولا شئ للشعب الفلسطيني.. لا لدولة تتمتع بمقومات الحياة والسيادة.. ولا تطبيق لقرارات الشرعية الدولية.. ولا لانسحاب كامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة.. ولا لعودة اللاجئين إلي أراضيهم داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 والتي اجبروا علي تركها بالقوة المسلحة..
إذن.. علي الفلسطينيين أن يشاركوا في المفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية، فإذا ما قبلوا بوجهة نظرها فيما يتعلق بالمطالب الأمنية في غور الأردن وداخل المستوطنات الاستعمارية وأبقوا القدس تحت سيادتها.. ووافقوا علي تأجيل البحث فيما بقي من ملفات quot; هامشية quot; فمن المكن أن تقام دولتهم quot; داخل حدود مؤقتة quot; لحين الانتهاء من التفاصيل الأخرى.. وإن لم يقبلوا فليس بين يدي نتنياهو أسهل من اتهامهم بتعمد إفشال المفاوضات التي رضي هو وتنازل بالمشاركة فيها..
جاء في كلمة التحرير بصحيفة هآرتس يوم 23 الجاري quot; نتنياهو حقق ما خطط له، الإدارة الأمريكية والجامعة العربية أخذتا بوجهة نظره.. فهل هو قادر علي الوفاء بوعوده؟؟ ستوضح الأيام القادمة ما إذا كان يرمي لكسب الوقت وتهدئة الانتقاد الدولي حيال أفعال حكومته في الضفة والقطاع، أم أنه مستعد لحل وسط تقام في نهايته دولة فلسطينية إلي جانب دولة إسرائيل quot;..
وجاء فيها أيضا quot; اشتراطات نتنياهو التي عبر عنها في جلسة الحكومة ndash; 22 أغسطس ndash; والتي أعرب فيها عن شكه في وجود شريك حقيقي في الجانب الفلسطيني، أوضحت أنه يًعد لنفسه ndash; من الآن - طريقاً لتبرئة نفسه من تهمة الفشل بإلقائها علي غيره.. حتى قبل أن تبدأ المفاوضات quot;..
عند هذه النقطة نتساءل..
هل كانت صفقة طائرات الشبح من طراز F 35 التي ارتضت واشنطن بيعها لإسرائيل علي ان يتم سداد قيمتها ndash; 5ر2 مليار دولار ndash; من ميزانية المساعدات السنوية الأمريكية لها.. أحد البنود الأساسية التي طالب بها نتنياهو مقابل المشاركة في جلسة المفاوضات المباشرة التى ستبدأ يوم 2 سبتمبر القادم؟؟ أم أنها جزء من ترتيبات أخري تخص تعامل الطرفان ndash; الأمريكي والإسرائيلي ndash; مع الملف الإيراني سواء سلماً أم حرباً؟؟
bull;استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات