لا أؤمن أبدا أن إيران عدوة للعرب بل يجب أن تكون صديقة كجارة نتبادل معها الحب والود والوئام والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تنعكس على مصالح الأمتين العربية والإيرانية بالخير والرفاه بعيدا عن كل فكر متطرف ومتخلف أيا كان مصدره الإيراني أو العربي. ولكي نكون واقعيين وصادقين في تحليلنا للأمور بعيدا عن التشنج في الطرح وعن ما يريده الآخر البعيد القريب الذي يهمه مصالحة حتى لو كانت على حساب مستقبل أجيالنا ودمائنا التي تنزف منذ عقود بسبب ما خلقه ذلك الآخر بين العرب والإيرانيين من مشكلات حدودية وسياسية أدت إلى نشوب حرب طويلة بين العراق وإيران لم يكن للإيرانيين دور في إشعالها بقدر ماتم توريطهم في تلك الحرب التي استغل فيها الغباء السياسي العربي المتمثل في سياسة صدام حسين الذي ذهب أخيرا وأسرته ضحية لذلك الغباء السياسي الذي دفع العرب كلهم ثمن حربه مع الإيرانيين لتصب في مصلحة الآخر البعيد القريب الذي أتى ليشعل الحرب وعندما امتلأت خزائنه من فوائدها وشعر بانحرافها بما يهدد مصالحه أوقفها بسرعة. ليشعل حروبا أخرى تغير معها ميزان القوى وانقلبت المعادلات بما أوجد الصدمة لدى الشعوب التي أدهشها ماحدث من تحولات سريعة في المنطقة تعرت على أثرها أهداف سياسية كثيرة خلقت شعورا مريرا لدى الشعوب التي خسرت ثرواتها والآلاف من أبناءها في حروب لم يكن الهدف منها سوى استنزاف مقدرات الشعوب وإشغال بعضها ببعض كي لاتنهض من تخلفها وفقرها ولتبقى أسيرة لما تفرضه الحروب من قهر وجهل وتمزق.
وعاد ذلك البعيد القريب عن شرقنا الأوسطي ليلعب لعبة قذرة أخرى مكنته من تثبيت سيطرته على ثرواتنا مستغلا جهلنا وتخلفنا وضعف ثقافتنا التي تتأثر بالفكر الطائفي والمذهبي والقبلي والذي عن طريقة يستطيع أي طامع أن يعزف عليه ليقسم البلد الواحد إلى بلدان وكانتونات وجيوش تتناحر فيما بينها ليكون الإنسان الشرق أوسطي هو الضحية ويكون ذلك البعيد وبنوكه وخزائنه هو المستفيد والمتفرج على فضائحنا وفسادنا وتخلفنا وقهرنا وضعفنا وحروبنا التي لانستقوي فيها إلا على بعضنا البعض ولا نعشق الشهادة إلا عندما يكون العدو منا وفينا!
وفجأة نجد أن إيران الجارة وقد أصبحت عدوا للعرب علينا أن ننشغل بها عقودا أخرى كي لا نرى مستقبلنا الذي ضاع منذ عقود طويلة في حروب عدة ليستمر ليلنا الطويل من عدو إلى عدو وقد صنع لنا ذلك البعيد القريب عدونا بطريقته دون أن يساعدنا كي نحقق نصرا على أعداءنا الذين يصنعهم لنا ويقهرنا بهم متى ما أراد. لكن المشكلة مع إيران أن ذلك البعيد القريب خلق من إيران لنا عدوا بإرادتنا وأرغمنا على أن نعاديها دون سبب منطقي يجعلها عدوة ولكي لا نتحد ضد العدو الآخر الذي صنعه لنا ولنا الحق في محاربته كي يحرر أرضا احتلها وشعبا يتعرض للسحق كل يوم منذ ستين سنة. وإذا آمنا رغما عنا وصدقنا أن إيران عدوة العرب فعلى الأقل ننظر للأمر من منظور سياسي ذكي كيلا يستمر مسلسل الغباء الذي نشاهده منذ ثلاثين سنة وكأننا نشاهد احد المسلسلات العربية المملة والكئيبة التي تشدك بسذاجتها منذ البداية لتجعلك رغم سخافة الفكرة تستمر في المشاهدة حتى آخر حلقة دون أن تصل إلى نهاية منطقية للمسلسل سوى بما تشاهده من تكلف للنهاية التراجيدية العاطفية الخالية من فكرة منطقية أساسها العقل.ولأنه كعادة العرب يفسرون الأمور والحياة والسياسة بعاطفة وبعيدا عن العقل الذي يحتقرون فكره ونوره فإننا هنا نحاول أن ننظر للأمر بعين العقل حتى لا نقع في فخ آخر يسببه النظر للأمور بعاطفية سياسية أو طائفية كيلا تدفع المنطقة أثمانا أخرى لا تستطيع أن تتحملها هذه المرة وستكون النتائج مدمرة وكبيرة، لأن الشعوب لم تعد بعواطفها تسعد لهدير الحروب المؤدلجة والمنمقة صورها في الفضائيات بتعابير القيم الغربية الجميلة التي اتضح للناس أنها لم تكن سوى غطاء لحروب لها أهداف سياسية ذات مصالح تصب في ميزانيات تلك الدول الكبرى التي تمارس لعبة شطرنجها هنا وهناك متذرعة بقيمها الجميلة داخل بلدانها عندما تجعل من قيمها سببا لشن الحروب باسم تطبيق تلك القيم التي يعجب فيها كل محروم من الحرية، لكنها في الحقيقة ليست إلا تبريرا لترسيخ قيم السيطرة والقوة التي تختلف اختلافا تاما عن قيم الحرية التي تتمتع بها شعوب تلك القوى التي تمثل أحسن الأنظمة العادلة والديمقراطية أمام شعوبها الحرة، وتكون أقسى وأبشع القوى الظالمة والمتجبرة عندما تخرج عن بيئتها المتسامحة لتغزو بلدانا باسم الحرية وهي لا تطمح سوى لفرض الهيمنة والسيطرة لمن يعارض إرادتها في الوقت الذي تصمت فيه عن محاربة الظلم والاستبداد الذي تمارسه الأنظمة التي تخنع لها أو تؤدي دورا استعماريا يخدم مصالحها.
إذا آمنا رغما عنا أن إيران عدوة للعرب، فعلينا هنا أن نلعب اللعبة بذكاء، لنخلق نظرية سياسية جديدة نسميها (العدو الحصن ) ونحن نعرف أن الحصن هو ما يحتمي به المقاتل أو المحارب من أعداءه، ولكن أن يكون العدو حصنا فهذا ربما مالم يفكر فيه احد من قبل، لكننا هنا نفترض أن إيران عدو وهمي أكثر من أن تكون عدوا حقيقيا حتى لو ملكت النووي وصنعت الصواريخ العابرة للقارات، برغم شكي الكبير أن تكون إيران إلا عراقا آخر يراد له أن يكون قوة وهمية كدولة صدام و مصانعه النووية وصواريخه العابرة للقارات التي اتضح أخيرا أنها ليست إلا كذبة كبيرة ولم يكن الرجل سوى قائد مغفل لشعب يئن تحت الفقر والجهل والتخلف، لايفهم في القيادة ولا يملك معرفة ولا علما يشفع له أن يكون قائد كتيبة عسكرية فكيف بقيادة شعب عريق وغني تركه فقيرا مأزوما يقاتل بعضه بعض؟!
فلتكن إيران بالنسبة للعرب: العدو الحصن الذي نخاف منه لكنه لا يؤذينا سوى بهامته وصوته الجهوري وخطره علينا أخف من أي خطر آخر لو أصبحنا بلا حصن نحتمي به كآخر القلاع التي نتحصن بها ضد عدو أشد أو هجوم أقوى إذا فقدناه فلربما نكون مكشوفين من كل جانب مما سوف يسهل الهجوم علينا دون مقاومة منا.
على العرب أن يجيدوا اللعبة السياسية الجديدة التي اسميها هنا لعبة (العدو الحصن) وان لايفرطوا هذه المرة في حصن آخر مثلما فرطوا في حصون كثيرة. لكن لعبة العدو الحصن لا يستطيع أن يطبقها من يكون مكشوفا من الداخل مالم يكن قد أمن داخله بالوحدة الوطنية القوية التي لا يشعر فيها جزء من أجزاء أي بلد عربي بالغبن، لأن ذلك يعتبر اكبر واهم سلاح لأي عدو خارجي كي يغزو هدفا، ولكي أستطيع أن العب لعبة الحصن العدو فانه يتوجب علي إصلاح الخلل الداخلي وتقوية الوحدة الوطنية ومحاربة الفساد وقهر عصابات الثراء الفاحش وإزاحة كل أسباب الظلم والغبن كي يكون البلد العربي منيعا وقويا من الداخل قبل أن يتعرض لأي هجوم خارجي يهدد أمنه ووحدته واستقراره.
إن من يستطيع أن يطبق نظرية العدوالحصن في السياسة العربية سوف يكون قادرا على البقاء والاستمرار الى نصف القرن الواحد والعشرين، لكنه لن يكتب البقاء لأي كيان عربي أو غير عربي فيما بعد نصف القرن الواحد والعشرين سوى لمن يتسلح بقيم العدالة والمساواة والحرية.
إيران بالنسبة للعرب هي الحصن الذي كان يجب أن لايكون عدوا حقيقيا أو وهميا لكنه تحت ضغط سياسات الدول المسيطرة تكون العداوة أحيانا مفروضة بفعل إرادة تلك القوى المهيمنة، لكن اللاعب الذكي من الدول الصغيرة والمستعمرة والمستضعفة هو من يجيد استغلال لعبة العدو الحصن بذكاء كي ينجو مما يخطط له، لأن سياسة القوى المسيطرة لا تتبع نهجا أخلاقيا في تعاملها مع حلفاءها وأصدقاءها حتى وان كانت تلك القوى تتمتع بأنظمة ديمقراطية ودستورية ذات قيم أخلاقية عالية في الداخل، لأنهم يفرقون بين قيم الداخل التي تعلي من شأن شعوبهم وتحافظ على كرامتهم وحريتهم وبين مصالحهم التي تجعلهم وحوشا في تعاملهم مع السياسة الخارجية التي تحمي مصالح شعوبهم.
ومن هذا المنطلق فان إيران يجب أن تكون الحصن الذي يحتمي به العرب حتى لو كانت العدو الحصن، وعلى السياسة العربية أن تجيد لعبة الاحتماء بهذا الحصن الذي لو كان جارا لغير العرب لخلق منه صديقا يستفاد منه. يجب أن لاتكون إيران شبحا يهددنا به الآخر كي يبتزنا ويحقق أهدافه بتخويفنا به وعندما يتحقق لذلك البعيد القريب مايريد ربما يبيعنا ويشتري ود الإيراني الذي يكون بالطبع قد باعنا وكره التعامل معنا وهو الذي يسعى إلى شراء ودنا ونحن نرفض متذرعين بعداوته الوهمية التي صنعها الآخر لنا ككذبة رددها علينا وصدقناها!!
لعبة: العدو الحصن... تناسب ظروف العرب الحالية وعن طريقها يستطيعون أن يؤمنوا استقرار مؤقتا يدو لعقود قليلة ان أجادوا لعبها بمهارة وحرفية ووضعوا لها فكرا خاصا بها برغم ايماني ان الحصن الأهم والأقوى هو ان نخلق شعوبا حرة وغير خائفة كي تصنع عالمها القوي وواقعها الحر دون مبالاة بعدو هنا او هناك!
التعليقات