الصيام موجود في كل الأديان.. السماوية وغير السماوية.. الجميع متفق على أهميتة باعتباره غذاء للروح وأسمى درجات التعبد وأن الهدف منه التقرب للخالق الأعظم لنيل النعم والبركات. والصيام يجب أن يكون مصحوباً بالصلوات والصدقات لاكتساب طاقات روحية تمكن الإنسان من تنقية الأفعال والأقوال والأفكار من الغش والكذب ما يجعل الإنسان في حالة تصالح مع نفسه ومع الآخرين، الأمر الذي يقربه من الله فينال السلام والطمأنينة ويصل إلى حالة شبع الروح.
والصوم مسألة شخصية وليست علانية بمعنى انه لا يصح أن يعلن الإنسان عن صومه لأحد فهي علاقة شخصية بينه وبين خالقة لأن الإفصاح يتنافي مع فضليه التواضع ويعطي انطباعاً أن الصائم يشعر بالافتخار الأمر الذي يعتبر ذنباً ومعصية يمكن أن يحرمه من ثواب ونعم الصوم.
وجاء في لسان العرب أن الصَّوْمُ هو تَرْكُ الطعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ والكلامِ يوماً كاملاً من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية خالصة. وفي الحديث الشريف نجد أن الله خص الصَّومَ بأَنه له لأَن الصَّوْمَ لا يَظْهَرُ من الإنسان بلسانٍ ولا فِعْلٍ إنما هو نِيَّةٌ في القلب وإمْساكٌ عن حركة المَطْعَم والمَشْرَب ولهذا ليس في الصوم رِياءٌ، وقال آخرون أن الصَّوْمُ هُو الصَّبْرُ، يَصْبِرُ الإنسانُ على الطعام والشراب والنكاح والله يُوَفَّى الصابرونَ أَجْرَهم بغير حِساب.
ويحكى في تاريخ الرهبان والمتوحدين أن رجلا ضل الطريق في الصحراء ووصل به الحال من العطش والجوع آخره حتى وطأت قدماه قلاية راهب متوحد يعيش في قلايته قرابة العشرون عاماً دون أن يخرج إلى الحضر ولو مرة واحدة. فاستقبله الراهب العجوز بالترحاب واعد له الطعام واكل معه. ومع انه كان وقت الصوم الكبير المقدس لدى الرهبان وجميع المسيحيين وكان صائما كعادة الرهبان من غروب الشمس إلى شروقها لا يأكل ولا يشرب شيء البتة إلا انه أكل معه ولم يحرجه ولم يعلمه عن صومه فلم يخبره انه يعد الطعام خصيصاً له. هذا الراهب يعلم تماما معنى الصيام ومعنى محبة الناس. لقد كسر قانونه الروحي لكي يضمد جراح المسكين ويروي ظمأه ويشبع جوعه.. أليست هذه هي المحبة الحقيقية التي يطالبنا بها الله تجاه إخوتنا بني البشر بدون أن نسأل عن هويتهم الدينية أو معتقداتهم فهم إخوتنا الذين يجب علينا أن نسعدهم ونفرح قلوبهم لكي تفرح قلوبنا نحن أيضا فيفرح بنا الخالق العظيم.
وإذا كان الله سبحانه قد سمح لبعض الفئات من البشر بعدم الصوم إذن فهناك استثناءات وبالتالي لا يحق لإنسان أن يفتش في ضمائر الناس ويسألهم لماذا انتم غير صائمين؟ لأنه بهذا ينتحل الصفة الإلهية التي لها هذا الحق.
لذلك أعجب عندما أجد بعض الدول والجماعات تفرض مظاهر الصيام على الجميع فتغلق المحلات وتمنع إقامة الأسواق وتغلق المطاعم بل وتسير الشرطة المدنية في الشوارع لقمع الفاطرين بل وحبسهم. هل وصل الجهل بحقيقة الدين السمح لهذا الحد أن نحول الفروض والتي تخضع لشروط الاستثناء إلى قوانين قهر وإجبار وإكراه؟ أليس في هذا تعدي صارخ على عمل الله وتعدي صارخ على حقوق الإنسان.
وإذا كانت هناك بعض الأصوات التي تقول إن منع مظاهر الإفطار إنما هي لمنع الإساءة إلى مشاعر الصائمين فاعتقد أن هذه بلاهة التفكير لآن من المفترض أن الصائم الذي نذر للرحمن صوما بنية خالصة من اجل طاعة الله وحفظ وصاياه وفرائضه هو الأقوى وليس الإنسان الفاطر المستثنى من الصوم بحجة صحيحة كانت أم كاذبة فهذا شأنه. فمن يحتمل من؟ الصائم أم الفاطر؟ اعتقد انه يجب على الأقوياء أن يحتملوا ضعف الضعفاء وليس العكس.
وفي كل بلاد العالم تصوم الناس أصحاب الأديان السماوية وغير السماوية ولم نسمع قط عن إجراءات لقمع الفاطرين أو إكراههم على الصيام. لأن هذه الإجراءات تدفعهم للتظاهر بالصوم فنساعدهم بذلك على ارتكاب خطيئة الرياء والنفاق وهي أشر بلية من القتل ما يجعلنا بدلا من أن نحصد ثواب وبركات الصوم نجلب على أنفسنا أثم ومعصية.
ولا يوجد عاقل واحد يرضى أن يتدين الناس بالقوة. وعلى الصائم برخاوة ويشعر بالضعف أمام الأكل والشرب والنساء ولا يقدر على الصبر أن يفطر ذاك اشرف له وليس من حقه أن يرمي سبب ضعفه عل الآخرين فالله ليس بحاجة لصوم مثل هذا الإنسان.
لن تتقدم البلاد العربية إلا إذا عرفت الفواصل بين المسموح وغير المسموح بين المنطقي وغير المنطقي بين الحق والواجب وهذا لن يتأتي إلا بتصحيح شامل للخطاب الديني وهذا لن يتأتي إلا بفصل الدين عن السياسة ليصبح الدين لله سبحانه والسياسة للوطن والوطن للجميع.
احمد الله إن مصر بعيدة عن هذه الأعمال المتنافية مع صحيح الدين.. فنرى في مصر الكثير من الصائمين.. المسلمين والمسيحيين لا يتعمدون إظهار صومهم أمام الآخرين وعلى الأخص الفاطرين بل بالعكس يقدمون لهم بأنفسهم واجب الضيافة بفرح وحب وسرور.. بيد إن الفاطرين أيضا ومحبة منهم وحفاظاً على الألفة والمودة والمشاعر التعبدية يمتنعون..
ومن الأمور الرائعة الشائعة في مصر أن يفطر المسلمين والمسيحيون معاً على مائدة واحدة في الشهر الفضيل فإن تصادف ذلك مع صوم الأقباط المسيحيون وهم أيضاً يصومون من غروب الشمس إلى شروقها بدون الطعام والشراب البتة ثم يفطرون على الأطعمة النباتية quot;نجد أن المائدة الرمضانية قد شملت الأطعمة الحيوانية والأطعمة النباتية فيأكل كل إنسان حسب ضميره الديني ما شاء في ألفة ومحبة ووئام .. هذه هي الروح التي يجب أن تسودquot;.
[email protected]
التعليقات