أراقب حمى التوقيعات والتوكيلات التي تجتاح بر مصر هذه الأيام، و طالت الحزب الوطني الذي يُطالب أعضائه بتوقيع توكيلات قانونية بمقتضاها يحق لأمين التنظيم quot;احمد عزquot;، وأمين المحافظة التابع لها كل عضو، يحق لهما سحب ترشيح أوراق هذا العضو، ومنعه من ترشيح نفسه في حال خسارته في المجمع الانتخابي، ولم نعرف هذا النوع من التوكيلات التي يتنازل فيه عضو الحزب الوطني لأمين التنظيم، وأمين المحافظة عن حقه في ترشيح نفسه لانتخابات مجلس الشعب.
هذه التوكيلات أعادت إلى ذهني ما عرفناه في كتب التاريخ المصري، حين فوض الشعب quot; سعد باشا زغلول quot; الدفاع عن استقلال مصر، وإجلاء الاحتلال البريطاني، وإقرار الدستور في مؤتمر الصلح بباريس، وانتهى ذلك بثورة 1919، الثورة الشعبية الأهم في تاريخ مصر الحديث، وقبل ذلك تفويض الشعب للزعيم quot;احمد عرابيquot; للتحدث باسمه أمام الخديوي توفيق في قصر عابدين في سبتمبر عام 1881، وما كان من الخديوي إلا الاستجابة لمطالب الشعب.
هذه التوكيلات الجديدة التي اخترعها quot;عباقرة الحزب الوطنيquot; وصفها رجال القانون بأنها quot;باطلةquot;، بل quot;ومخالفة للدستورquot; فالمادة 62 تنص على quot; حرية الانتخابquot;، وكذلك quot;حرية الترشيحquot;، وبالتالي لا يحق لآي جهة حرمان المرشح من خوض الانتخابات، لأن ذلك quot;مخالف للدستورquot;، ويبدو أن الحزب الوطني يريد أن يمنع أعضائه الذين لا يقع عليهم الاختيار كمرشحين عن الحزب من ترشيح أنفسهم كمستقلين، فهم لا يريدون تكرار ما حدث في الانتخابات السابقة، ففي تلك الانتخابات لم ينجح سوى خمسة وثلاثين في المئة من الأعضاء الذين اختارهم الحزب، ونجح معظم أعضائه المستقلين.
والواقع أن فكرة جمع التوقيعات والتوكيلات ليست جديدة على الساحة المصرية التي تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا لا تخطئه العين، فقد ظهرت مع عودة الدكتورquot; محمد البرادعيquot; إلى مصر بعد انتهاء فترة رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودعوته إلى التغيير والإصلاح الديمقراطي، ولأن الرجل كان يعيش في الغرب، ويرفض أن يفرض نفسه على الساحة، فقد دعوه أنصاره إلى فكرة جمع التوقيعات المدعومة بالرقم القومي لكل مؤيد من واقع بطاقته الشخصية، وبقدر حجم ما يحصل عليه من توقيعات يتبين رغبة الشعب في دعم برنامجه للتغيير والإصلاح الديمقراطي.
ظهرت جماعات أخرى بعضها ينتمي للحزب الوطني الحاكم، والأخر من خارجه لجمع توقيعات مؤيدة لترشيح quot; جمال مباركquot; أمين لجنة السياسات، الأمين المساعد للحزب الوطني، لرئاسة الجمهورية فضلا عن ظهور مجموعة أخرى تؤيد ترشيح الرئيسquot; حسني مباركquot;، وعلى هذا المنوال تقوم جماعة quot;حزب الغدquot; المنشق جبهة quot;أيمن نورquot; بحملة ضد مبارك الابن بعنوان quot; مصر كبيرة عليكquot;، وما يهمني هنا هو أن هذه التوقيعات ماهي إلا محاولة للبحث عن طريق نحو السلطة، وهي بالتالي تختلف عن التصويت الذي يتيح للفرد الاختيار بين عدة مرشحين لكل واحد برنامجه.
وإذا كان هذا الأسلوب اقصد أسلوب quot;التوقيعاتquot; يجري بع العمل به في بعض الأنظمة الغربية كالولايات المتحدة مثلا، حين تتوافق الآراء بين مجموعات مصالح على اختيار شخص ما يرونه الأصلح، لتولي منصب الرئاسة ويشرعون في جمع التوقيعات المؤيدة له فإن هذا لا يعني أن هذا الشخص، قد نال القبول العام، فعندما يحين الموعد، وتبدأ عملية الانتخابات ترى الأمور تسير في اتجاهات أخرى، ومع ذلك لا تخلو التوقيعات في هذه المجتمعات من مزايا، فهي تسلط الأضواء علي شخص ماrlm;،rlm; وتعطي الرأي العام،rlm; فرصة لتقييمrlm; الرجل ومعرفة ماله وما عليه،rlm; كما تتيح لأجهزة الإعلام مجالاً للمقارنة وإشعال روح المنافسةrlm; بين من يقع عليهم الاختيارrlm;.
أما لدينا في مصر فالتوكيلات لا تراعي دستوراً ولا قانوناً فهي اجتهاد من جانب أمين التنظيم quot;احمد عزquot; وأعضاء حزبه للتضييق على quot;المرشحين المستقلينquot;، وتعكس نوعاً من عدم الثقة المتبادلة بين القيادات الحزبية والأعضاء، وتكشف ضعفاً في بنية حزب يدعي أنه الأكثر جماهيرية، إذن هي مصالح بين أعضاء الحزب، وحين تتعطل هذه المصالح يغضب قادة الحزب الكبار من الأعضاء الصغار، فينشق العضو عن الحزب ويترشح مستقلاً لان مصالحه أهم من الالتزام بمبادئ الحزب، وفي معظم دول العالم يقتضي الالتزام الحزبي أن يؤيد الحزب مرشحه، ويمول حملته، ويظل العضو مرتبطاً بالحزب، لأنه هو الذي يرشحه من خلال قاعدته الجماهيرية، لكن في مصر الأمر مختلف فأعضاء الحزب يقدمون خدمات، وتبرعات للحزب وقاعدة المرشح الجماهيرية في الدائرة هي التي تحدد نجاحه، وليس قاعدة الحزب.
لذا فإن التفاف الحزب الوطني على القوانين وإجبار الأعضاء على عمل توكيل في quot;الشهر العقاريquot; بما يسمح بسحب أوراق ترشيحه في حال عدم فوزه في quot;المجمع الانتخابيquot; ما هو إلا حق يراد به باطل، فهي محاولة للالتفات على القوانين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على فشل الحزب في إقناع نوابه وبالتالي يريدون أن يقروا هذا النوع من الحيل القانونية وهو أمر لو تعلمون عظيم.
إعلامي مصري
- آخر تحديث :
التعليقات