من المعروف أن عملية إعادة الإنتاج في حقل المجتمع والإنسان، ليست عملية مكانيكة أو أتوماتيكية، تشبه أي مصنع مكيانيكي أو مؤتمت، بل هنا تدخل واضح للإرادات، بغض النظر عن حجم ومساحة هذا التدخل وقوته، وهذه الإرادات، سواء كانت داخلية أو إقليمية أم دولية، تتدخل ويعاد إنتاج هذه المجتمع وإنسانه وفق تفاعلات خاصة، علينا رؤيتها، فالسلطة تريد إعادة إنتاج المجتمع كما تريده، والمجتمع لديه إرادات مقاومة إرادية أو لا أرادية للسلطة، كما أن السلطة لها تداخلات إقليمية، متعددة المصالح، ومتعددة الوجوه، إضافة إلى جملة من العوامل الدولية، لا يمكن إغفالها خاصة في اللحظة الراهنة من عمر المنطقة.

سورية مأزق يعاد انتاجه 3

كما لابد لنا من تثبيت نقطة على غاية من الأهمية، وهي أن للسلطة السياسية الدور الرئيسي في هذه العملية، لأنها تملك القوة الأكبر وعلى كافة الصعد في سورية.
- الخصخصة تكون عادة لتخدم قيام مسافات بين قطاع الأعمال وبين سيطرة السلطة عليه، في سورية يجري العكس، قطاع الأعمال كلما زادت ما تسمى الخصخصة يقترب من السلطة أكثر، ودون هوامش تذكر، وهذا يعني مزيدا من احتكار السلطة والثروة معا، لأنه عندما يصبح قطاع الأعمال والسياسة بأيد قلة، عبر احتياز على قطاع الدولة وملكية شخصية للقطاع الخاص، نكون أمام نظام فريد من نوعه، يحتاج إلى دراسات خاصة وميدانية، وبالتالي يجب ألا تسرقنا التصنيفات الجاهزة، لكي نتخلص من الخاص في حركية السلطة والمجتمع معا. كيف يتفاعل المجتمع مع ما يجري على هذا الصعيد؟ من الواضح ان المجتمع السوري، الآن بشكل عام، بات لديه رب عمل رئيسي وهو هنا القلة السلطة، سواء اتجه للعمل في قطاع الدولة أو اتجه للعمل في القطاع الخاص، فهو معلق بالسلطة أكثر مما كان من قبل، قبل العقد الأخير كان المواطن، يخاف السلطة ولازال، وكانت ربة عمله في قطاع الدولة فقط نسبيا، الآن بات يجدها أمامه في القطاع الخاص أيضا كربة عمل فأين المفر؟ وكيف ستنعكس هذه الحالة على تفاعل الفرد السوري مع وطنه؟ الهوامش المتبقية في قطاع الأعمال الخاص، هوامش يمكن أن نعبر عن دورها بمثال بسيطquot; إذا اعتبرنا القطاع الخاص شركة مساهمة، للسلطة في شركة القطاع الخاص أكثر من نصف الأسهم، وبالتالي لها الهيمنة على قرار مجلس إدارة هذه الشركة، وبقية المساهمين إما أن يوافقوا على قرارات وتوجهات المالك الأكبر أو يرحلوا، وهنا الرحيل أيضا لا يمكن أن يتم دون موافقة هذا المالك، وإلا جرى إفلاس الشريك المنسحب عبر سيطرة هذا المالك على أجهزة السلطة والأمن والقانون، والأمثلة لا تحصى في هذا الصدد. مع ذلك ومع اتساع ملكية أصحاب السلطة الاعتبارية عبر السلطة السياسية والشخصية عبر رؤوس أموالهم المتحصلة من الفساد أساسا، هل يمكن لهذه القلة الجديدة ان تنهي الفساد المالي، طالما أنها أصبحت هي مالكة وهذه أموالها؟

- عندما يجد المواطن السوري التوجهات التطييفية للنظام، هل سيتخلى عن دينه وطائفته؟ مع أنه لا يوجد حملة علونة في البلاد، لأن هذا ممنوع دينيا، لأن الطائفة العلوية ليست طائفة تبشيرية، وإلا لكنت شاهدت ملايين السوريين ربما يغيروا طائفتهم أو دينهم حتى، لهذا يعتقد بعضنا ان ظاهرة التشيع تغطي قسما من هذا الموضوع، والتي تسمح لها السلطة بذلك! فإن لم يكن لها وظيفة سلطوية ما كان يمكن للسلطة أن تسمح بهذا التشيع، وإلا لكانت طالبت إيران بالتعامل بالمثل علويا أو سنيا؟! أي ان تسمح طهران بإرسال مبشريين علويين أو سنيين من سورية.

كما هو معروف مر في تاريخ الشعوب أن قوة السلطة استطاعت تغيير أديان قوميات بحالها، أو تغيير طوائفهم بشكل كامل، السلطة في سورية لا تستطيع العمل وفق هذا المنحى لاعتبارات عديدة عقيدية، وسياسية وقانونية، فتركت جانبا من هذا الأمر للنسخة الشيعة الحاكمة في طهران، ولو من باب التجريب بشعبنا. ثمة أمر آخرquot; المثقفون السوريون، وخاصة بعض المعارضينquot; يؤكدون أن الناس في الشارع السوري، باتوا يفكرون بشكل وهابي طائفي..الخ المعزوفة...ولكن هل الأفراد المتواجدين في تراتبية قرار القوة والسلطة، هم ملحدون؟ ام علمانيون، ومؤدلجون لكي يفصلوا انتماءهم الطائفي عن التحاقهم بالسلطة؟ ام انهم مثلهم مثل غالبية المجتمع السوري يفكرون بشكل طائفي؟ هذه النقطة رغم حساسيتها إلا اننا نعتقد بضرورة فتح هذا الملف، لكي نرى مع من يتفاعل شعبنا عموما، لهذا الأقلية القومية الكوردية، كيف يمكن مطالبتها بإعلاء الهم الوطني السوري، وهي ترى الأكثرية العربية، تعلي الهم الطائفي سلطويا ومجتمعيا حتى؟ لهذا كي لا نبقى في حيز يمكن أن يراه بعضنا تجنيا هناquot; القلة السلطوية، إذا كانت بعثية معنى ذلك أن الدولة السورية برمتها هي مرحلة انتقالية نحو دولة الأمة العربية، وإن كانت طائفية فهي أقل من وطنية سورية، وتلك مصيبة أعمق، وكذا الأمر بالنسبة للتيارات الإسلامية المتاح منها والمعارض التي تنتظر دولة الخلافة، وكذا الحال بالنسبة للتيار القومي العربي، لماذا مطلوب من الكوردي أن يكون وطنيا أكثر من هؤلاء جميعا، وجيرانه أبناء جلدته في كوردستان العراق باتوا يشكلون له نموذجا شاء أم أبى، وشئنا أم أبينا نحن غير الكورد من السوريين، هذه قضية لا يمكن التعرف عليها فقط أيديولوجيا بل يجب النظر إلى الشعور المتراكم والمتفاعل بين ما يجري هناك وما يجري معهم في سورية طيلة عقود من الزمن؟ هذه السياسة والأيديولوجيات هي من يتفاعل معها المواطن السوري، فكيف سيصبح مواطنا سوريا إذن؟نركز تحليلاتنا غالبا على أثر السلطة على المجتمع، ونقول بتطييفه لكي تبقى سيدته، ولكن كيف يتفاعل المجتمع مع هذا التطييف؟ وكيف تستقبل السلطة ردة فعل المجتمع على ممارساتها؟ أقله لو كان هنالك حد أدنى من النوايا الطيبة، لكانت سمحت بسن قانون مدني- اختياري على أقل تقدير- إلى جانب القوانين المستمدة من الشريعة دينية عند الأديان ومن الشريعة الطائفية عند الطوائف، أي أقله تترك مجالا للسوريين أن يتعاملوا وفق قوانين مدنية لمن أراد..هذا حد أدنى مطلوب.
الدين المتاح سلطويا مرتاح الآن، وهو يعتقد أن الزمن زمنه، زمن السيد محمد حبش والقبيسيات ومعاهد الأسد الدينية..الخ والمشايخ الجدد الذين تملأ اسطواناتهم اليومية وسائل النقل العامة والخاصة.

هذه الحصيلة الضيقة التي حاولنا أن نوجزها بمقال أخير من هذه المقالات التي حاولنا أن نبين مأزق الدولة السورية، تحتاج إلى لغة مواطنية تصل إلى الشارع السوري، ولكن كيف؟ ونتمنى من السلطة والقائمين عليها كشخوص أن يغيروا من توجهاتهم، يجب النظر إلى سورية كدولة أكبر من سلطتهم وأوسع من مصالحهم الضيقة، هذه الرشاوي للدين المتاح من أجل البقاء في مواقعهم الطائفية، وإبقاء الفساد من أجل تجنيب سؤالهم عن أموالهم، ورشوة الزعامات الروحية للطوائف والأقليات بوصفهم جند على الحدود بين مكونات المجتمع السوري، كل هذا مهما طال الزمن سيكون لغما لا أحد يعرف متى؟ ومن سيفجره؟

وبمناسبة دراما رمضان السورية المكررة كل عام، لتخرج هذه الدراما من دمشق ببئتها الشامية، ومن اللاذقية، إلى المحافظات السورية الأخرى، إلى الجزيرة السورية التي تعيش منذ سنوات قحطا وترديا معيشيا فظيعا، والسويداء وديرالزور، حتى حلب وحماة وحمص كلها غائبة! محورية دمشق واللاذقية في الحياة السياسية السورية بدأت تعطي نتائجها حتى دراميا.
نتمنى لدعوتنا هذه أن تجد صدى ما..