من أصعب ما يمكن قراءته في الصحافة السعودية ما بين سطورها من حراك كيميائي في الأسس المهنية التي تدار بها، أنه ليست هناك ضوابط مقننة وحاسمة تحفظ الحقوق وتساعد في أداء الواجبات بحرفية تطور من أداء المؤسسات الصحفية والصحفيين، ولذلك فإن عدم كتابة أو وجود ميثاق شرف مهني أول ثغرات الأداء الصحفي، فضلا عن عدم وجود أي برامج للتطوير سواء في هياكل المؤسسات أو الكوادر البشرية، وذلك يجعلنا نتنزل بمشكلات العمل الصحفي في السعودية بفرط المسبحة حبة تلو الأخرى.

سكينة المشيخص

في تقديري ومن واقع الممارسة والمراقبة والمتابعة للمجريات اليومية الصحفية السعودية، فإن إشكاليات العمل الصحفي تبدأ من رأس الهرم الإداري والوظيفي، فالعلاقة في غالب الأمر متوترة بين مجالس الإدارات ورئاسات التحرير، وذلك ينتج أزمات تنتقص من قيمة العمل المهني في المؤسسات الصحفية وتؤثر سلبا على الأداء العام، وذلك لا يحدث بصورة معلنة ولكنه يبدو واضحا من خلال الارتباك في قيادة المؤسسات الصحفية وما يرشح من فتور بين الطرفين يتداعى عنه عدم وجود أي ولاء لدى الصحفيين لمؤسساتهم الصحفية وإنما للرؤساء المباشرين ورؤساء التحرير بما يسمح بتمرير أنصاف المواهب ويبقي على الوصوليين في كراس لا تدوم لأحد أبدا.

يلي توتر العلاقة بين مجالس الإدارات ورؤساء التحرير، دور هؤلاء الرؤساء في إدارة الصحف، فالظاهر في مسيرة الصحافة السعودية أنها تتبع لهوى وميول رؤساء التحرير، فإذا كان أحدهم ليبراليا كانت الصحيفة بأكملها ليبرالية، وإذا كان إسلاميا كانت الصحيفة بأكملها إسلامية، وهكذا وقعنا في فخ الاتجاهات الفكرية أحيانا كثيرة وأحيانا قليلة يكون هناك رؤساء تحرير بلا طعم أو لون أو رائحة وكذا تكون صحفهم، وذلك يعني تلقائيا صعوبة متابعة المنهج الإداري والتحريري للصحافة السعودية لأنه ما من أقيسة ومعايير محددة يمكن من خلالها الرصد بمنهجية علمية صعود أو هبوط هذه الصحافة، أي أن أي باحث سيجد أنه من الصعب رصد التطور الكيفي والبشري للصحافة السعودية، فيما يمكنه بسهولة رصد التطور الهندسي والمعماري والمفارقة أن ذلك ليس موضوع الصحافة من حيث هي ممارسة ذات سلطة توجه وتصنع وتشكل الرأي العام.

ويصطاد الفخ الفكري عددا مقدرا من رؤساء التحرير الذين يميلون أحيانا كل الميل للتعامل بحسب اتجاهاتهم الفكرية وبسط رؤيتهم في العمل واستقطاب كتاب الرأي وحتى المحررين من ذات الاتجاهات الفكرية، ولكن الأسوأ من ذلك هو التعاطي المذهبي في العمل والممارسة الصحفية التي ينبغي أن تكون موضوعية تماما كما تتشدد الأدبيات المهنية، ولكننا نلمس من بعض رؤساء التحرير اتجاها كامنا في سلوكهم الإداري حينا وأدائهم المهني أحيانا أخرى من خلفيات ومعطيات مذهبية صرفة، وتلك قضية جدلية لها توابعها الخطيرة ليس على الصحافة وحسب ولكنها تعتبر بمثابة خط أحمر مطلوب من هؤلاء ليس الحذر وإنما اجتناب التعاطي مع الفكرة المذهبية بتمايز لا يضعف العمل الصحفي وحسب وإنما يتعدى ذلك لإشكالات حقوقية تبعاتها أخطر من تسطيح الإقصاء المذهبي.

ومن السوءات المهنية في الممارسة الصحفية السعودية ذلك الدور السلبي لهيئة الصحفيين السعوديين، فهذه الهيئة لا تستوعب أو تخدم إلا الصحفيين المنسبين اليها بمقابل مادي، ولا اعتقد أن دور الاتحادات أو النقابات أو الهيئات الصحفية في عالمنا العربي والعالم كله بذات السلبية التي عليها هيئة الصحفيين السعوديين، فهي ومن قبل أن تجد مأوى يأويها شهدت ولا تزال تشهد خلافات بين أعضائها وتسلل كثير منهم حتى أصبحت كالنسيج المتهرئ الذي لا يستر عورات الصحافة أو الصحفيين وأفرغت هذه الهيئة من مضمونها وأصبح وجودها من عدمه سيان، فما من قضية محورية من هموم الصحفيين ومشكلاتهم تعاملت معها هذه الهيئة بجدية، ولم تحم يوما صحفيا أو صحفية من العسف الذي يتعرضون اليه يوميا، ولم تبادر يوما لإصدار مقترحات تشريعية بإجراءات وقائية أو حمائية للصحفيين من إزهاق قيمهم المهنية وحقوقهم في مؤسساتهم الصحفية، هي في النهاية مجرد مؤسسة وديكور صحفي غاية في السلبية لا يرجى منه شيئا طالما هذا هو الحال.

يميل رؤساء التحرير غالبا لمهادنة وموالاة مجالس الإدارات، وذلك لا يستقيم مطلقا مع بيئة وأجواء العمل الصحفي بحسب الأعراف والأدبيات المهنية التي تجعل من الصحافة سلطة رابعة لها دورها المؤثر في بناء الأوطان وعمليات التنمية المختلفة، ولكن رؤساء التحرير غالبا يجتهدون في عدم الاصطدام بمجالس الإدارات التي ينبغي ألا تضيق عليهم ولكنها تفعل تحت سطوة قوة رأس المال، وهذا سلوك ما كان له أن يكون له دور مؤثر لو أن الممارسة الصحفية برمتها كانت تتم في أجواء احترافية، غير أن ذلك لا يعفي رؤساء التحرير من مظاهر الخلل التي تنضح بها صحفهم، حتى أن الأمر يبدو وكأنهم يسمحون بقدر من الفوضى في الصلاحيات بما يجعلهم يتحكمون في كل الهيكل التحريري بمعدل تراكمي لأخطاء الفرحين بالصلاحيات، ولكن ذلك يعزز بشكل من الأشكال من المركزية التي تدمر ولاء وإخلاص الصحفيين لصحفهم.

ومسألة الولاء والإخلاص هي المفقود الأكبر في الصحافة بسبب عدم اهتمام رؤساء التحرير بهذا الجانب، وذلك في حقيقة الأمر ما يضعفهم ويجهض أي أفكار لتطوير المؤسسات الصحفية والاحتفاظ بالصحفيين سواء متفرغين أو متعاونين، كل بحسب قدراته واستعداده، ولعل القوام الرئيسي للصحف السعودية من الصحفيين المتعاونين، وذلك ما يجعلها أشبه بصحافة quot;التيك أويquot;، وأتمنى أن أكون مخطئة في أنه ما من صحافة في منطقتنا تعتمد على المتعاونين بهذا المنهج في التوظيف مثل الصحافة السعودية، ورؤساء التحرير كأنما يرغبون في هذا الوضع لأنه يحللهم من أي التزامات وعقود، ولكن رغم عدم أخلاقية هذا المنهج إلا أن الأسوأ هو التعامل مع الصحفيات عموما والمتعاونات خصوصا بمزيد من التحلل من أي التزامات، وذلك ما أوجد حزمة أوجه لمعاناتهن طرحتها سابقا في ورقة قدمتها لوزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة، ولم أر أو أسمع ردا شافيا، وهي رصد لأوجه معاناة الصحفية السعودية معظمها ناتجة من سلبية رؤساء التحرير وتشمل:
- عدم الاعتراف الواضح بقيمة الدور المهني للصحافية السعودية سواء من المؤسسات الصحفية التي يعملن بها أو الجهات الرسمية وذلك بسبب التأثير الاجتماعي السلبي الذي ينظر للمرأة بانتقاص.
- انخفاض الرواتب، فيما يعاني كثير من الصحافيين والصحافيات من هضم حقوقهم وخضوعهم بشكل أو بأخر لمزاجية مدير القسم الذي من الممكن أن يعرقل عملية النشر لأحدهم ويقوم بتكثيف النشر لأخر من باب المحاباة، مما يؤدي أحيانا لاستغلال بعض مدراء الأقسام للمرأة بشكل واضح خاصة التي لا تملك عملا ثابتا.
- صعوبة الحصول على وظيفة دائمة في ظل اعتماد أغلبية الصحف على المهنيين المستقلين وغير المتفرغين.
- عدم الحصول على عقد عمل لكامل الوقت، وعدم تسلم الأجور في المواعيد المحددة، الى جانب العمل بدون أية فوائد صحية.
- غياب الحماية وعدم الشعور بالاطمئنان حال الشكوى لوزارة الثقافة والإعلام أو هيئة الصحفيين السعوديين أو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال.
- غياب التدريب وانعدام نفقات النقل أو مخصصاته الضئيلة التي تمنح للصحافية.
- التخلي عن كثير من المتعاونين بدون سابق إنذار مما يشكل خطر كبير على الصحافي أو الصحافية.

- لا تمنح الصحف الصحافي أو الصحافية شهادة خبرة حتى لو عمل بها ثلاث أو أربع سنوات مما يعوق ويعرقل مسيرتهما، خاصة الصحافيات، في عملية التدرج الوظيفي في مجال الصحافة وبالتالي حرمانهما من حق مكتسب يؤكد ممارستهما المهنة في مؤسسة صحفية.
وقد طرحت عددا من الحلول والمعالجات والتي آمل أن تجد يوما ما من يعمل على تسويتها واعتمادها حتى يستقيم ظل الصحافة السعودية:
- توفير نظام حماية للصحافية تحت أي صيغة عمل لها بالصحف (متفرغة ndash; متعاونة ndash; القطعة).
- وضع لوائح عامة لنظام عملها وعلاقاتها بمديريها.
- تحديد حدود دنيا وسلم راتبي لعملها في الصحف، وتأهيلها للعمل بصورة دائمة.
- العمل وفقا لعقود عمل واضحة وملزمة.
- العناية بمجال التدريب وتأهيل الصحافيات.
- توفير كافة الامتيازات التي يحصل عليها زملاؤها الصحافيون من بدلات وامتيازات صحية.
، وبحسب الواقع فإننا بحاجة لمقاربات موضوعية تصحح الوضع الحالي لأنه ليس بخير مطلقا.

إعلامية سعودية*