الفرقاء المعنيون بالسياسة العراقية من العرب والأكراد لايمتلكون أرادة القرار عراقيا ويقامرون بمستقبل حضارة وادي الرافدين في عواصم دول القرار.هذه حقيقة تتناقلها مصادر عراقية وأجنبية ومؤسسات البحث الأقليمية العديدة نتيجة الأشكالات التي يخلقها لأنفسهم بأنفسهم أصحاب الكلمة السياسية والدينية والقومية داخل المؤسسات العراقية. القرارات المُعلقة التنفيذ، خارج أرض العراق وتهم مصالح دول أجنبية قبل مصلحة العراق، تخرج عن أرادة الناخبين والمنتخبين. ويلوم الفرقاء المعنيون المنتخبون بعضهم بعضاً ويجدون في التدخل الأقليمي والدولي على أنه نوع من (الأرشاد والأستشارة ) مرة، ثم يناقضون أنفسهم مرة ويعتبرونه نوعاً من (الضغوط الخارجية)، وهي التسميات المفضلة لديهم دبلوماسياً مع أن تعريتها تعني ( الخنوع الكلي) الى أرادة تصدر من الخارج. وماينسب الى عبارة (الضغوط الخارجية) تحتاج الى تفسير موضوعي ودقة لفهم الغرض من شيوع أستعمالها بين القيادات العراقية الماسكة للسلطة.

من الغرابة أن مشاركة الجموع العراقية في الأنتخابات العامة يمثلها الفرقاء المنتخبون دون الألتزام بأبسط المسؤوليات التي منحها الدستور لألية وكيفية ممارسة السلطة عراقياً، ولتكون مسؤولية تنفيذ القرار على المستوى (العسكري والمدني) مخولة ضمناً وعملاً في بغداد العاصمة الأتحادية وليس في عواصم دول تحتضن صيغ القرارات وتُقرر تنفيذها من عدمه.

فعندما يصبح الدستور شعارات تترجم نصوصه رغبات أدارات ألأقاليم وتصوراتهم وبأهواء المستشارين الطارئين على البلد، تفقد قرارات الدولة قيمتها، وحتى القضايا التي تخص أصلاً مسؤولية عراقية مئة في المئة ومنحها الدستور نصاً وروحاً (القوات المسلحة العراقية، ألأختصاصات الممنوحة للأقاليم، علاقات العراق التجارية والمالية والأتفاقات الخارجية ) تصبح في أيدي خارجية وتتدخل بها الأدارات الأجنبية ويتحدث عنها بكل حرية الجنرال أودينيرو وزعماء المنطقة ويرحب بها الفرقاء العراقيون وممثليهم من النواب دون ممانعة ويطلقون عليها تعابير مطاطة تجافي حقيقة الألتزامات التي تُتخذ في عواصم القرار الأجنبية. يبدو أن العبارات الخجولة التي يُطلق عليها quot; ضغوط أقليمية وضغوط دولية quot; مستحبة من الكتل الفائزة في الأنتخابات التي لم يعد في مقدورها تشكيل حكومة أئتلافية نظراً ( لأنفلات ) النظام الدستوري والطعن بنصوصه وضعف ترجمة الأرادة الوطنية وعدم فهم الحقوق الدستورية والتلاعب بالتخويل الذي منحه الشعب للفرقاء المعنيين الذين خاضوا الأنتخابات التشريعية العامة وقدموا الوعود الوطنية بسخاء لايتجاوز في قيمته quot; تطييب الخواطرquot; أن صح التعبير.

الفرقاء المعنيون ليسوا رجال دولة قيادة حديثة في عصر تكنوقراطي حديث ومعقد يتحرك بقدرة وذكاء ومصلحة، وأنما للأسف المحزن تقوم خبرتهم على ما تعودوا عليه منذ عهود المعارضة من عقد أتفاقات مصلحية واهية وأنية ونضال سياسي تجاوز زمنه. ولعل أزمة الطاقة الكهربائية المزمنة دليل مبسط يستدل منه أنه بعد أكثر من ست سنوات يعيش العراق في ظلام حضاري. لايمكن لأمة أن تنهظ بثقة بألتماس تنفيذ مشاريع وبرامج هوائية ليس لها صيغ القدرة على بناء عراق حديث ومتمكن أذا أستمر ألتماس القرار من الخارج.

الأنتخابات الوطنية الحرة لم تتبعها أرادة حرة تمثل الطبقات الشعبية التي ضلت تدعوهم في كل بادرة وأشارة الى تسلم مسؤولية البلاد وأدارتها أمنياً وعسكريأ وسياسياً وصناعياً وقيادته الى مستقبل يطمح اليه الشعب عامةً.

وبغياب الأرادة العراقية فأن القوى التي تتحكم في القرار العراقي وتشارك فيه عملياً (دون أنتخاب أو تخويل من شعب العراق ) هي قوى الخلاف العربي ndash; الكردي والخارطة العربية، الأسلامية والأجنبية. ويتوزع المشاركون في القرار العراقي مابين أروقة الأمم المتحدة،الجامعة العربية، سفراء وممثلو الدول والهيئات الدبلوماسية، شركات أجنبية للنفط، لجان التفاوض والتنسيق والأستشارة الأجنبية وشركات الحماية ومكاتبها في الداخل الخارج.
فمن هو الرقيب على رعاية مصالح العراق و تنفيذ أرادة شعبه؟
سؤال قد تكون الأجابة عليه مخيبةً للأمال أِن لم تضف الأجابة صدمة أنهيارية جديدة لعموم شعب العراق. وقد يكون جزءاً منها، الحقيقة المرة بأن نجاح أي حكومة أئتلافية قادمة لن يغيرَ من طبيعة ماهوقائم. فصيغ القرار تُتَخذ في عواصم القرار وعمل الحكومة العراقية مفترض بأنه صادر من مركز القرار بغداد هو في حقيقته عمل شكلي في قيمتهِ وضاهرهِ.

بكلمة أخرى، أن المشكلة العراقية لن تنتهي بتشكيل الحكومة أو بتشكيل quot;مجلس تنسيقي للسياسة الوطنية الاستراتيجيةquot;، فالفرقاء المعنيون الذين يمرون بأختناقات في تفسيرهم للدستور يعرفون ذلك ويفهمون أن أدوارهم تحولت بدورها الى ترجمة نصوص دستورية كشعارات ومطاليب كتل لها صبغة سياسية واحدة وتخضع لأهواء شخصية وأستشارات أجنبية، وتتملكها أفكار عامة تُطرح لغرض الأختلاف مع المشارك في العملية السياسية ومجاهرتهم بالمواقف السياسية الصلبة. كما أن حقيقة كونهم يفتقرون أدارياً الى خبرة التكنوقراط ورجال الأعمال في قطاعات الصناعة، الزراعة، التعليم، الصحة العامة، التجارة، والتنمية الأقتصادية، يُحيل العراق الى ساحة قتال سياسي غير مثمر.
لاينبغي أن أنتقص من قيمة الذين قارعوا النظام الأجرامي السابق وضحوا بأباهم وأبنائهم وممتلكاتهم، ومزق نظام البعث شملهم وأضعف قوتهم وأرادتهم الذاتية، ولكن الصورة القاتمة التي حاولنا أزالتها الى الأبد مازالت قائمة وتستدعي النقد والمراجعة وتصحيح المسار.

وفي نقدي هذا لا أُشارك في ترضية الخواطرأو التعاطف مع كتلة سياسية دينية أو علمانية.فالفرقاء المعنيون لهم أفكارهم الخاصة بهم ووسائل أعلامهم التي تكتبُ عن فيض، لهم وعنهم، وما يهمني أن أُبين هو أن الخنوع والخضوع الى عواصم القرار وعدم التفريق بين الأرادة الوطنية والأرادة الدولية تعود الى (ماضي عمل سياسي رتيب) مارسته معظم كتل المعارضة التي كانت شكلاً وهيكلاً وتنظيماً خاضعة الى أرادة دول أجنبية ودول الجوارالتي ألتجأت أليها أيام النضال الوطني للأطاحة بنظام صدام حسين. ولكن تلك المرحلة أنتهت، فلماذا يستمر الفرقاء في أعمال ( ترضية الخواطر) والخضوع والتسليم لأستشارات من لايمتلكون السلطة السياسية ولايمسكون بها. ولماذا يستمر هذا الترخيص للدول للتدخل في كل شاردة وواردة تخص القرار الوطني والحصول على ( الوعود المؤجلة) لنجاح التجربة الديمقراطية.

القلة القليلة تُدرك أن الأرادة العراقية هي بيد الدولة صاحبة الشأن والنفوذ والسيادة. ذلك أِن أرادوا تركيزها أو أختاروا لها أن تكون بيدهم دون خوف أو وجن. ومعظمنا أو (لنقل معظم الناس مثلي) على وعي وأدراك بأن الغرض من كتابة مواد الدستور والغرض من أجراء أتخابات حرة كل أربع سنوات هي لأعطاء الصيغة الفعلية والحس الوطني لقرارات تصدر من الداخل وتعطي أحقية أختيار نُخب برلمانية لتمثيل الشعب و لاتنص أطلاقاً على منح أرادة الدولة الى أرادة رئيس دولة أجنبية، قائد أجنبي أو قرار سفير يمثل بلده.

الدستور لايُفوِض تسليم أرادة الدولة وقراراتها الى دولة خارجية أوالرضوخ لها عند أتخاذها.
فمتى ستبدأ مرحلة الارادة العراقية والأخذ بها من عاصمة القرار في بغداد ؟

باحث سياسي وأستاذ جامعي سابق