غادرنا ابو يارا الى الابد. رحل غازي القصيبي الوزير والسياسي والاداري الشاعر المثقف بعد ان علمنا جميعا دروسا لن ننساها.
كتلميذ لغازي القصيبي الذي ودعنا قبل يومين دون ان اشاهده لمرة واحدة في حياتي على الطبيعة او حتى ان اهاتفه تلفونيا، كتلميذ بدأ الدرس الاول المهم في حياتي عندما كتب عدة مقالات في الشرق الاوسط بعنوان في عيون العاصفة تصدى بها للاعلام العربي في بعض الدول العربية التي ساندت النظام العراقي السابق في احتلاله للكويت. وبعيدا عن بعض الماخذ التي راها البعض عن مقالاته الاستفزازية احيانا الا انه والحق يقال كون قاعدة شعبية خليجية سعودية على عدة مسارات اولها انه اكد ان الخليجي وخاصة السعودي لديه القدرة الكافية لمقارعة اي قلم اخر حتى من يسبقه بعقود من الثقافة والتعليم والمعرفة، ثانيا وهو الاهم انه كرس مفهوم الانتماء للوطن وخاصة بكلماته الشعرية التي صاغها بانامله الرشيقة وغناها فناننا الكبير محمد عبده مثل (نحن الحجاز ونحن نجد) وفتح اعين الشباب الصغير على مفهوم الوطن الكبير الواحد دون اي طائفية او مناطقية او اقليمية في مواجهة اي عدو اخر. وثالثها هو ان افكارك لا يجب ان تتعارض ومصلحة الوطن فمهما كانت هناك اخطاء الا ان الخطر يجعلك تنسى الخلافات والضغائن وتنطوي تحت راية واحدة. وغازي السياسي طبقها تماما عندما اصبح بعدها سفيرا والتقى باعداء الامس بعدة مناسبات وكأن شيئا لم يكن.

وبعدها بسنوات بدا الدرس الثاني اثناء مقابلة معه في قناة بريطانية وقد حاوره مذيع مشهور وتحول الحوار اثناءها فاصبح القصيبي هو الذي يحاور وحشر مستضيفه في زاوية ضيقة ليبين بعدها الفرق بين السياسي المثقف وغير المثقف وامتدادا لذلك جرت حواراته الاخرى مع الاجانب او العرب او السعوديين فكل اونة ياتي بجديد.
وقبل ذلك كله وبعد ذلك كله قصائده التي اقصي على اثرها من وزارة الصحة في المرحلة الاولى ومن سفارة المملكة في بريطانيا في المرحلة الثانية التي تعبر جميعها عن شخصية استثنائية.

الدروس الاخرى جرت بشكل مغاير من خلال رواياته وبالذات شقة الحرية التي كانت بداية الروايات المعاصرة المكشوفة عن المجتمع السعودي حتى لو كانت احداثها تجري في مصر ثم العصفورية التي وصفت من اكثر من ناقد بانها نقلة حتى على المستوى العربي. ثم حياة في الادارة الذي لم اقراه بداية ظنا مني بانه يحمل نظريات في الادارة وفوجئت عند قراءتي بشيء مختلف وبمتعة من يشاهد فيلما مثيرا لا يغادره الا بعد المشهد الاخير.

اما دروسه الادارية الكبيرة فيكفيها الكهرباء وسابك والصحة سابقا ولا ازيد.
كاريزمية القصيبي لا تحتاج الى دليل ويكفي ان تسأل اعداءه قبل اصدقائه وقد اشتهر عنه انه لا يغضب من النقد الا ان كان شخصيا واحيلكم الى انتقاد قديم له من المبدعة الدكتورة لطيفة الشعلان في مجلة المجلة (اعاد الله قلمها) تقبله بصدر رحب وعندما خرجت من المجلة كان من الساعين الى عودتها مرة اخرى انذاك ولعل الدكتورة ادرى مني بالتفاصيل.
وبعيدا عن مايقال اننا لا نكتب عن محاسن قومنا الا بعد رحيلهم فقد كتبت عنه اكثر من اربعة مقالات احدها مقال عنه هو( نادي حساد القصيبي) عندما هاجمه البعض بعد كتابه حياة في الادارة وهو ما يثير العجب خاصة ان الكتاب قد صدر بعدة طبعات وكلها تنفذ. والمقال الثاني بعد حواره في القناة البريطانية والثالث عند ترشيحه لليونسكو بعنوان (مبروك لليونسكو) والرابع بعد ان تناوشته عدة اقلام عربية مستنكرة ترشيحه لليونسكو وهو من الامور التي ضايقت الراحل وكأن ليس للخليجي الحق في الترشح للشؤون الثقافية.
غازي في حياته جمع الكثير وبعد مماته وحد جميع الاصوات رثاء له الا من في قلوبهم مرض.
وداعا ابا يارا والعزاء ليس في عائلته فقط بل لنا جميعا.

كاتب سعودي
[email protected]