القوافل الليلية للقوات القتالية الأمريكية المغادرة للعراق الى قواعد في الكويت تمت في صمت وسرية قبل موعدها المحدد. كانت ليلة 18 آب مهمة للأدارة الأمريكية والعراقية والليلة الصاخبة الأخيرة لأتمام أنسحاب آخر القطعات الأمريكية ( اللوء القتالي الثقيل التابع لفرقة المشاة الثانية
4th Stryker Brigade، 2nd Infantry Divisionth)، كما كانت ترجمة القيادة الأمريكية في مغزاها العام بأنها المرحلة المريحة لأنهاء الوجود العسكري التي لقيت ترحيباً شعبياً في العراق والولايات المتحدة وحملتْ طياتها الخفية العلاقة الأستراتيجية الجديدة التي نفذت أجزاء منها الدولة الغازية منذ عام 2003، وتنفيذ تسليم أدارة البلاد الى الأرادة العراقية الواهية لفرقاء السياسة العراقية بعد 7 سنوات من أعمال العنف والأرهاب والفوضى.

الفصل الجديد في العلاقة العراقية ndash; الأمريكية يأخذ في الأعتبار( من وجهة النظر الأمريكية) تقليل الوجود العسكري الذي كان قد وصل ذروته بوجود 160 ألف جندي في السنوات الماضية وتخفيض العدد وفق أستراتيجية الأحتفاظ ب 50 ألف عسكري. والفصل الجديد في تقديري هو أكثر الفصول تعقيداً بالنسبة الى التمييز بين( رحيل القوات القتالية) و(أنهاء الأعمال القتالية ) الأمريكية وتتدارسه الأطراف على هواها وتُفسَر معانيها المضطربة في عواصم القرار المختلفة على فهم الدور التكتيكي الجديد لتدريب ومساعدة وأعداد القوات العراقية فنياً وتكنولوجياً وفهم الدور الأستراتيجي البعيد المدى.

وتحديداً، الفصل الجديد للعلاقة سيعتمد الى حد كبير على الخبرة المدنية وماتؤهله وزارة الخارجية من موظفين قد يتجاوز عددهم 7 ألاف موظف وخبير، وغرضه التقليل من سيطرة وزارة الدفاع الأمريكية وما تركته من روائح نتنة لفضائح مالية وأرهاب الشركات الأمنية (بلاك ووتر) وغيرها الذي كان قد سادَ عهد الرئيس جورج بوش بأخضاع العراق الى سياسة أستشارة الصقور في الأدارات الأمريكية التي أثبتت خطأها وفشلها وتزويرها للحقائق بمشاركة عراقية وأدت الى زيادة فعاليات منظمات الأرهاب والعنف. الحرب التي أستمرت 7 سنوات بتكاليفها التي قُدرت مابين 900 بليون الى ترليون دولار أضافة الى الضحايا الأنسانية التي لاتُقدر بثمن تدرسهُ الأدارة الأمريكية بدقة وتسوقه أعلامياً بأن العراق وأمريكا قد دخلا فصلاً جديداً.

وماتم معرفته عن الفصل الجديد ( الى الآن ) هو أن الدور الأستراتيجي للعلاقة سيشمل تنسيق وتحديد دور القوة الجوية الأمريكية وبقاء الطيارين الأمركيين في قواعد جوية عراقية لحماية الفضاء الجوي بطائرات ف ndash; 16 المُحسنة وطائرات الأستطلاع وجمع الصور الجوية ومراقبة الحدود الدولية.

وينظر المحللون العسكريون والسياسيون بمزيد من الترقب والتحليل لمغزى تزامن الأسراع بالأنسحاب مع تسليم السفير الاميركي الجديد في العراق جيمس جيفري أوراق أعتماده ومهامه الجديدة في بغداد الى الرئيس العراقي جلال الطالباني. والأمريكيون يعشقون تضخيم صور النجاح ويعشقون المفاجأت والسرعة التي تُعزز من معنويات وثقة قواتهم المسلحة وقدراتها.

ومع أن الحرب لم تحقق ماكان يرغب فيه العراقيون والأمريكيون وأصابهم الأحباط واليأس، ومضغ الطرفين مرارة الضحايا والفشل العسكري والسياسي والأحباط للعملية الديمقراطية التي شارك فيه المشاركون عراقياً وقطرياً من الذين ركبوا موجة تحرير العراق من الدكتاتورية، فأن كلمة الأنتصار العسكري لن يدخل أكاديميات المعاهد العسكرية، لأن الحرب لم تحقق أي نجاح لأي دولة سوى النجاح الذي حققته لأسرائيل وأهدافها الخفية بأستخدام الجندي الأمريكي للقتال بدلاً من الجندي الأسرائيلي.
ولعل أهم بادرة، آمل من القيادات السياسية العراقية في فهم أهمية تنفيذها، هي أخذ ما قاله السفير الأمريكي وحثه على ترجمة ( تحويل العلاقات العسكرية الى علمية وثقافية وتكنولوجية ) بين البلدين الى عمل حقيقي مثمر.

فمثلاً، هل سيبادر العراق الى تقديم مشروع توقيع اتفاق يسمح ببيع الولايات المتحدة تجهيزات نووية مدنية للعراق مماثل للأتفاق النووي مع تركيا؟ وهل لديه أرادة القرار لتحميل السفير مسؤولية رفع الاتفاق الى الأدارة الأمريكية وشخصيات الكونغرس للموافقة عليه بعد ان تتخذ جميع الاجراءات لضمان عدم نشر الاسلحة النووية؟ في رأيي، أن الأطار الكامل للتعاون هي أدراج قوائم المصالح والأستفادة من الخبرة والعلم الذي يملكه طرف ويتجاوز الدراسة والتشاور الى مرحلة حيوية زمنية للتنفيذ وتتحكم فيه خدمة الطرف الأخر، وهي بالتأكيد طاقات العراق في هذه الحالة.


باحث سياسي وأستاذ جامعي