في الحديث السابق ألقينا نظرة على مؤامرة 6 7 ايار وكيفية طرد المواطنين اليونانيين من تركيا. الدولة السرية بدأت منذ فترة بتدبير مؤامرة مشابهة بهدف طرد الكرد من الغرب التركي. تهجيراليونانيين كان أمراً سهلاً وذلك بسبب كثافتهم في مدينتين أي استانبول وإزمير، وكذلك الحجم القليل للسكان مقارنةً بالكرد الذين باتوا يتواجدون في كل أنحاء تركيا مع إستثناء منطقة البحرالأسود وأواسط الاناضول الفقيرة نسبياً. إشعال مثل تلك الفتنة ضد الكرد ستكون الشرارة التي ستشعل حرباً اهلية بين الكرد والترك وستؤدي الى تقسيم تركيا دونما شك. الفتن التي ظهرت في عدة مدن تركية (دورت يول وايناغول و.....الخ) في الشهرين الأخيرين لم تنجح في الايقاع بين الترك والكرد بالرغم من الإعداد الدقيق لها. التحقيقات تشير الى ضلوع الحزب القومي التركي وقيادة الجندرمة (منظمة جيتم التابعة للدولة السرية) في حوادث مدينة (دورت يول) التابعة للواء الاسكندرون. أسباب عدم نجاح التآمرحالياً تكمن في الاساس في أن المواطنين الكرد والترك باتوا يعرفون جيداُ الدورالذي تلعبه الدولة السرية وأهدافها من إشعال الفتن والمؤامرات والتي لم تعد تنطلي على أحد. التشبث في الإستمراربالتآمر يرجع الى أن الأرض صارت تزلزل من تحت أقدام الدولة السرية، ولم يبق أمامها إلا إشعال حرب أهلية ليسود البلد الفوضى والفلتان الأمني ومن ثم الإنقضاض على السلطة كعادتها منذ عقود للحفاظ على مواقعها للإستمرارفي السيطرة على الدولة والحكومات والتي إستمرت مدة تسعين عاماً. لنعد الى موضوعنا الرئيسي وهو التوازن السكاني الجديد على أرض الواقع في تركيا. إلقاء مزيد من الضوء على التغييرات السكانية في اوروبا وقراءة المستقبل من خلالها سيسهل علينا معرفة الإختلال السكاني لصالح الكرد في تركيا. في بحث نشرته صحيفة (سفينسكا داغ بلاديت) السويدية والعائد الى عام 2008 تبين أن متوسط درجة الإنجاب في اوروبا هي حوالي 1،5%. هذا يعني هبوطاً لعدد السكان بنسبة 25% لكل جيل قادم. البحث يشير أيضاً الى أن بعض الدول تسيرعلى طريق الإنقراض مثل بولونيا وبلغاريا والجزء الشرقي من المانيا الحالية واسبانيا وجنوب ايطاليا. نسبة عدد السكان الذين هم فوق سن 65 في دول اوربا هي 17% حالياً وهذه النسبة سترتفع الى 30% في عام 2060. أما نسبة الذين هم في سن 80 فإنها سترتفع من 4،4% الى 12% (ثلاثة أضعاف تقريباً) في نفس الفترة الزمنية الآنفة الذكر. هذا يعني زيادة هائلة في الوفيات بالنسبة الى الولادات وهبوط كبيرفي عدد السكان في منتصف القرن الحالي. التقديرات تقول أن عدد سكان اسبانيا البالغ عددهم اليوم 46 مليوناً سيهبط الى 12 مليون نسمة عام 2100. الدول التي هي في وضع أفضل هي السويد وسويسرا وايسلندا حيث أن درجة الإنجاب فيها يصل الى 1،9%. إذا علمنا أن إختلال التوازن السكاني في تركيا لصالح الكرد قد مضى عليه تسعين سنة،عندها يكون من السهل معرفة هذه الزيادة الهائلة للكرد والتي أتينا على ذكرها في بداية هذه المقالات. محاولة إعادة التوازن السكاني الى ما كان عليه سابقا يحتاج الى قرن من الزمن على الاقل، ويبدو من شبه المستحيل أن تُقدِمْ الأجيال الشابة الجديدة على زيادة الإنجاب،بل العكس هو الصحيح. ليست هناك أية إحصائيات رسمية في تركيا حول تعداد الكرد ولكن يمكن الإدعاء بأن نسبتهم لا تقل عن 40%الى 50% من عدد سكان تركيا البالغ 75 مليون نسمة وذلك إستناداً على بعض الإستنتاجات المبنية على علم الإحصاء ودرجات الإنجاب التي ظهرت في بعض المصادر الرسمية للدولة كما ورد في الحلقات السابقة. لولا quot;إستيلاء الترك على الدولةquot; لما كانت الأمور قد وصلت الى ما هي عليه الآن من تأزم يهدد وجود الدولة منذ تأسيسها قبل 90 عاماً. إذن هل يعقل أن نبدل إستيلاءً بآخر والتنيجة أمام أعيننا؟. بعض الإستنتاجات من هذه الاحاديث يمكن إختصارها بما يلي: ـ الزيادة الكبيرة في عدد السكان الكرد وتوزعهم في كل أنحاء تركيا (في السنوات الخمسة عشرة الماضية هاجر 7،5 مليون كردي الى استانبول وحدها وقد جاء ذلك على لسان أحد ضيوف الصحفية الشهيرة نشة دوزل الكاتبة المعروفة بالمصداقية في جريدة طرف) يجعل من تقسيم تركيا أمراُ يكاد يكون مستحيلاً. التقسيم لم يعد مطلباً كردياً. ـ التقسيم سيكون أمراً حتمياً في حال عدم ايجاد حل شامل للقضية الكردية وهوquot;المساواة المطلقةquot; بين الترك والكرد آخذين بعين الإعتبارالتوازن السكاني الحقيقي. ـ حل القضية الكردية سيجعل من تركيا دولة مركزية في المنطقة ودولة كبرى من بين العشرة الأوائل على المستوى العالمي. ـ الحل المنشود سيسهل حل القضية الكردية في الأجزاء الأخرى لاسيما في سوريا حيث يعيش الأقارب من الدرجة الأولى على طرفي الحدود. ـ الإمتيازات التي حصل عليها الكرد في الغرب التركي الثري والمتطورهوأمر واقع وأية محاولة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء هي مؤامرة لإشعال حرب أهلية (واردات السياحة فقط في الغرب التركي بلغت 21 مليار دولار في العام الماضي). ـ تركيا لم تعد وطناً للترك وحدهم كما يدعي البعض، بل وطن للكرد أيضاً ولا بد من ايجاد صيغة للتعايش بالتوافق لبناء مستقبل مشرق ومرفه للأجال القادمة أساسه التفاهم والتطورفي نظام ديمقراطي برلماني حر. طبيب كردي سوري السويد
عبارة quot;إستيلاء الكرد على تركياquot; ليست من بنات أفكاري ولا أوافق عليها. أصحاب هذه البدعة هم القوميون العنصريون من بعض الاتراك ويهدفون منها زرع بذور الحقد والضغينة بين المواطنين الكرد والترك. هؤلاء لاتهمهم المبادئ الأخلاقية السامية لبني البشر ولا الشرائع التي تحفظ حقوق الإنسان حيث أعمتهم العنصرية والشوفينية.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات