quot;اللغة العربية الزامية في المدارس الإسرائيليةquot; هذا هو الخبر الذي أوردته بي بي سي العربية الثلاثاء 24 أغسطس والذي أشار إلى أن السلطات الاسرائيلية تعكف على تنفيذ مشروع جديد يجعل من الدراسات العربية مادة الزامية في المدارس الحكومية. وجاء تحت نفس العنوان أن هذا المشروع يهدف إلى تحويل اللغة إلى quot;جسر ثقافيquot; وترويج ثقافة السلام بين العرب واليهود. ونقلت صحيفة هاآرتز عن شلومو ألون رئيس شعبة التعليم العربي والإسلامي بوزارة التعليم قوله quot;دراسة اللغة العربية ستعزز التسامح وسترسل رسالة للقبول بالآخرquot;. وأضاف إن اسرائيل quot;تطمح إلى مساواة كاملة بشأن المواطنةquot;، مشيرا إلى أنهم لا يرغبون في نشوء صراعات بسبب quot;الهوية الثقافيةquot;.

فهل ينفي ها القرار صفة العنصرية عن الدولة اليهودية؟ وهل يدل هذا القرار على أن الإنسان اليهودي ليس عنصرياً؟ وهل تريد إسرائيل حقاً من وراء هذا القرار مصالح العرب والمسلمين؟ في الواقع أن الإجابة بكلمة لا لا لا هي أفضل إجابة على كل التساؤلات السابقة.. فبالصوت والصورة إسرائيل دولة عنصرية.. نعم عنصرية.. التاريخ القديم والحديث يشهد.. الأحداث الحالية تشهد.. والواقع المرير يشهد.. والكتب الدينية تشهد. إذن لماذا هذا القرار؟

الإجابة غاية في البساطة إنها استحقاقات الواقع، احتياجات الجغرافيا، ومتطلبات الزمن. إنها العنصرية الذكية التي تستطيع ببراعة أن تخفي قبحها أمام العالم أجمع لتظهر إسرائيل في أبهى صور الدول الحديثة التي تحترم حقوق مواطنيها بكل الأطياف الدينية والعرقية. إنها العنصرية الذكية الذي تحافظ على تفوق الإنسان اليهودي على العربي على الأقل من ناحية معرفته باللغات الإقليمية وثقافات المنطقة ويبقى المواطن العربي محدود الثقافة بينما يعرفون هم عنا أكثر مما نعرف نحن عنهم وعنا. هذا بالإضافة إلى أن تنفيذ هذا القرار يمكن أن يسهم بالفعل في وقاية المجتمع الإسرائيلي من أية احتقانات طائفية يمكن أن تحدثً. إن معرفة البعض بثقافات الكل ومعرفة الكل بثقافات الجزء من شأنه أن يساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة عندما يتطلب الأمر ذلك. إذن فالقرار في صالح إسرائيل الدولة أكثر منه في صالح العرب.

لكن ! ماذا عن العرب؟ بالصوت والصورة وكل المشاهد الأخرى التي ذكرتها فإن العرب عنصريون أيضا. هل لا توجد أية فروق بين العنصرية العربية والعنصرية الإسرائيلية؟ كلا.. فالعنصرية هي العنصرية بكل المواصفات والخصائص والتفاعلات التي يعرفها العلماء والبسطاء. غير أن هنالك صفة نوعية تميز العنصرية العربية عن الإسرائيلية.. فالعنصرية الإسرائيلية عنصرية ذكية بينما العنصرية العربية ليست كذلك.

فالعرب لا يريدون معرفة أي شيء عن الدولة اليهودية، لا اللغة، ولا التاريخ، ولا الجغرافيا، ولا الحالة العلمية، ولا المستويات الاقتصادية، ولا طريقة التفكير اليهودية فكل هذا ليس له أهمية تذكر لأنها دولة معتدية محتلة لأراضينا ومقدساتنا. العرب يمنعون ترجمة الروايات والكتب الإسرائيلية التي توضح كالميكروسكوب كل ما يحدث في عمق المجتمع الإسرائيلي.... خوفا على الشباب العربي من ثقافة الغرباء والأعداء. ماذا يريد العرب إذن؟ العرب يريدون تحرير فلسطين والأقصى!

لكن ! أليس من الحق والإنصاف أيضا أن نحمي شبابنا وأجيالنا من غزو الثقافة اليهودية حتى نسترد أراضينا المحتلة ومقدساتنا المغتصبة. نعم وبكل تأكيد.. غير أن هذا التفكير يجب إن يتصف بالذكاء بحيث لا يعطينا الحق في مصادرة حقوق شبابنا وأجيالنا في المعرفة بحجة حمايتهم لأننا بذلك نكون مثل القطة التي تأكل صغارها عندما تتهدد حياتهم الأخطار.. فتسلبهم الحياة بدلا من حمايتها !

لقد تعبنا من كثرة الكلام.. قال أحدهم وأضاف يا إخوتي ما بالكم تتحدثون عن حاجتنا إلى معرفة الثقافة واللغة اليهودية إذا كان العرب لا يريدون حتى معرفة ثقافات ولغات وعادات وأديان شعوبهم بكل طوائفها وعرقياتها ولغاتها القديمة. هل يعرف أبناء العروبة المجيدة شيئاً عن لغات شعوبهم مجرد معرفة، هل سمعوا شيئاً عن اللغة القبطية، السريانية، الأشورية، الكلدانية، الكوردية، الآرامية، وغيرها.. وهي كلها لغات حية في المنطقة العربية؟ هل يعرف العرب شيئا عن ثقافات وأديان وعادات هذه الأقليات الأصيلة المتجذرة بالمنطقة العربية منذ آلاف السنين قبل أن يظهر العرب وغيرهم. في الواقع أن العرب لا يرغبون في مجرد معرفة تراث الأشقاء فكيف تطلب منهم أن يعرفوا تراث الغرباء والأعداء؟

لن تقوم للعرب قائمة إن لم يتخلصوا من أحمال وأثقال العنصرية البغيضة التي انقضت ظهورنا. تلك العنصرية التي تميز بين الناس على أساس الجنس، أو اللون،أو الدين أو أي شيء آخر.. تلك العنصرية البغيضة غير الذكية التي تجعل الإنسان العربي يفضل عنصره على غيره من عناصر البشر ويتعصب له فتحرمه من التفكير السليم الذي يمكنه من وضع الخطط والبرامج العلمية المدروسة بعناية والتي تضمن وتحمي وتؤمن مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة.

العجيب والمدهش أننا نعرف أن أول كائن عنصري هو إبليس حيث جاء في القرآن الكريمquot; أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍquot;.فقد فضل الشيطان نفسه على الإنسان وفضل النار على الطين، ولم يرضى بحكم الله، واستعلى وتكبر، وجحد نعمة الله عليه، وعصى أمر الله سبحانه،.. وكل هذه الصفات البشعة هي صفات عنصرية بغيضة. فهل آن الأوان إن نبحث عن مصالح شعوبنا بصدق الواقع وحكمة التاريخ؟ لست أدري.

[email protected]