quot; الفَرس العربية الأصيلة لاتلد من الحِمار أِلا بغل عقيم quot;.
الحرب على ألارهاب ومكافحة زمره في العراق ستأخذ وقتاً طويلاً. والجهود العلنية والخفية للتعامل مع الأرهاب تَحتلُ حيزاً كبيراً من تفكير القيادات المدنية والعسكرية، حسب الجهة التي تتكلم معها والجهة التي تمثلها. أنها أسواق الحرب وتجارتها المربحة في دول الطوائف والسطوة. حرب سنية وشيعة، كردية وعربية للسيطرة على الرقعة الأرضية للعراق بتاريخه وحضارته رغم نفي بعض الاطراف المعنية من المشاركة الخفية فيها، والنفي القاطع بأن هناك قوى عديدة تخوضها بالنيابة عنهم، بأرشادهم وتوجيههم.

نسبة كبيرة من السياسين وأحزابهم وأعلامهم لم تكن بمنأى عن دائرة العنف وتمويلها وتغذيتها بالمعلومات للقيام بأعمال عنف ضد خصومهم للأيحاء لهم بأنهم مَن يمسك بالقرار ويتحكم به. ماتسمعه من القيادات العراقية المختلفة هو أقرارهم المؤسف بان الأجهزة الأمنية مخترقة من قبل عناصر دخيلة وتابعة لفلول قحطان أو زمر عدنان..... في نفس الوقت يناشدون المواطنين بإبداء التعاون الكامل مع الأجهزة الأمنية والدفاعية لكي يستتب الأمن !!!!!!! أنها أسواق الحرب وتجارتها المربحة في دول الطوائف والسطوة.
هذا مايحدثُ في الصومال مثلاً،هناك أسواق للحرب بالوكالة تمولها منظمات أرهابية للقاعدة بتوظيف الشباب بأجور، كمنظمة الشباب الصومالي للقيام بأعمال الخطف والسرقة والقرصنة البحرية وللقتال بالوكالة لأسقاط الحكومة الهزيلة المصطنعة أساساً.

وهناك محرضان رئيسيان لأفتعال وشن الحرب بالوكالة: أولهما الحاجة الى المال وثانيهما العقيدة والأيمان بهدف وشعار يستند، بهتاناً وكذباً، على القرآن الكريم ورسالته الخالدة، كما هي في الحالة العراقية، الصومالية، والسودانية، والأفغانية.

أما التحريض الخارجي المُنسَق مع جهات الداخل وأمتداده الى مؤسسات حكومية فيعود الى ضعف الأرادة الوطنية وأنعدام التحقيق الجنائي أو التغطية عليه ومنح الحصانة للمجرم وأسقاط الاجراءات القانونية للقصاص من القتلة، الأمر الذي جعل من أرض العراق ساحة عامة لأراقة الدماء بلا حساب. ومن الحالات الشاذة لأنعدام نهج القانون، المطالبات المتكررة، ممن يشغِلون مراكز في رئاسة الجمهورية وبعض نواب البرلمان، لأطلاق سراح السجناء القتلة واللصوص، وعلى نفس المنوال، مطالبات وضغوط مليشيات شيعية وسنية لأطلاق سراح قتلة ولصوص أرتكبوا أشنع الجرائم بحق المواطنين.

الحرب بالوكالة ليست مصطلحاً جديداً في السياسة. وقد مارسته قوى حكومية داخل الحكومة المنتخبة حتى في أعتى الدول الديمقراطية كالولايات المتحدة. فالحرب الخفية التي مازالت ماثلة للعيان، خاضتها (بالوكالة) وكالة المخابرات المركزية CIA في نيكاراغوا دون عِلم أدارة الرئيس ريغن، وتم على أثرها التحقيق وطرد المقدم أُوليفر نورث من وظيفته.

الضغائن المذهبية والمعتقدات الطائفية المُسيّرة لعقلية من في السلطة تُحرك الأحداث بشكل يتناقض مع مصالح العراق. أنها كالأنهار التي تفقد مجراها الطبيعي وما من مُصلِح، حيثُ تتداخل مفاهيم العمل الحقيقي لبناء العراق بعَقد الأمل على ماتستطيع عصابات الشوارع والمليشيات من تحقيقه بتجنيدها للعمل لجهات مختلفة في حرب خفية للبقاء، بعِلم من مجموعات عراقية.

سقوط النظام الدكتاتوري جعل الأرادة العراقية موزعة بين أحزاب قومية وطوائف مذهبية تمتلك السلاح وترعى العنف والأرهاب في دوامة فوضى التحرير، لفرض سيطرتها وهيمنتها على الحياة السياسية، ضف لذلك، أرادة خارجية أمريكية، وأرادة أخرى فرضت بصماتها بطرق الأرهاب المختلفة ( القاعدة، حزب البعث العشائري، ومليشيات وحركات شبه عسكرية). والمصابون بالعمى السياسي يدركون أن الحرب بالوكالة تحفظ لهم مكانتهم وسلطتهم زمنيأ حتى وأن لم تكن لهم الكفاءة العلمية والأِدارة لقيادة السفينة وتوجيهها الى شواطئ الأمان.

كما أن زيادة عدد أفراد القوات المسلحة الى 600 ألف جندي وتطوير الأجهزة الأمنية وتطوير جاهزيتها وكفاءاتها بالعُدَد وتكنولوجيا الصناعات العسكرية لن تُجلب الأمن والأستقرار مادام الفرقاء الشركاء في العملية السياسية غير موحدي الكلمة، عديمي الثقة بشركاءهم، والأهم، أنهم لم يبادروا لأيقاف الحرب الخفية الدائرة بينهم التي يخوضها وكلائهم نيابة عنهم. ومهما حاول الأنسان معرفة تكاليف الحرب الخفية، فأن تقديرات كلفتها لاتخضع لأرقام لأرتباطها بالفترة الزمنية المرافقة لها، وهو مايجعل العراق فقيراً رغم ثرواته النفطية والزراعية. لقد حاول وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد، أعطاء الكونجرس الأمريكي رقماً لا يتجاوز 60 بليون دولار عن تكاليف حرب تحرير العراق وكان مخطئاً في تقديره. فالتكاليف المالية الحالية وصلت الى 900 بليون دولار أو أكثر حسب التخمينات الأمريكية.

وبتحليل الحالة العراقية والحرب الدائرة في الخفاء بالوكالة يحتاج المرء لأستقراء تاريخ الحركات السياسية وتحليل سلسلة التخريب التي أستورثها قادة العراق، ومن ساهم فيه، وكيف لعبت الأموال والعقيدة في تفعيل الأحداث والتهيئة الشريرة للدمار الشامل الذي خلفته ورائها. الصدق والأمانة والأخلاص للوطن والتمسك بوحدته....هي مجرد أحاديث عراقية دائرة بين قوى سياسية غرضها، في أغلب الحالات، سد الطريق على بعضها البعض ويغلب عليها علل الأمراض السياسية والتخوف من مستقبل غامض لمراكزها، وتستبق الأحداث بتُوظِيف عُملاء الحرب في الخفاء (بالوكالة) تدعم عملياتهم الأرهابية بسرية.

هذا الأِستعداد المُرعب للتخفي وفنون التمويه، تجعل أِدانة الأرهاب أوالترحيب به عُملة واحدة بوجهين. ومن المُذهل النسبة الكبيرة المُشارِكة بالترحيب بأعمال العنف وتشجيع عملاء أنظمة أستبدادية شن عمليات الأرهاب ضد مواطني العراق في حرب الوكالة الخفية.
ويالها من مهزله و كارثة، تناقض تصريحات الترحيب بالقوات الأمريكية من جهة أو الدعوة لمحاربة القوات الأمريكية الغازية، فرئيس الجمهورية، الطالباني، كان قد صرح (بأن العراقيين لن ينسوا التضحيات التي قدمتها القوات الأميركية منذ أجل حرية بلدهم)، مقارنةً، بتصريحات الصدر ( أن الهدف من التصريحات الحكومية حول الحاجة للقوات الاميركية يراد منها الاستعانة بالمحتل ضد شعبهم المظلوم الذي يعاني من ارهاب المحتل وارهاب الدولة)... وقال أيضاً quot; إن الارهاب يحصد مئات الابرياء وبنادق الحكومة تحصد المتظاهرين والاحتلال يحصد النفوس وعزة العراق واستقلاله quot;. أليس هذه التناقضات وشذوذ التصريحات تؤدي الى تشويه توجهات الدولة نفسها، وتشويه علاقات العراق الدولية، وتشجيع غير مسؤول على تصعيد أعمال الأرهاب؟

الشذوذ والمرض السياسي جعلَ العراق حالياً بلا قيادة تقود، والمنافسة على القيادة لاتعني أعطاء الضوء الأخضر لقوى التخريب وتهريب ألأسلحة في حرب المتفجرات التي تنشط بين وكلاء ووكلاء لزعماء يمثلون قوى معارضة سابقة ويتم تغطيتها من قِبل قوى معارضة أخرى لتستمر أعمال حرب التخريب بالوكالة. هذه القيادات لاتتمتع بصفات القيادة بقدر ما تتمتع بصفات الكراهية والحقد الأعمى في شن الحرب على خصومهم بالوكالة، بشعارات تحرير العراق وتعميمها بين الصفوف. والتأكيد في وصف هذه القيادات بأنها لاتحمل صفات قيادية، حقيقة مؤسفة لِما يجري من تخريب بعلمها وأدراكها.

أن الحل يكمن بكل بساطة، في أجراء تحقيق مستقل بأرادة عراقية لكشف الوجوه المشاركة في حرب الوكالة وتعريتها، ولكن من له الجرأة على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة الأرادة والقرار في غياب حكومة يختلف على تشكيلها القاصي البعيد والداني القريب؟ لقد صح َّ التعبير quot;الفرس العربية الأصيلة لاتلد من حمار سوى بغل عقيم quot;.

ضياء الحكيم
باحث سياسي وأستاذ جامعي
[email protected]