ونحن في عز شهر رمضان، تزخر القنوات الفضائية بالعديد من المسلسلات التلفزيونية المصرية و السورية و الخليجية، ويبدو طابع التنافس غير العادي بين هذه المسلسلات واضح و جلي، مع الانتباه الى أن التنافس الحقيقي و الرئيسي ينحصر بين السوريين و المصريين، ولاسيما وان التألق السوري في تنويع المواضيع و إختيار زوايا مهمة و حساسة و ذکية للولوج في تلك المواضيع وکذلك ملاحظة الطريقة و الصيغة المتميزة في معالجة المشاکل و الازمات و طرح الحلول و الرٶى المناسبة للتصدي لها ناهيك عن التطور و التقدم المستمر الذي تشهده الدراما السورية من الجانب الفني و التقني بحيث باتت تستحوذ على قطاعات و شرائح کبيرة من الجماهير العربية التي کانت للأمس ملك صرف للدراما المصرية، کل ذلك جعلها غريما و ندا شرسا للدراما المصرية التي تعيش حاليا أزمة إختناق و تکاد أحيانا وفي العديد من الاعمال الدرامية ذات التسلسل الخشبي غير المقنع، أن تتنفس اصطناعيا خصوصا مع تلك المواضيع و المضامين التي ترکز على النجومية أکثر من ترکيزها على المادة الدرامية و التسلسل المنطقي للأحداث.

ولئن کان صعود الدراما السورية قد إرتکز أساسا على تراجع الدراما المصرية من ناحيتي الشکل و المضمون، فإن هذا الصعود لم يکن بتلك الصورة التي تمنحها بطاقة تٶهل للتربع على کرسي الريادة، وانما في الحقيقة حققت مايمکن وصفه بالقفزة المعجزة قياسا للوضع العام للدراما السورية من جهة، ومقارنة لها مع الدراما المصرية التي متلك أکبر تراث لها بين کل الدول العربية، لکن الدراما السورية وکإنعکاس لتداعيات و ظلال النظام السياسي القائم فيها والذي لايمنح الحيز المطلوب و الملائم للعمل الدرامي کي ينطلق في آفاق الابداع، ظل محصورا في أبعاد محددة و محکوم بتحرك محدود يصطدم دوما بخطوط حمراء تکبح من جماحها، في حين أن النظام السياسي في مصر مع مختلف المٶاخذات عليه يمکن إعتباره أفضل بکثير من نظيره السوري من حيث توفيره فضائات و مساحات أکبر للدراما المصرية للتحرك و الابداع، لکن المشکلة لاتکمن في الفضائات و المساحات تلك وانما في الکتاب و المخرجين المصريين أنفسهم الذين وبعد أن أتحفوا التلفزيون بأعمال خالدة نظير:( بنت الحتة، خماسية الساقية، ليالي الحلمية، زيزينيا)و أعمال أخرى کبيرة من هذا الوزن و النمط، قد بدأ أنتاجهم الفکري و الفني يتراجع و يتحدد بقوالب لم تعهدها الدراما المصرية، خصوصا تلك الاعمال الدرامية الهابطة التي أنتجتها رٶوس أموال بعض الفنانين و الفنانات(الراقصات)، والتي کانت من بين الاسباب التي أدت الى عزوف المشاهد العربي عن الدراما المصرية و عدم إستساغته لها.

غير أن الدراما السورية أيضا لم تسلم من تکرار نفسها و إجترار ذات المواضيع و الحبکات و الشخصيات و ترکيزها على الحارة الدمشقية بشکل ملفت للنظر، مما جعلها في بعض الاحيان تبدو وکأنها تريد أن تتهرب من التصدي للواقع الحالي و المعاصر و تدفن رأسها في ماضي يمنحها مجالا کبيرا کي تتحرك وفق ماتريد. وإذا ماکانت مسلسلة باب الحارة للأخوين الملا قد تمکنت من إکتساح مثيلاتها وفرضت موقع ريادي متميز لها، ونظرة سريعة للجزء الخامس من هذا المسلسل يبين لنا أن إفتعال الاحداث و تصنعها و حقن المسار الدرامي المتخلخل بقضايا و تطورات بالغة السذاجة و السطحية بحيث تکاد تکون فبرکة غير موفقة، بالاضافة الى الابراز القسري و الفوقي لشخصيات(نظير معتزquot;عقيد الحارة الجديدquot; الذي حمل ثقلا يفوق طاقته، او ابو حاتم الذي يحتل مساحة تتعدى حدود شخصيته التي لاتتحمل هي الاخرى البعد الجديد الممنوح لها بعد إختفاء شخصيات محورية مهمة من المسلسلة)، کل ذلك ساهم في المزيد من سحب البساط من تحت أقدام بسام الملا و المزيد من تقليص الزخم الجماهيري الذي کانت تتمتع به المسلسلة ولو استمر الملا على هذه الشاکلةquot;المزاجيةquot;في التعامل مع النص و شخصيات المسلسل فإنه ليس ببعيد أن يصبح جهده هذا مرادفا لتلك الاعمال الدرامية المصرية المملة التي عکرت و تعکر من مزاج و ذوق المشاهد العربي.

أن الاحداث التي يقحمها بسام الملا قسرا في هذا المسلسل الذي نال شهرة لم يحلم بها أبدا ولاسيما بعد إقصائه لأثنين من أهم الشخصيات التي منحت کل هذا المجد و الجماهيرية المنقطعة النظير لجهده، لن تنجح أبدا في سد الفراغ الدرامي الکبير جدا الذي ترکه غياب کل من الشخصيتين المحوريتين(أبو عصام)و(العقيد أبو شهاب)، بل وان إصراره على المضي قدما في إبعاد هاتين الشخصيتين لن تمنح الخط الدرامي لعمله سوى الاسفاف الواضح ولعل تلويح الملا لعودة محتملة لشخصية أبو عصام من خلال فبرکة درامية فجة، هو سعي حثيث لتلافي ذلك الاسفاف المحتمل جدا لعمله مستقبلا وان تثبيت و تقوية دعائم باب الحارة في ذهن المشاهد تتطلب منه قرارا شجاعا بإعادة العقيد أبو شهاب الى المسلسلة و منحه الدور الريادي الذي کان أهلا له عن جدارة وبدون ذلك فإن باب حارة الملا سينخلع من دون أدنى شك من ذهن و وجدان المشاهد العربي!