بعد وقت طويل، وانتظار وترقب عن كثب لتفاعلات المشهد السياسي، طرح الاكراد ورقتهم السياسية المتعلقة برؤيتهم لتشكيل الحكومة العراقية ومطاليبهم وشروطهم.
اشتملت الورقة على تسع عشرة نقطة بعضها مثلت مقترحات وبعضها مطاليب وبعضها شروط، من بينها:
1-الالتزام بالدستور وبنوده كافة وبدون انتقائية وحماية النظام الديمقراطي الاتحادي.
2- تشكيل حكومة شراكة وطنية تمثل المكونات العراقية الاساسية.
3- مبدأ الشراكة والمشاركة في القرار وذلك من خلال:
أ- تشكيل مجلس امن وطني من خلال تشريع يتم اقراره بالتزامن مع تشكيل الحكومة ب- تبني نظام داخلي لمجلس الوزراء يثبت مرجعية المجلس والقرار الجماعي وتوزيع الصلاحيات الادارية والمالية بين رئيس الوزراء ونوابه.
ج- مراعاة مبدأ التوافق.
4- تشكيل المجلس الاتحادي خلال السنة التقويمية الاولى من عمل مجلس النواب ولحين تشكيله يتمتع رئيس الجمهورية ونائبيه بحق النقض.
5- تعديل قانون الانتخابات بما يحقق التمثيل العادل للعراقيين.
6- اجراء التعداد السكاني في موعده.
7- اعادة النظر بهيكليات القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي واقرار مبدأ التوازن وتنفيذه.
8- تطبيق مبدأ التوازن في كل مؤسسات الدولة من وزارات وهيئات مستقلة..الخ.
9- تطبيق المادة 140 من الدستور وتوفير الميزانية المطلوبة لتنفيذه خلال سقف زمني لا يتجاوز السنتين.
10- المصادقة على مشروع قانون الموارد المائية خلال السنة التقومية الاولى من عمل مجلس النواب (حسب اخر مسودة متفق عليها).
11- المصادقة على مشروع قانون النفط والغاز خلال السنة التقويمية الاولى من عمل مجلس النواب (حسب اخر مسودة متفق عليها).
12- تمويل وتجهيز وتسليح حرس الاقليم (البيشمركة) كجزء من منظومة الدفاع الوطني العراقية.
13- تأييد مرشح ائتلاف الكتل الكردستانية لرئاسة الجمهورية.
14- تعويض ضحايا النظام السابق وبضمنهم ضحايا الانفال والحرب الكيماوية في حلبجة والمناطق الاخرى تعويضا سريعا وعادلا.
15- التمثيل الكردستاني في الوزارات السيادية ومجلس الوزراء والهيئات المستقلة وكافة مؤسسات الدولة بصورة عادلة ووفق الاستحقاق القومي.
16- ان يكون للجانب الكردستاني حق البت في مرشحي الوزارات السيادية والوزارات الاخرى ذات الصلة باقليم كردستان.
17- ان يكون الامين العام لمجلس الوزراء مرشحا من ائتلاف الكتل الكردستانية.
18- تعد الحكومة الائتلافية مستقيلة حال انسحاب الطرف الكردستاني بسبب خرق دستوري واضح او عدم تنفيذ البرامج المتفق عليها.
19- تلتزم كتلة رئيس الوزراء في البرلمان وفي مجلس الوزراء بمساندة المشاريع الانفة الذكر.
والخطورة التي تنطوي عليها الورقة الكردية تتمثل في انها تضمنت املاءات وشروط ومطاليب، تعطي للاكراد افضلية في ادارة شؤون البلاد وتوجيه السياسات العامة لها، ناهيك عن امتلاكهم القدرة على اقالة الحكومة متى ماشاءوا ذلك.
ويبدو ان الاكراد ارادوا ان يوجهوا رسالة واضحة جدا الى الفرقاء السياسيين المتنافسين على رئاسة الحكومة، مفادها انه ايا كان الذي سيتولى رئاسة الحكومة المقبلة عليه ان يضع في حساباته الاكراد ومطاليبهم اذا اراد ان ينجح في مهمته ولايصل الى طريق مسدود، والرسالة موجهة بدرجة اكبر الى القريبين من الاكراد، الذين لديهم فرصة لتولي رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، مثل رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي زعيم الكتلة التي حصلت على اكبر عدد من مقاعد البرلمان في انتخابات السابع من اذار-مارس الماضي، ونائب رئيس الجمهورية والقيادي في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عادل عبد المهدي.
ويمكن لمن يطالع ورقة ائتلاف الكتل الكردستانية بدقة وتأن ان يستنتج ان الاكراد يسعون للحصول على موارد اضافية خارج نطاق النسبة المقررة لهم، وهي 17% من مجموع الموازنة الاتحادية السنوية. وان يكون لديهم فيتو على اي اجراء او قرار لاينسجم مع توجهاتهم ومصالحهم، واكثر من ذلك يكون مصير الحكومة بأيديهم، كما تشير الى ذلك بوضوح النقطة 18 من الورقة، ولاتخرج رئاسة الجمهورية من حوزتهم.
ولعله كان من الطبيعي ان تقابل المطاليب والشروط الكردية بردود فعل سلبية، ليس من خصوم الاكراد فحسب بل حتى من حلفائهم في العملية السياسية كالمجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم، ويبدو انهم ادركوا سقف مطاليبهم المرتفع جدا والبعيد في جانب من عن الواقع، لذا حاولوا تهدئة المخاوف والتقليل من حدة ردود الفعل المثارة عبر القنوات الخاصة، وبعيدا عن صخب وضجيج وسائل الاعلام.
وربما يبدو للبعض ان ورقة العمل الكردية المطروحة تعكس قوة وتماسك الموقف الكردي، قياسا الى مواقف القوى السياسية الاخرى، لكن الصورة الكلية للواقع لاتوحي ولاتؤشر الى ذلك، بل ربما توحي وتؤشر الى العكس منه.
فالورقة المطروحة لاتعبر عن موقف موحد ورؤية كردية متكاملة وناضجة، لاكثر من سبب، ابرزها ان كتلة التغيير بزعامة القيادي السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني نوشيروان مصطفي(12مقعدا في البرلمان)، لم تتبنى كل ماجاء في الورقة، وهذا ماصرح به النائب عن الكتلة محمد كياني بقوله quot;ان تقديم الورقة للكتل السياسية كان غير صحيح، وكان من المفترض معرفة مطاليب الكتل الاخرى، وان تقديم الورقة الكردستانية للكتل اشبه بتقديم كتلة المعارضة للحكومةquot;.
والسبب الثاني ان هناك تباينا في مواقف الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بشأن رئيس الحكومة المقبلة، فبينما يدعم الاخير تولي رئيس القائمة العراقية اياد علاوي لهذا المنصب، يدعم حزب الطالباني بقاء رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في المنصب.
وهذا التباين في الموقف هو في الواقع واحدا من سلسلة طويلة من الاختلافات بين الخصمين التقليديين، التي يطفو جزء منها على السطح، ويبقى الجزء الاكبر تحته، ومعادلات تقاسم السلطة والنفوذ والمناصب والامتيازات بين الاطراف الكردية الرئيسية على قدر كبير من الحساسية والقلق، بحيث ان متغيرا بسيطا يمكن ان يأتي عليها بالكامل، فعلى سبيل المثال الاصرار على تولي الطالباني ولاية ثانية لمنصب رئاسة الجمهورية ينبع من قناعة تامة بأن عدم بقائه في هذا المنصب يربك الوضع السياسي في الاقليم ويحتم اعادة النظر في قضية رئاسة البارزاني، اضف الى ذلك فأن تقدم الطالباني في السن واوضاعه الصحية المضطربة تشكل عامل قلق حقيقي كامن في النفوس، يتجنب كل طرف التطرق اليه ولو من بعيد لانه يمكن ان يفتح الباب واسعا لجدل وسجال قد لاينتهي الى نتائج محمودة العواقب.
ويكفي للتأكيد على حساسية الوضع السياسي الكردي الاشارة الى ان تولي برهم صالح رئاسة حكومة الاقليم قبل بضعة شهور بدلا من نيجرفان البارزاني ابن شقيق مسعود البارزاني وفق التوافقات والاتفاقات بين الوطني والديمقراطي، اوجد نوعا من الارتباك، ارتبط بهوية من يخلف صالح في منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة الاتحادية، ولكي تبقى المعادلات على ماهي عليه، اوكل المنصب لقيادي من حزب البارزاني هو روز نوري شاويس.
والقادة الاكراد يحاولون دائما تبني مواقف موحدة ومتماسكة خارج حدود الاقليم، للتغطية على الضعف والتشتت والتقاطع في المواقف الداخلية. وهذا الامر نجحوا فيه الى حد كبير، بيد ان حدوث انشقاقات في داخل الاتحاد الوطني الكردستاني وظهور حركة التغيير خلط الاوراق، ورتب استحقاقات وتبعات جديدة، مضافا الى ذلك ان القوى الكردية لاتمتلك كتلة برلمانية عددية يمكنها حسم الامور تحت قبة البرلمان لصالحها، وهي تعمل بأستمرار على استثمار وتوظيف ثقلها السياسي على الارض لكي تكون رقما فاعلا وصعبا وتحقق جزء غير قليل مما تريد وتطمح.
*كاتب وصحافي عراقي
التعليقات