مساء الثلاثاء 31 أغسطس (آب) وصل إلى مرافقي بنيامين نتنياهو النبأ السار بينما كانت طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي تحط في واشنطن، سارع المرافقون لنقل النبأ إلى نتنياهو: quot;حماس قدمت لك هدية جديدة، قتلت أربعة مستوطنين بالقرب من مدينة الخليل في الضفة الغربيةquot;، وبالتأكيد فرح نتنياهو بهذه الهدية، ومن وجهة نظره فأن الذرائع باتت جاهزة لإعلان فشل المفاوضات المباشرة قبل إنطلاقها ويمكن تحميل الفلسطينيين مسؤوليتها بشكل مباشر.

وتدرك حركة حماس، أن إسرائيل تفرح كثيرا عند وقوع عمليات ضد إسرائيليين، وكثيرا ما كانت تل أبيب تعلن تجميد المفاوضات مع كل جديدة تقع، بينما تبدأ قوات الاحتلال بعمليات اجتياح واستباحة للمدن الفلسطينية بذريعة محاربة quot;العنفquot;، وفي الحقيقة ما يحدث هو قتل وخراب وتدمير للبنى التحية.

وأعلنت حركة حماس بشكل رسمي على لسان مشير المصري أحد قادة الحركة، أن عملية الخليل هي الرد المناسب على انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية الولايات المتحدة الأميركية، وفي ذلك رسالة واضحة من حركة حماس أنها تريد إفشال المفاوضات بأي طريقة، ولا تريد التوصل لاتفاق سلام ينهي الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.

بالعودة قليلا إلى الوراء هددت حركة حماس بـquot;رد مؤلمquot; على اغتيال قادتها خلال الحرب على قطاع غزة، ومنهم وزير داخليتها في الحكومة المقالة سعيد صيام، وكذلك القيادي في الحركة نزار ريان، ومضت الأيام وذهبت تلك التهديدات أدراج الرياح، بينما هددت في الأيام الماضية وعلى لسان القيادي في الحركة خليل الحية باللجوء إلى العمل العسكري مجددا لإفشال المفاوضات ووفت حماس بوعودها هذه المرة، فكيف يمكن تفسير ذلك؟

حملت العملية التي وقعت بالقرب من مدينة الخليل، رسالة واضحة بأن حركة حماس تحارب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أكثر من ما تحارب إسرائيل، وإلا كيف يمكن تفسير تنفيذ عملية مع إنطلاق المفاوضات المباشرة، بينما صمتت خلال الفترة الماضية.

ورغم تواجد قوة حركة حماس الحقيقية في قطاع غزة، وامتلاكها آلاف الصواريخ، وغيرها من العتاد، إلا أنها لم تختار تنفيذ عملية تنطلق من القطاع، فهي لا تريد أن يكون الرد الإسرائيلي ضدها على أرض غزة المحاصرة، ولا تريد المزيد من الحصار هناك، فاختارت الضفة الغربية لتنفيذ العملية، رغم أن مهاجمة إسرائيل من غزة أسهل بالكثير من الضفة، لكن كانت هناك رسالة واضحة أرادت حماس إيصالها، وهي أن من يتحمل مسؤولية الأمن في الضفة هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبالتالي فأن إسرائيل ستحمل المسؤولية لعباس وليس لحركة حماس، وطالما حملتها لرئيس السلطة، فأن هذا يشكلل مبررا لنتنياهو لإفشال المفاوضات، وتوجيه إتهامات للسلطة الفلسطينية بأنها غير قادرة على ضبط الأمن في الضفة الغربية، رغم أن العملية وقعت في منطقة غير تابعة للسيطرة الأمنية الفلسطينية، لكن إسرائيل تريد أي ذريعة الآن بعد أن وجدت نفسها مضطرة للذهاب إلى واشنطن والشروع في مفاوضات مباشرة.

وقد قال نتانياهو لدى هبوط طائرته في واشنطن بأنه أوعز إلى الجهات الأمنية بالرد على عملية الخليل العمل ضد مرتكبيها دون الخضوع لأي قيود سياسية، كما بعث نتانياهو برسالة من الدعم والتعاطف إلى المستوطنين. وسيلتقي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ليشدد لها على أن العملية المذكورة quot;تؤكد ضرورة أن تصر إسرائيل على تلبية مطالبها الأمنية الصارمةquot; وتمثل هذه التصريحات أولى العقبات أمام المفاوضات المباشرة، فكيف لا يمكن تسمية هذه العملية بمثابة هدية مجانية لإسرائيل.
البعض سيقول أن العملية لم تقع ضد مدنيين داخل إسرائيل، وأن العملية وقعت في الضفة الغربية وهي منطقة محتلة بموجب قرارات الأمم المتحدة والإجماع الدولي، لكن هناك تساؤلات لا بد من إثاراتها، فلماذا تصمت حماس طيلة الفترة الماضية ولم تستفزها اعتداءات المستوطنيين، وجرائم الاحتلال، واستيقظت اليوم وأعلنت بشكل صريح أنها تريد إفشال المفاوضات، فهل محاربة المفاوض الفلسطيني باتت أولية بالنسبة لحركة حماس.

قلنا سابقا، أن أي خطوة تريد الأحزاب الفلسطينية القيام بها، يجب أن تكون في إطار إجماع فلسطيني، والرئيس محمود عباس عندما قرر التوجه إلى المفاوضات المباشرة، لم يكن قراره منفردا، بل حظي بالإجماع العربي وموافقة منظمة التحرير الفلسطينية بعد ذلك، وبالتالي فأن اللجوء إلى العمل العسكري يجب أن يكون أيضا في إطار الإجماع الفلسطيني وأن لا يكون القرار منفردا في يد أي من الأحزاب، وقد أتت الأعمال الفردية بالويلات على شعبنا.

أخيرا، لا بد من تغليب المصلحة الفلسطينية العليا على المصلحة الحزبية، وما حدث هو مصلحة حزبية بإمتياز، كما يجب أن يكون القرار فلسطينيا، بعيدا أن الخضوع لأوامر إقليمية، وأعتقد أن وقوع علمية في هذا الوقت بالذات، لم يكن بأي شكل من الاشكال قرارا من حركة حماس وحدها، وربما شاركت أطراف إقليمية تعارض العملية السلمية في هذا القرار ومن مصلحتها استمرار التوتر في المنطقة.