سئل أينشتاين ما هو تصورك عن الحرب العالمية الثالثة؟ فأجاب لا أعلم.. لكنني أعتقد أن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة. هذه الإجابة الذكية من عالم كبير بوزن أينشتاين تحمل دلالات جد خطيرة إذ يمكن أن نفهم منها أن نهاية الحرب العالمية الثالثة ستكون فناء العالم وتدمير كوكب الأرض باستخدام السلاح النووي لتبدأ الحياة عليه من جديد بصورة بدائية كما كان في بدء الزمان.
فهل بدأت بالفعل الحرب الثالثة؟ أم أنها على الأبواب؟ أعتقد أن المتابع للأحداث العالمية يمكنه القول أن الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل منذ غزوة 11 سبتمبر في العام 2001 والتي نفذها تنظيم القاعدة وراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء. وإذا كان الإنسان في العصر الراهن قد نضج بالكم، والكيف الذي يجعله يسعي في طريق السلم ومنع الحروب إلا أن بعض الجماعات الأصولية مازالت النزعة العدوانية الفطرية التي تولد معهم تسيطر عليهم فلم يتمكنوا حتى الآن من ترويضها ما جعلهم في حالة من التخلف الحضاري تدفعهم للحركة في المكان أو الحركة في اتجاه عكس الزمان.
فعلى ماذا تتغذى هذه العدوانية أو الرغبة في قتال الآخرين وقتلهم وإبادتهم من الوجود.؟ في الواقع ومن القراءة المتأنية للتاريخ نجد أن العدوانية أو الرغبة في محاربة الآخرين تتغذى على عنصرين أساسيين الأول شعور الإنسان بأنه الأقوى مادياً أو أيدلوجياً، والعنصر الثاني امتلائه من مشاعر الحقد والكراهية ضد الآخر. وبقدر ما يقنع الإنسان نفسه بأنه الأقوى والأفضل بقدر ما تزداد لديه كمية الرغبة في الاستمتاع بلذة الانتصار والتفوق على الآخر ما يدفعه إلى العدوان معتقدا أن إذلال الآخر وقهره أو حتى قتله هو ما سيحقق له نشوة الفوز ومتعة الانتصار. أيضاً فإن الامتلاء من مشاعر الحقد والكراهية تجاه الآخر يولد الرغبة في العدوان نتيجة الاعتقاد أن فناء الآخر أو قهره سيرفع عنه آلامات الحزن ويزيل عنه أوجاع الغم. لذلك نجد أن الأديان قد جاءت لتحرم القتل فلو لم تكن هناك فطرة داخل الإنسان للاعتداء على الآخر (الرغبة في الحرب) ما كانت الحاجة للوصية quot;لا تقتلquot;.
فهل استطاع إنسان اليوم أن يهذب الفطرة ويحول مسار الرغبة في الحرب من اتجاه الحرب على أخيه الإنسان إلى اتجاه إعلان الحرب على الفقر والجهل والمرض والتخلف والعادات السيئة والتقاليد العتيقة البالية؟ وهل نجح في الانتصار على مشاعر الحقد والكراهية تجاه الآخر؟
في الحقيقة أن الغرب قد استطاع أن يتخلص من الشعور بالحقد والكراهية من الآخر فقد حقق انتصارات عظيمة في المجالات العلمية والاقتصادية وغيرها وحقق لشعوبه الرخاء والأمن والحياة الكريمة غير أنه لم يستطع التخلص من عنصر الشعور بأنه الأقوى ولذلك نجده يشعر بالزهو والافتخار عندما يحصد ثمار النصر على الأعداء المتخلفين اقتصادياً ويحقق الانتصارات على البؤساء المقهورين ثقافياً.
لكن في المقابل نجد أن ألأصوليين مازالوا يحتفظون بالعنصريين فهم يعتقدون ايدولوجياً أنهم الأقوى وأنهم الأعلون كما يشعرون بالحقد والكراهية على الغرب المتفوق في جميع مجالات الحياة وبالتالي فرغبتهم في الحرب ثنائية الدافع.
لنتذكر كيف استطاع جهابذة القاعدة أن يهيئوا للغرب ساحة المعركة فكانت النتيجة قيام أمريكا والغرب بالحرب والعدوان على كل العالم الإسلامي والعربي. وهل لنا أن ننسى كيف استطاع حزب الله عن طريق أسر جنديين إسرائيليين أن يجهز ساحة المعركة لصالح إسرائيل لتدخل لبنان وتدمره؟ هل ننسى كيف ساعدت حركة حماس إسرائيل وجهزت لها مدينة غزة كميدان معركة لتدخلها إسرائيل وتدمرها. العجيب والمدهش أن هؤلاء! وبدلاً من أن يفيقوا من الغيبوبة ويشعروا بمرارة الهزيمة التي جلبوها بأنفسهم لأنفسهم وشعوبهم المقهورة نجدهم يتغنون بأناشيد النصر على الأعداء!
من هنا نستطيع القول أن الحرب الثالثة المندلعة حاليا على مستوى العالم من تورا بورا إلى الصومال ومن هنا ومن هناك ليست بين دول بعينها ولا بين جماعات بعينها بل هي بين معسكرين أثنين لا ثالث لهما. المعسكر الأول يضم فريق الأفكار المستنيرة من كل الأجناس والأعراق والأديان والمعتقدات.. فريق الأفكار المستندة إلى حقائق العقل والمنطق ومتقلدة كل أنواع أسلحة الحضارة الحديثة وقيم المساواة والمواطنة والحرية وحقوق الإنسان، والفريق الثاني فريق الأيدلوجيات الجامدة المتحرك والمثقل بكميات كبيرة من الحقد المعلن والمستتر على قيم الحضارة الحديثة والتي هم منها كاسبون وفي خيراتها يتنعمون.
إذن فقد بدأت الحرب الثالثة ولن تضع أوزارها حتى يعرف الفريق الثاني إن امتلاك الثروات ضروري ولكنه غير كافي فالأهم امتلاك العقول التي تدير الثروات وتحسن استثمارها، وأن امتلاك العقول ضروري ولكنه أيضاً غير كافي فليس المهم أن تمتلك العقل ولكن المهم أن تحسن استخدامه وتنتصر به على الخرافات والجهل وتستثمره في التنمية الاقتصادية والثقافية.. وليس في فتاوى الجهاد واللحى والجلباب. لن تضع الحرب أوزارها إلا عندما يتحقق لجميع سكان الكوكب مناخ حقيقي من الحرية ووسط حقيقي للديمقراطية ونظام حكم علماني يفصل الدين عن الدولة تماما وعن السياسة وعن التعليم وعن الاقتصاد وعن كل المجالات ليبقى الإيمان مسألة شخصية وتبقى الحياة الأفضل مسألة عامة تبحث عن حلولها جميع الشعوب. فهل ستضع الحرب أوزارها؟ العلم عند الله سبحانه.
[email protected]
التعليقات