إذن فهذا هو كل ما في جعبة السيد رجب طيب أردوغان، مساء 3 سبتمبر/ أيلول 2010، فبزيارة إلى ديار بكر، وبخطبة من خطبه العصماء، بليغة الأسلوب، محكمة الصياغة الكلامية، فارغة المضمون الموضوعي، تصور رئيس وزراء تركيا أنه سيتمكن من تأبط زمام الرأي العام الكردي، تحت ذراعه، والاحتيال على آمال الشعب الكردي، واستمالة الناخب الكردي، للتوجه إلى صناديق الاقتراع على الاستفتاء المطروح يوم 12 سبتمبر/ أيلول 2010، لتعديل دستور البلاد، وفقاً لمصالح حزب العدالة والتنمية!

كاتب ومحلل سياسي مصري القاهرة

إذن فهذه هي صورة الشعب الكردي التي مازالت مترسخة في عقلية حزب العدالة والتنمية، وقيادته التنفيذية، وعقلية منظريه الأيديولوجيين، أنه شعب مفتت القوى، خائر العزيمة، يسهل الاحتيال عليه، وسوقه بالعصا والجزرة نحو حتفه. لم تفلح السنوات الخمس المنصرمة، بكل ما فيها، من نضالات، وتضحيات، بذلها الشعب الكردي، في إجبار القيادة السياسية للحكومة التركية، على تغيير نمط تفكيرها، ونظرتها لجماهير مواطني الدولة التركية، بأتراكها، وأكرادها. هكذا كان الوعد الأردوغاني: توسيع مطار ديار بكر، وإنشاء سجن كبير فيها، عوضاً عن السجن القديم، الذي لم يعد يتسع لكافة مواطني شمال كردستان!. وعليه، يمكن تلخيص محتوى الزيارة الأردوغانية الرمضانية الميمونة، في أنه أمام الشعب الكردي، في شرق تركيا أحد خيارين، فإما الرحيل عبر المطار الجديد، وإما دخول السجن الجديد، ولا ثالث أمام الشعب الكردي، إما الرحيل، وإما السجن. فهل هذا هو طرح الحكومة، في خطتها تجاه الانفتاح على الأكراد، إما الحبس، أو التهجير؟. ولكن ماذا عن الخيار الثالث، خيار حرية كردستان، حرية قرار الجماهير الكردية، بقائمة طويلة من البدائل، التي تطرحها حركة حرية كردستان، ابتداءً بمقاطعة التصويت على الاستفتاء يوم 12 سبتمبر/ أيلول 2010، فالكردي أصبح يدرك بيقين أن المشاركة في الاستفتاء إنما تعني أحد خيارين، إما رفض التعديلات الدستورية، بما يعني تثبيت دستور 1982، والموافقة عليه، ذلك الدستور الذي أفرزه الانقلاب العسكري، بما فيه من مصاردة على حقوق الأكراد السياسية والديموقراطية، وتكريس حرمانهم من حقوق المواطنة، وسحق هويتهم القومية، وتهميش وجودهم الاجتماعي، وتعميق حرمانهم الاقتصادي، والإبقاء على حالة القهر العنصري العسكري الفاشي التركي، الذي تمارسه عليهم يومياً، آلة الدولة التركية، بجيشها، ومؤسساتها السياسية، والإعلامية والثقافية، وإما الموافقة على التعديلات الدستورية المقترحة من جانب quot;العدالة والتنميةquot;، والتي تعني ضمناً، مزيد من تمكين المؤسسة السياسية التركية، وبالتحديد تحت قيادة quot;حزب العدالة والتنميةquot; في مواجهة المؤسسة العسكرية التركية، مع الإبقاء على الوضع على ماهو عليه، فيما يتعلق بحقوق الشعب الكردي، في شرق تركيا. إذن فكلا الخيارين لا يعني مكسباً بالنسبة للناخب الكردي، بل بالعكس، يعني تصويتا من أكراد شمال كردستان، بتثبيت القانون الأساسي للدولة التركية ضد مصالح مواطنيها الأكراد، وإسباغ المشروعية عليه، فهو في كلا الخيارين لا يمس إيجاباً أياً من مطالب الأكراد التي ناضلوا عليها طويلاً، وبذلوا في سبيلها دماء أبنائهم! نعم قائمة طويلة تندرج تحت الخيار الثالث لأبناء الكرد في شرقي تركيا، تصب جميعها في إعادة بلورة وصياغة شخصة جديدة للكردي، تخالف ما وقر في مخيلة السيد أردوغان، إنها شخصية الكردي الذي ينشد حريته، ويناضل عليها في كل الميادين عسكرياً، وسياسياً، وإجتماعياً، وثقافياً.

الملاحظ أن السيد رجب طيب أردوغان لم يتطرق في خطابه لما يشغل أكراد شرق تركيا من هموم متعلقة بوقف الصراع الدامي، لم يتطرق للهدنة التي أعلنها حزب العمال الكردستاني من جانب واحد يوم 13 أغسطس/ آب والتي شارفت على الانتهاء في 20 سبتمبر/ أيلول 2010، لم يتطرق لبدائل الحل السياسي التفاوضي على قاعدة التكافؤ الديموقراطي بين الطرفين الكردي والتركي في تركيا. لم يتطرق إلى ممارسة الأكراد لتطبيق الإدارة الذاتية الديمقراطية (صيغة الإدارة الذاتية الموسعة)، من طرف واحد، في المناطق الكردية والتي أعلنها مؤتمر المجتمع الوطني الكردستاني، في 8/8/2010، في (آمد) ديار بكر، لم يتطرق إلى استمرار الغارات العسكرية المتدفقة بالموت والدمار على الشعب الكردي شرقي تركيا، وما تعنيه من إصرار من جانب الحكومة التركية على مزيد من إشعال دائرة الصراع المسلح الدامي في البلاد. لم يتطرق إلى التدمير الممنهج من قوات الجيش التركي للموارد الطبيعية للبلاد في شمال كردستان، بتدمير الطبيعة، وإحراق الغابات، وإذلال البشر. لم يتطرق إلى إطلاق الحراك الديموقراطي في البلاد بمقترحاته البديلة فيما يتعلق بقضية السجناء الأطفال، والمعتقلين السياسيين، ومصادرة الحريات الصحفية، لم يتطرق إلى قضية صمته المشين، فيما يتعلق بسلوك الجيش التركي، بالتمثيل بجثامين الأكراد، بعد قتلهم، فضلاً عن استخدام الأسلحة الكيماوية، للفتك بأبنائهم، لم يتطرق لخارطة الطريق التي سلمها السيد عبد الله أوجلان إلى quot;حكومة العدالة والتنميةquot; في نهاية منتصف 2009، فتكتمت تلك الحكومة على بنودها، وعتمت عليها، وحتى الآن، ولم يتطرق، أيضاً، للمبادرة الجديدة من منظومة المجتمع الكردستاني للحل السلمي للصراع، والتي طرحتها المنظومة، مترافقة مع مبادرة وقف إطلاق النار، سالفة الذكر، في 13 أغسطس/ آب 2010.

ما سبق يعني أن حكومة quot;العدالة والتنميةquot; ترى أن بقاء الوضع، على ما هو عليه، هو سياستها المعتمدة، على الأقل حتى تاريخ الانتخابات البرلمانية القادمة في سبتمبر/ أيلول 2011، بل أن زيارة السيد رجب أردوغان لديار بكر، جاءت لتؤكد على تصميم الحكومة التركية، على الاستمرار في سياساتها، دون تغيير، هذا هو الدرس الأخير، الذي يمكن للمتابع، أن يخرج به من زيارة السيد رئيس الوزراء التركي، لعاصمة الأكراد، مزيد من سحق الأكراد، مزيد من العنف، والقهر، والسحق العنصري، وتجاهل كل الأصوات الداعية للحل السلمي، والتي انطلقت من داخل تركيا، وجاء رجع صداها من خارج تركيا، أيضاً. مزيد من مسلسل الدم الذي باتت الحكومة التركية تصر على استمرار حلقاته، ويقوم على إدارته وإخراجه رئيس الوزراء التركي، وحزبه.

إذن، فلم يبق أمام الأكراد سوى الخيار الثالث، لم يبق أمامهم سوى المضي قدماً في نفس السياسات التي طرحتها منظومة المجتمع الكردستاني، نضال سياسي، والتفاف حول القيادة السياسية الكردية، وعدم التخلي عن الأبناء المقاومين في الجبال، ولعل الرد الجماهيري الكردي الحاسم المتوقع يوم 12 سبتمبر/ أيلول 2010، بتنفيذ أوسع مقاطعة للتصويت على التعديلات الدستورية، يكون قياساً للرأي، وميزاناً لتوازنات القوى في المناطق الكردية، بين الحكومة التركية، وتوجهاتها الإقصائية العنصرية الدموية، وبين منظومة المجتمع الكردستاني، وخيارات الشعب الكردي، نحو حرية أبنائه، نحو الديموقراطية، والسلام الاجتماعي القائم على العدل، والإنصاف في حقوق المواطنة.