أسوأ الحروب التي تنتج ضحايا لا قيمة لهم هي حروب الوكالات، وهذا النوع من الحروب تم استخدامه على نطاق واسع حول العالم من قبل القوى العظمى وذلك لكسر عظم لحكومات المناوئة أو التي باتت تعرف في أدبيات اليوم بالدول المارقة، ولكن الأمر لم يعد حكرا على تلك القوى وإنما أصبحت كثير من الدول تستخدم حركات التمرد أو القوى الداخلية في تصفية حساباتها مع الدول المستهدفة، وذلك على نسق جماعة الحوثيين وما قموا به في اليمن والامتداد بحربهم الى السعودية التي عرفوا بها بحاملي السلاح، فيما قبل ذلك أطلقت وسائل الإعلام اليمنية اسم الحوثيين على هذه الجماعة التي ربطتها باسم القائد السابق للجماعة حسين بدر الدين الحوثي، والذي قتل على يد قوات الجيش اليمني في سبتمبر 2004م.

اضطراب العلاقة بين الدولة اليمنية والجماعة المتمردة بدأ بحجة دفاع الجماعة عن مجتمعهم ضد التمييز والإضطهاد التي تقوم به الحكومة ضدهم، بينما اتهمتهم الحكومة اليمنية بأنهم مجموعة تريد الإطاحة بنظام الحكم، وإقامة دولة زيدية تقوم على الإمامة بحسب ما كانت إبان حكم الإمام يحي وابنه الإمام أحمد قبل الثورة، والمثير في جدلية الحرب بين الطرفين اتهام الحكومة اليمنية للجماعة بزعزعة استقرارها تحت مبرر المشاعر المعادية لأمريكا.

عداء الجماعات المتطرفة في الدول الإسلامية للولايات المتحدة الأمريكية مبرر تلقائيا بحسب رفعها لشعارات مناهضة لأمريكا حتى ولو أعلنت أي جماعة متطرفة خروجها على سلطة الدولة اليوم، فكل جماعة متطرفة أو متمردة قائمة على أسس إسلامية يتوقع أن تعادي أمريكا بداهة، ولذلك لا غرابة في عداء الحوثيين لها من واقع العلاقة الجيدة بين الحكومة اليمنية وأمريكا ومحاربتهما للإرهاب، ولذلك في تقديري فإن اتهامات السلطة اليمنية للحوثيين بمثابة تحصيل حاصل ولن يصل بالأزمة الى محطة الحل النهائي وهي حرب بداخلها مجموعة معارك قد يخسر الحوثيون كثير منها دون أن يكون ذلك خسارة نهائية للحرب، فهم أشبه بذيل الثعبان إن تقطعه لا يقتله وقد ينجح في إعادة بنائه بيولوجيا.

للحوثيين علاقتهم القوية بإيران ففي عام 1993م انتقل بدر الدين الحوثي للعيش في طهران حيث عاش هناك لعدة سنوات، وعاد إلى اليمن بعد توسط مجموعة من علماء الزيدية لدى الرئيس علي عبد الله صالح، وليس خافيا طبيعة العلاقة القوية بين الحوثيين وإيران وقد جرت محاكمة يمنيين بتهمة التخابر مع الجمهورية الإسلامية وتسليمها صورا عن مواقع يمنية حساسة، إضافة إلى تأمين السلاح والمال إلى الحوثيين، وواضح ذلك الدعم السياسي الإيراني والتصريحات التي ظلت تدعم الحوثيين خلال استعدائهم للسعودية، حين قاموا في عام 2009م باحتلال جبل الدخان بعد أن تجاوزوا الشريط الحدودي وخرقوا سيادة السعودية التي لم يكن أمامها سوى قتالهم لإخراجهم من داخل أراضيها.

لم تتوقف الحرب إلا بإعلان عبد الملك الحوثي في 25 يناير 2010م لوسائل الإعلام أنه سيوقف الحرب مع السعودية والإنسحاب من أراضيها، لكنه هدد بالعودة بأقوى إذا أصرت السعودية على دعم الحكومة اليمنية ضدهم، وهدد بفتح جبهات جديدة ومتعددة وخوض حرب مفتوحة ضد السعودية في حال استمرت في حربها عليهم.
قوة التطرف تكمن في حيوية الإرادة الكامنة فيه، فهذا وهو مهزوم وتم تدمير بنيته القتالية يهدد ويتوعد، ذلك يفسر السلوك المتطرف وحيويته في منافحة ومحاربة الطرف الآخر، فبنظرة الى تاريخ الجماعة يمكن أن نلمس تسلسلا سلوكيا منطقيا ومتوافقا مع الزمن، إذ أنه في العام 1986م تم إنشاء اتحاد شباب لتدريس شباب الطائفة الزيدية، وكان من ضمن مدرسيه مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي، ومع الوحدة اليمنية في مايو 1990م تحول الاتحاد من الأنشطة التربوية إلى مشروع سياسي من خلال حزب الحق الذي يمثل الطائفة الزيدية.

في العام 1992م أسس محمد بدر الدين الحوثي منتدى الشباب المؤمن كمنتدى للأنشطة الثقافية، ولكن حدثت به انشقاقات، وفي العام 1997 تحول المنتدى على يد حسين بدر الدين الحوثي من الطابع الثقافي إلى حركة سياسية تحمل اسم quot;تنظيم الشباب المؤمنquot;، وفي العام 2002م اتخذ المنتدى شعار quot;الله أكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلامquot; الذي يردده عقب كل صلاة، والمفارقة أن منع السلطات أتباع الحركة من ترديد شعارهم بالمساجد كان أحد أهم أسباب اندلاع المواجهات بين الجماعة والحكومة اليمنية.

الجماعة ترى أن الوضع الذي تعيشه يتسم بخنق الحريات، وتهديد العقيدة الدينية، وتهميش مثقفي الطائفة الزيدية، كما تطالب بموافقة رسمية على صدور حزب سياسي مدني وإنشاء جامعة معتمدة في شتى المجالات المعرفية، وضمان حق أبناء المذهب الزيدي في تعلم المذهب في الكليات الشرعية، واعتماد المذهب الزيدي مذهبا رئيسيا بالبلاد إلى جانب المذهب الشافعي.
كل تلك المطالبات مشروعة، ولكن التضاد الحكومي يرى أن الجماعة تسعى لإقامة حكم رجال الدين، وإعادة الإمامة الزيدية، وهذا ما يؤسس لبيئة العنف فتعارض المصالح أيا كانت عقدية أو اقتصادية أو سياسية هو ما ينتج الحروب، والخروج عن المعطيات الطبيعية لحركة الأشياء هو الذي يؤسس للتوتر وتعكير المزاج السياسي، فالحوثيون يحتملون التطرف الذي يهدد أمن بلادهم اليمن وجيرانهم في السعودية، وهم قابلون لعمالة إيران بشكل مطلق وذلك تهديد آخر، ولذلك فالأفضل لحسم الصراع اتباع سياسة تنموية في مناطقهم وإعادة حقهم في حرية المعتقد، وفي حال ثبوت أي عمالة مع الأجنبي تتم محاسبتهم في الإطار القانوني طالما أنها دولة قانون تظلل على جميع مواطنيها بمستوى واحد من العدالة، ودون ذلك فإنها معركة وهدنة في حرب طويلة.

إعلامية سعودية*
[email protected]