أصبحت أوضاع مصر- في إعتقادي- تشكل نموذجاً أو quot;حالةquot;متفردة ذلك أنها لم تعد دولة مركزية عاتية كما كانت طوال تاريخها تقريباً بل أنها لم تعد دولة أصلاً، لأن كل الأرصدة التي تخص المجتمع والدولة وكل مواردهما الإستراتيجية والإقتصادية والسياسية والتربوية والثقافية والإعتقادية وعلاقاتهما الإقليمية والدولية العلنية والخفية والتجارة الشرعية وغير الشرعية كل ذلك أصبح مستثمراً في شخص واحد هو رئيس الجمهورية، الذي يدير هذه الإستثمارات عبر مؤسستين فقط هما المخابرات العامة ومباحث أمن الدولة، وما عدا ذلك من هياكل مثل الدستور والقوانين والبرلمان والقضاء والمؤسسات الدينية بأنواعها والإسلام السياسي بكل أجنحته، والنقابات والأحزاب والإعلام وجماعات حقوق الإنسان هي مجرد quot; لوكيشن quot; للتصوير من الكرتون والخشب الحُبَيبي وخلفها لا يوجد سوي الفئران والأتربة والظلام، إلي درجة أنني أعجب من أن الطيور تطير والأشجار تنمو في مصر دون موافقات أمنية، فقد إمتصت السلطة البوليسية الإجرامية الجاهلة كل قوي المجتمع والدولة إلي درجة تخرج الأمور من حيز السياسة إلى مجال الجريمة.
وكان لابد لحكم من هذا النوع أن يدخل في أزمة فحواها هو كيفية إستمراره بعد النهاية المحتومة لكل الكائنات الحية بما فيها الطغاة.
ولم يعد أمام هذا اللانظام سوي خيار واحد هو التوريث البيولوجي لأسباب كثيرة من بينها الفشل في كل شيئ بما في ذلك المستوي الوطني والأخلاقي.
وما يحدث في مصر الأن يكشف حجم النخبة التي تستثمر في الإستبداد والإستغلال للمصريين مجتمعاً ودولة.
ونظرة سريعة للموجة الإعلامية والحزبية التي تجري علي قدم وساق بدعم واضح من الأجهزه يتكشف بوضوح محاولة اللانظام حصراللعبة السياسية بين حزبين هما الوفد والوطني وبلغة اخري قسمة التزوير القادم علي حزبين هما الوفد والوطني بالإضافة طبعاً لكل اللاعبين من وراء الستار وفي مقدمتهم قاعدة حكم الرئيس مبارك الشعبية الأساسية أي الإخوان المسلمين، ناهيك عن سنيدة الإنتخابات الرئاسية السابقة وكومبارس التوريث حالياً وتفضحهم تلك الملصقات الغوغائية الرخيصة المنتشرة في القاهرة الآن.
وكل ذلك لتحقيق ثلاثة أهداف :
أولاً : تمرير التوريث بأقل قدر ممكن من الضوضاء.
ثانيا : إمتصاص صدمة د.البرادعي ومحو الآمال العريضة التي ألهم بها المصريين وأيضاً الآثار الخارجية لهذه الصدمة، وإن كنت لاأعتقد -وأرجو أن أكون مخطئا - أنه هو نفسه لم يدرك حجم هذا الإلهام وكيفية التصرف فيه، ولأسباب بيروقراطية.
ثالثا : خداع الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية التي توافق علي الخداع بشرط الإتقان لتهدءة المؤسسات الشعبية في هذه الدول.
يبقي من كل ذلك إنشغال واحد إيجابي لكل المهمومين في هذا البلد المنكوب بحكم العصابات وجماعات الأعمال القذرة وهو الفرز الذي سيكشف الحجم الحقيقي للمأساة المصرية السوداء والممتدة.
- آخر تحديث :
التعليقات