ما أن أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الثاني من شهر سبتمبر quot;أيلولquot; القادم، حتى سارعت مختلف الفصائل الفلسطينية على تعدد مشاربها الدينية واتجاهاتها الحزبية يمينيا ويسارا لتعلن رفض المفاوضات، وإذا ما سألت أحدهم لماذا ترفض المفاوضات تكون الإجابة جاهزة ومفصلة حسب المقاس quot;يا أخي لقد جربنا المفاوضات 20 عاما ولم تحقق شيئا لصالح الفلسطينينquot; ولن تجد آخرون يقول لك غير ذلك، ولا يزيدون في التفاصيل إلا أننا سنفاوض حكومة يمينية لن تمنحنا أي شيء، وقد فاوضنا بنامين نتنياهو عندما كان رئيسا للوزراء قبل هذه الولاية ولم يتحقق شيء.

وإذا ما تابعت حديثك بسؤال آخر ما هو البديل عن المفاوضات يقولون لك quot;المقاومةquot;، واذا ما سألت أين هي المقاومة، ومن هم المقاومون، تجد الجميع يصمت، ولا إجابة سوى بضعة أحرف خجولة quot;يا أخي كل شيء في وقتهquot;.

للأسف لا يملك الفلسطينيون الكثير من الخيارات من أجل تحقيق حلمهم بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وإذا ما كانوا قد جربوا المفاوضات في السابق ولم تحقق شيئا على الأرض سوى اتفاق أوسلو وقيام سلطة فلسطينية تتمتع ببعض أنواع الحكم الذاتي سرعان ما قضت عليه إسرائيل مع إندلاع انتفاضة الأقصى، فأن الخيارات الأخرى لم تحقق أي شيء، وquot;المقاومةquot; التي رفعت شعارها معظم الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة فتح خلال انتفاضة الأقصى لم تكن نتيجتها سوى وقف المفاوضات، وإعادة احتلال المدن الفلسطينية، وإنهاء السيطرة الفلسطينية على المدن حتى اليوم، حيث أصبحت مستباحة من قبل الاحتلال الإسرائيلي في كل ليلة.

ولاحقا شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة، ودمرت ما دمرت، وقتلت أكثر من 1600 فلسطيني معظمهم من الأبرياء والمدنيين، وسبق تلك الحرب، تهديد ووعيد من حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، وتوعدت الجنود الإسرائيليين بجعل غزة مقبرة لهم، وانتهت الحرب وتبخرت وعود حركة حماس، وكانت الكارثة في أن الكثيرين أطلقوا على محرقة غزة إسم quot;معركة الفرقانquot; وكأننا قد حسمنا المعركة لصالحنا، دون أن يدرك الكثيرون بأن بيوت غزة لا زالت تبحث عن من يبنيها حتى الآن، وسط خلافات فلسطينية داخلية متصاعدة لا أحد يعرف متى تكون نهايتها ومتى تتحق المصالحة الوطنية على أرض الواقع، وهو الأمر الذي أضعف الموقف الفلسطيني وجعل الخيارات محدودة للغاية، وفشلت كل الجهود المصرية وحتى التي قامت بها جهات فلسطينية لرأب الصدع الداخلي، وكل يوم يزداد الخلاف أكثر من الماضي، وتبعد غزة عن الضفة أكثر فأكثر، فيما تتمسك إسرائيل بالقدس وترفض التخلي عنها لصالح الفلسطينيين بموجب أي اتفاق سلام يتم توقيعه.

لن نكون مدافعين عن المفاوضات واعتبارها الخيار الاستراتيجي للشارع الفلسطيني لكن عمليا لا يوجد أي خيار آخر سوى هذا الأمر، بعد أن جربنا quot;المقاومةquot; وكانت نتائجها عكسية بسبب اختلال موازين القوى، فيما أضرت العمليات التفجيرية بصورة الفلسطينين، وكانت النتائج دعما كاملا من المجتمع الدولي لصالح إسرائيل، وبات الفلسطينيون إرهابيين من وجهة نظر الرأي العام الدولي، بينما الحقيقة غير ذلك.

وبالعودة إلى خيار المفاوضات كونه الخيار الوحيدة في الفترة الراهنة، فأن هناك جملة من الأمور يجب أن يدركها الفلسطينيون قبل فوات الأوان، وقبل أن تتحول هذه المفاوضات إلى لعنة، وهنا لا بد من التأكيد على ما يلي:

أولا: معارضة بعض الفصائل الفلسطينية للمفاوضات هو أمر طبيعي، وحق مشروع في حال أردنا بناء مجتمع ديمقراطي ناجح، ومن غير الجائز نهائيا قمع المسيرات أو المؤتمرات المعارضة للمفاوضات، لكن مطلوب من رافضي المفاوضات تقديم البديل المنطقي والمعقول والقابل للتطبيق.

ثانيا: الذهاب للمفاوضات دون تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية لن يكون في صالح الفلسطينيين إطلاقا، فبنامين نتنياهو سيذهب إلى واشنطن وسيكون لديه أسئلة يطرحها على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهي أسئلة قد طرحها من قبله إيهود أولمرت وعلى رأسها quot;نفاوض من بشأن قطاع غزة؟ هل نتفاوض مع حماس؟ وإذا ما تفاوضنا مع الرئيس عباس حول غزة، كيف سيفرض سيطرته على القطاع؟.
وبالتالي المصالحة الفلسطينية كان يجب أن تتحقق قبل كل شيء، ليفاجيء الرئيس الفلسطيني، رئيس وزراء إسرائيل بأن الفلسطينيين قد أنهوا خلافاتهم الداخلية، وأن القرار الفلسطيني بات واحدا. وإلا فأن المفاوضات ستكون حول الضفة الغربية ومدينة القدس فقط.

ثالثا: المصلحة الفلسطينية تقتدي دعم المفاوض الفلسطيني وعدم وضع العراقيل أمامه، حتى وإن اختلفت وجهات النظر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية، فراضو المفاوضات يمكنهم التعبير عن رأيهم وممارسة النشاطات التي تدعم وجهة نظرهم، بعيدا عن العنف الذي تتمناه إسرائيل لكي تفشل المحادثات قبل أن تبدأ، وقد لاحظنا مؤخرا أن حركة حماس هددت بتنفيذ هجمات انتحارية لإفشال المفاوضات، وهو الأمر الذي كانت تفعله في السابق، وهنا يجب التأكيد على أن مثل هذا الأمر يخدم إسرائيل أكثر مما يخدم الفلسطينيين، فنتنياهو بحكومته اليمينية المتطرفة يراهن على فشل المفاوضات لكن يريد الذريعة التي تعطيه quot;حقquot; إعلان هذا الفشل، وعلينا أن لا نمنحه هذه الذريعة.

رابعا: خيار مقاطعة منتجات المستوطنات الذي جربه الفلسطينيون أعطى نتائج إيجابية، لدعم الاقتصاد الفلسطيني من ناحية، وتشكيل ورقة ضغط على إسرائيل من أجل وقف البناء الاستيطاني من ناحية أخرى، وبالتالي المطلوب هو مواصلة هذه المقاطعة بشكل قانوني، والبحث عن خطوات أخرى مشابهة من شأنها أن تشكل المزيد من أوراق الضغط على إسرائيل.

خامسا: الموقف الدولي اليوم مختلف عن السابق، وباتت الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول الاتحاد الأوروبي تدعم بشكل كبير الموقف الفلسطيني وتريد إنهاء هذا الملف في أسرع فرصة ممكنة، وعلينا استغلال هذا الدعم وتوظيفه لمصلحة تحقيق أفضل النتائج الممكنة في المفاوضات.

في النهاية لن يخسر الفلسطينيون شيئا إذا ما جربوا المفاوضات، وكما قال الرئيس محمود عباس فأننا لسنا في موقف قوة حتى نضع شروطنا المسبقة وعلينا تجربة الخيارات المطروحة أمامنا.