تطالعنا يوميا أخبار ومقالات وكتابات من كل صنف ولون، تتحدث عن الضعف العربي تجاه المحيط الإقليمي، إسرائيل تركيا وإيران، وربما تدخل غدا أثيوبيا أو تشاد على الخط.
إسرائيل كف هذا الإعلام عن تناولها بوصفها قوة مشابهة لإيران أو تركيا، لأن لها وضعها الخاص في المنطقة والعالم، والذي لا نريد الدخول إليه الآن.
النغمة الآن هي تركيا كصديق وحليف مفاجئ لقضايانا، وإيران كحليف لبعضنا وعدو لبعضنا الآخر، يريد قضم أراضينا واحتلالنا، عبر نفوذه الذي كرسه بوسائل متعددة، أو أنه يدعم قضايانا المصيرية.
تركيا ربطوا هذه الصداقة المفاجئة بتولي حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الإسلامية للسلطة، عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة. هنالك شبه إجماع على ضعف عربي تجاه دولة مثل تركيا، القوميون يريدون دولة عربية واحدة، أو ما يشبهها تضامنيا، من أجل التعامل مع تركيا كصديق وحليف استراتيجي، والإسلاميون يريدون عودة الخلافة العثمانية، وخليط بين التيارين لا يعرف ماذا يريد بالضبط، المحصلة أن هؤلاء يعتقدون أن التوتر التركي- الإسرائيلي سببه مناصرة تركيا للقضية الفلسطينية، وموقفها من أحداث غزة، وأسطول الحرية، الذي أجبر إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها على القبول بلجنة تحقيق دولية لبحث هذا الاعتداء على أسطول الحرية التركي الذي كان قادما لمساعدة أهالي غزة، وبالطبع، يعاد هذا الموضوع إلى إسلامية حزب العدالة. في هذا المجال هنالك ثلاث نقاط لابد لنا من توضيحها:
- إسرائيل تدرك اكثر من أي طرف كانquot; أن التغير الاستراتيجي الذي حدث للسياسة التركية، نابعا من تغير النظام الدولي أولا وأخيرا، بمعنى أن تركيا بعد سقوط السوفييت، وعلاقتها المعقدة بالاتحاد الأوروبي، ومساندة مستمرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لعمق العلاقة هذه على كافة الصعد والمستويات، واعتبار أمريكاquot; أن تركيا جزء من العالم الحر، ولازلت تدعو أوروبا لقبول تركيا في منظومة الاتحاد الأوروبي الذي يحتكر قرار الرفض فيه لانضمام تركيا الآن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وهذا يتقاطع نسبيا مع الرؤية الإسرائيلية، للدور التركي الجديد إقليميا ودوليا، في ظل اقتصاد ينمو، ولم يتأثر كثيرا بالأزمة المالية العالمية الأخيرة. تركيا لم تعد دورا في العالم الحر أمام المعسكر الشرقي، وإنما دولة تعيد صياغة تواجدها الدولي والإقليمي منذ انهيار هذا المعسكر، فهي تريد علاقات حسن جوار مع روسيا وتبادل مصالح، ولها في تلك الجمهوريات الإسلامية المتساقطة من انهيار المعسكر الشرقي نفوذا موضوعيا، يعود لأسباب تاريخية وأثنية. هذا الدور الجديد لا يتناسب مع مصالح إسرائيل، لكنه لا يعارض المصالح الأمريكية، ربما بالعكس يدعمها، هذه الأرضية الاستراتيجة التي يمكن أن تفسر تغير التفاعل التركي إقليميا ودوليا، ولنلاحظ علاقتها مع طهران من جهة، ومع عرب الممانعة والاعتدال معا، من جهة أخرى، أين يمكن أن يستشف المرء أولوية إسلامية في تلك العلاقة؟
- النقطة الثانية: تركيا تدرك أكثر من غيرها أن أي نفوذ لها، يجب أن يبدأ من محيطها، ولهذا باتت حريصة على التواجد كطرف في الملفات الإقليمية: وسيطا بين سورية وإسرائيل، وسيط بين إيران والعالم الغربي في الملف النووي، طرف تحاول أن تكون في المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، ثم حرصها على علاقة مع كافة دول المنطقة، وهذا ما ترفضه إسرائيل وتعتبره على حسابها، وهذا صحيح، ولكن المنطلق التركي ليس إسلاميا، وإن بدا كذلك في بعض المحطات العارضة.
- تركيا تدرك أن الدول العربية كلها لازالت مختصرة في سلطاتها، وكل سلطة قوية في دولتها، وعلى هذا الأساس تبني علاقاتها مع الجوار العربي. وبالمقابل السلطات العربية تدرك قوتها على دولها، وتدرك أيضا ما الذي تريده تركيا، لهذا نلاحظ: حرصا سوريا على علاقة متميزة مع تركيا، وتحفظا مصريا في بعض الأحيان على الدور التركي الجديد، وربما موقفا سعوديا لازال يترواح بين التحفظ والحرص.
فهل سلطات هذه الدول ضعيفة؟
الاستراتيجية التركية حتى اللحظة لا تريد الانخراط في العلاقات المجتمعية الداخلية لدول العالم العربي، كما تفعل إيران، وهذه ميزة تفضلها السلطة العربية.
وقبل الانتقال لإيران، العلاقات التركية مع محيطها تنعكس على مجمل الدولة التركية، زيادة نفوذ واقتصاد يزدهر باعتراف الجميع، بينما في المقلب العربي، لم تنعكس هذه العلاقات سوى على أوضاع السلطات العربية، ولا نريد الإطالة في هذه النقطة، فهل تحسن الاقتصاد السوري جراء العلاقة الجديدة؟
العلاقة مع تركيا حسنت وضع بعض السلطات العربية، إزاء مجتمعاتها وسمحت برفع الاعلام التركية تماشيا مع هجمة شعبوية.
مع الفارق بين السياستين الإيرانية والتركية، والفارق بين طبيعة النظامين السياسية والقانونية، والفارق في علاقاتهما بالغرب، إلا إن إسرائيل لم تعد قادرة على التلاءم مع هذا المستجد وخاصة التركي، لأنه على علاقة جيدة بالعالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة، وعضوا في الحلف الأطلسي.. بينما إيران ليست كذلك، ومكشوف عنها الغطاء الدولي بالمعنى النسبي للعبارة.
لماذا القوى الإسلامية والقومية منقسمة حيال السياسة الإيرانية، وموحدة تقريبا حيال السياسة التركية؟
هل لأن تركيا سنية! وإيران شيعية؟ أعتقد أنه سبب واه..ولا تقيم له السلطات العربية وزنا، وإن أقامت له بعض الحركات الإسلامية وزنا توافقيا سنيا أو تخاصميا شيعيا، إلا أنه سببا للتصدير الإعلامي الشعبوي.
الإسلامية عموما والشيعية خصوصا، هي رافد نفوذ إيراني مضطر للتدخل في الخارطة الداخلية للمجتمعات العربية، وهذا ما يقلق سلطاتها تجاه إيران، وليس الخوف من نوويها، او من خطابات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الخوف أن تتحول إيران إلى مقطع داخلي نفوذي ثابت في البنية المجتمعية لبعض المجتمعات العربية، كحال العراق ولبنان والآن اليمن. هنا تجدر الإشارة على أن خوف السلطات العربية على نفسها أولا وأخيرا، لهذا لا نجد السوريين يخافون من إيران ومن السياسة الإيرانية لماذا؟ لسببين:
الأول- لايوجد في سورية مجتمع مفتوح نسبيا كحال المجتمع اللبناني، والمصري نسبيا كي تتسلل منه إيران. السلطة ممسكة كل شيء.
الثاني- لا يوجد في سورية أقلية شيعية قادرة لأن تكون مركزا إيرانيا. فالأقلية الموجودة تكاد لا تلحظ في المجتمع السوري، وهي قليلة العدد. بينما ليس الحال كذلك في السعودية، او الكويت.
أموال، وسائط دينية، خطاب القضية الفلسطينية ممانعا وحماسيا. والبحث عن مظلة عسكرية إقليمية لحماية النفوذ الإيراني، هذه آليات السياسة الإيرانية، لهذا تخافها السلطات العربية.
أما تركيا فالسلطات العربية لدى سياستها هاجس وحيد، وهو الخوف من انتشارها نموذجا ديمقراطيا، وهذا لا ينطبق على إيران.
لبنانيا لا يمكن بسهولة إزالة النفوذ الإيراني، وربما أصبح مستحيلا. وأية سلطة لبنانية يجب أن تحوز على شرعية ما من هذا النفوذ.
في النهاية، السلطات العربية ليست ضعيفة أبدا كما يحلو لبعضنا ان يقول ويحلل، ولكنها سلطات لا يمكن ان تعيش دون توتر إقليمي من جهة، وهاجسهاquot; السلطة ثم السلطة ثم سلطتها، وبالطبع هنالك فارق بين أن يكون لدى السلطات العربية هواجس من محيطها، وبين أن تكون ضعيفة تجاه هذا المحيط، كما أن التخلف عموما عن هذا المحيط، لا يعني أبدا أنه غير محمي، وغير قوي تبعا لأولوياته، وأنه يخاف من محيطه المتطور، بل ربما العكس هو أحيانا كثيرة يخيف محيطه أكثر مما يخاف.
- آخر تحديث :
التعليقات