قفزة الوعي البشري وذروة توهج الروح وتألقها تقود الانسان الى البحث الدائم عن افضل علاقة حب مع الله وعن أسهل الطرق لأستمداد الشعور بالمعنى للحياة والوجود من هذه العلاقة المقدسة ولكن من المؤسف ان الأديان جميعها تقف بوجه التواصل الحر النقي ما بين الله والانسان فالأديان شوهت نقاء صورة الله عندما أصبحت تدعي انها الناطق الرسمي بأسمه وان كل واحد منها يحتكر الحقيقة والإيمان !

ويجد المؤمن الحقيقي نفسه امام تصادم العقل ومبدأ عدالة الله مع منطق واحكام الأديان ويشعر بالأستغراب والحيرة من فشل الأديان في تحقيق العدالة للبشر وفي الدعوة الى المساواة والانفتاح واقامة العلاقات الانسانية التي تتخطى حدود الجغرافيا والقوميات ويصل مأزق الانسان المؤمن الى نقطة حرجة ويجد نفسه في تناقض صارخ حينما يرى ان الأديان ترتكب الجرائم المخالفة لحقوق الانسان والقيم الأخلاقية والعقل وعدالة الله بينما يفترض ان تكون رسالتها الدعوة الى المحبة والسلام والخير اذ لايمكن ان يقبل الله بالصراعات الطائفية والحروب الدينية التي جرت طوال التاريخ والتعدي على حقوق الانسان وخصوصا المرأة.

وأمام هذا المأزق والتناقض الحاد ما بين الله والأديان لابد من تغيير زاوية النظر بشكل جذري ووضع الأمور في نصابها وتحديد الأولويات كي تستقيم نظرتنا الى عدالة الله وذلك عن طريق التمييز ما بين الأديان والإيمان وفصل الله عن الدين:

فالأديان:

هو عبارة عن نتاج تاريخي أوجدها البشر عبر العصور من اجل تنظيم حياتهم الروحية والأجتماعية وطمأنة مخاوفهم من المجهول وغضب الطبيعة والاخطار المحيطة بهم وهي كذلك نتاج بحث الانسان عن خالق الكون وسر الوجود والأستجابة لنداء الفطرة التي تتوق للأرتباط بقوى عليا خارقة خلقت الحياة والكون اذ انها عملية مركبة أشتركت فيها التقاليد والأعراف والثقافة السائدة وطبيعة الجغرافيا وغيرها من العوامل وكما نلاحظ ان الله ليس له دخل في كل هذه العمليات المصاحبة لتأسيس الأديان.

أما الإيمان:

الإيمان هو مسار الروح نحو الله وعلاقة سرية خفية تربط الخالق بالمخلوق وهذه العلاقة ليس لها هوية دينية محددة بمعنى ان الشعور بمحبة الله ليس له اسم ديني سواء كان اسلامي او مسيحي او يهودي او غيره فهو شعور انساني عفوي ينطلق من الأعماق بلهفة وشوق نحو المحبوب الأعلى وسر الأسرار ومن خصائص الإيمان انه يوحد بين البشر جميعا ويربطهم بهدف واحد مشترك هو محبة الله بينما الأديان تفرق بين الناس وتدعوهم الى الأنتماء اليها واقصاء الآخر والايمان يعصم الانسان عن الخطأ في حال أصبح المقياس للتفكير والسلوك هو محبة الله وعدالته بينما اذا اصبح الدين هو المقياس وفتاوى رجل الدين هي البيان الرسمي الناطق بأسم الله سيقع حتما البشر في الاخطاء والصراعات والحروب الدينية وجرائم الإرهاب.

فلابد من تحرير صورة الله من احتكار الأديان لها والتحدث بأسمها وعندما يدرك الانسان ان احكام الأديان وشرائعها هي عبارة عن فكر بشري وجد لتلبية حاجات مرحلة تاريخية معينة وانتهى دورها وان الوعي البشر وتطور الحياة ومبدأ حرية الانسان تفرض البحث عن طرق جديدة لتنظيم الحياة اذ ان الدين كان في مراحل التاريخ الأولى بديلا عن القوانين والدساتير ولكن التطور البشري تجاوز هذه الاحكام والشرائع الدينية وفي نفس الوقت عزز التطور البشري القيم الاخلاقية النبيلة التي سبق ظهورها الأديان.

ومن المهم جدا تحديد الأولويات والتوجه نحو الهدف الأعلى وهو الإيمان بالله ومحبته والتخلص من الوقوع في مشكلة إستعباد الأديان ورجل الدين للانسان اذ أصبحت الممارسة الدينية ليس هدفها الإيمان بالله وانما هي عبادة المسميات الدينية والطوائف ورجال الدين والإرتهان للأحكام والشرائع ونسي الناس الغاية الأولى والأهم وهي الله.

ان فصل الله عن الأديان والتفريق ما بين الدين والإيمان ضرورة تفرضها مستلزمات العقل وعدالة الله وحقوق الانسان وتطور الحياة وحق الانسان في حرية حب الله بعيدا عن المسميات والأطر الدينية.

[email protected]