في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمبنى مجلس النواب العراقي ظهر يوم الثلاثاء الماضي، السابع من ايلول-سبتمبر الجاري، قال مرشح الائتلاف الوطني لرئاسة الحكومة العراقية والقيادي في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عادل عبد المهدي quot;سأعرض اعمالي على اخواني للتدقيق والمراجعة وسأواصل جهودي بكل عزم وقوة ما دمت ساتمتع بالتأييد اللازم وما دمنا نحقق سوية التقدم المطلوب.. اما اذا فقدت التأييد او اذا ما تحول ترشيحي الى عقبة فساعتذر لشعبي واخواني واعيد الامانة لمن سلمني اياهاquot;. ومن المؤكد ان عبد المهدي يدرك ربما اكثر من غيره ان طريق الوصول الى رئاسة الحكومة العراقية المقبلة شائك ووعر وفيه الكثير من العوائق والمطبات، وفترة الستة شهور الماضية التي اعقبت الانتخابات البرلمانية في السابع من اذار-مارس الماضي، والتي لم تشهد سوى المزيد من التقاطعات والتجاذبات بين الفرقاء السياسيين كافية للتدليل على عمق المأزق السياسي العراقي، والمتمثل اساسا بعقدة quot;رئاسة الوزراءquot;، وهذا مادفعه الى ان يطلق اشارة مبكرة على مرونته واستعداده للانسحاب والتراجع متى ما اصبح ترشيحه عقبة بحسب وصفه. في ذات الوقت يمكن ان يفهم ماقاله عبد المهدي في هذا الشأن على انه دعوة ضمنية لكل من رئيس الوزراء المنتهية ولايته وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وزعيم القائمة العراقية اياد علاوي لسحب ترشيحهما وتقديم تنازلات لابد منها، لكسر الجمود السياسي الذي طبع المشهد العام للبلاد طيلة الشهور الستة المنصرمة. وحتى الان لاتوجد اية مؤشرات في الافق السياسي توحي بأستعداد المالكي وعلاوي للتخلي عن ترشحهما لرئاسة الحكومة، رغم ان فرصهما قليلة، وهي تنحسر وتتضاءل يوما بعد اخر، بحيث كرست حالة الجمود التي ربما يكون طرح اسم عادل عبد المهدي من قبل الائتلاف الوطني يوم الجمعة الماضي قد حلحلها بمقدار معين، واوجد حراكا من نوع اخر. والملفت ان الائتلاف الوطني طرح مرشحه بعد ستة شهور، وبعدما بدا ان المباحثات والحوارات العقيمة قد انهكت الفرقاء، وجعلت اليأس والاحباط يمتد من الشارع الى الكواليس والاروقة السياسية، وهذا ما اعطى زخما معنويا وسياسيا لعبد المهدي ظهر واضحا منذ البداية. واذا كانت هذه نقطة قوة وعنصر داعم لمرشح الائتلاف الوطني، فأن هناك نقاط قوة وعناصر داعمة اخرى من شأنها تعزيز فرصه للحصول على المنصب، من بينها انه يتمتع بعلاقات ايجابية وجيدة الى حد كبير مع مختلف القوى والشخصيات والفاعليات السياسية في الساحة العراقية، فمع الاكراد تربطه علاقات تأريخية قديمة، ونفس الشيء مع شخصيات سياسية في القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون، فضلا عن الائتلاف الوطني، ومنذ وقت مبكر اعلنت قوى عديدة من بينها القائمة العراقية (91 مقعدا)، انه في حال فشلت في الحصول على منصب رئاسة الحكومة، فأنها ستدعم عبد المهدي، ولن تؤيد بالمرة تولي المالكي رئاسة الحكومة لولاية ثانية، وهذا ما اكده مجددا قبل ايام قلائل عضو القائمة العراقية جمال البطيخ. حتى التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر الذي كان يمثل العقبة الرئيسية امام ترشيح عبد المهدي، فأنه في النهاية تبنى موقفا داعما ومساندا له بقوة، بحيث ان الكثير من المراقبين السياسيين يرون ان من يدعمه ويسانده التيار الصدري تكون حظوظه اوفر بكثير من منافسيه الاخرين. وهذا الدعم والتأييد يتأتى من الشخصية المعتدلة والمتوازنة التي يمتلكها عبد المهدي، بعيدا عن العقد والتشنجات والاحتقانات والمواقف الانفعالية التصادمية. الى جانب ذلك فأن عبد المهدي يحظى بقدر جيد من القبول في الساحتين الاقليمية والدولية، وهو يعد من الشخصيات السياسية العراقية التي لها امتدادات وحضور ملموس وواضح اقليميا ودوليا منذ وقت طويل. فهو بعد مغادرته العراق اواخر عقد الستينات ومع وصول حزب البعث المنحل الى السلطة في تموز ndash;يوليو عام 1968، سجل حضورا في الساحات والمحافل السياسية والفكرية والثقافية، اذ كان يعتنق الفكر اليساري الماوي، قبل ان يتحول الى الفكر الاسلامي اواخر عقد السبعينات ومطلع الثمانينات. وتحوله الفكري فتح له افاقا جديدة، واتاح له توسيع رقعة علاقاته وحضوره، اضف الى ذلك فأنه ارتبط بالمجلس الاعلى الاسلامي العراقي منذ بدايات تأسيسه في اواخر عام 1982 على يد اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في مدينة النجف الاشرف نهاية شهر اب-اغسطس 2003، أي بعد سقوط نظام صدام وبعد عودته من المهجر بشهور قلائل. وارتباطه بالمجلس الاعلى، بما كان يمتلكه من ثقل سياسي كبير في ساحة المعارضة العراقية، وفر له فسحة كبيرة اخرى ليطل من خلالها على اكثر من مشهد. والشيء المهم ان طرح اسم عادل عبد المهدي في مختلف الاوساط السياسية الدولية لايقابل بالتساؤل والاستفهام والاستيضاح، لان طبيعة شخصيته ورؤاه واطروحاته وتصوراته واضحة وناضجة ومقنعة الى حد كبير، ولعل وجوده لسنين طوال في فرنسا واحتكاكه المباشر بنخب سياسية وثقافية وفكرية واكاديمية غربية كان عاملا مهما في تشكيل فهم متبادل، يبدو انه قد يمثل واحدا من نقاط القوة في حوزته وهو يتنافس على رئاسة الحكومة العراقية المقبلة. بيد انه في مقابل ذلك هناك معوقات وعراقيل تقف في طريقه للوصول الى رئاسة الحكومة، من بينها صعوبة حصوله على النسبة المطلوبة من اصوات التحالف الوطني في حال تم اعتماد الية التصويت لحسم التنافس بينه وبين مرشح ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وهذه المشكلة يواجهها الاخير بنفس المقدار، مما قد يعني الذهاب الى مرشح تسويه يحظى بمساحة اوسع من القبول وان كان ضعيفا ويفتقر الى التجربة الكافية. والعقبة الاخرى تتمثل في ان عبد المهدي ينتمي الى تيار سياسي قريب من ايران، والاجندة الاميركية-وتلتقي معها ارادات ورغبات اقليمية-تتمحور حول تحجيم النفوذ الايراني في الساحة العراقية بكل الوسائل والاساليب الممكنة والمتاحة، ومنها العمل على قطع الطريق امام أي مرشح لرئاسة الحكومة من المجلس الاعلى او التيار الصدري الذي يمتلك هو الاخر علاقات جيدة مع طهران. ولعل هذا هو السبب الذي دفع الادارة الاميركية الى بذل جهود مضنية لبناء تحالف بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون ينتهي ببقاء المالكي على رأس الحكومة لاربعة اعوام اخرى، في مقابل تسلم العراقية رئاسة البرلمان ورئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا. بيد ان تحفظات العراقية على المالكي، واصرارها على حقها الدستوري بتشكيل الحكومة افشل كل محاولات وجهود نائب الرئيس الاميري جوزيف بايدن وفريق المختصين بالملف العراقي وفي مقدمتهم جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية في توجيه الامور بما ترغب به ادارة البيت الابيض. وجاء ترشيح الائتلاف الوطني العراقي ودعم التيار الصدري لعبد المهدي بمثابة لطمة قوية لواشنطن، لاسيما وان هذا الترشيح قوبل بردود افعال ايجابية وارتياح كبير من قبل مختلف الاوساط السياسية العراقية حتى ائتلاف دولة القانون، الذي سربت بعض الاوساط انطلاق رسائل مؤيدة لمرشح الائتلاف الوطني من قبل بعض مكوناته لاسيما كتلة المستقلين برئاسة وزير النفط الحالي حسين الشهرستاني. وينقل بعض المقربين والمطلعين على جانب من تفاصيل المباحثات والمفاوضات المارثونية، ان المسؤولين الاميركان قالوا صراحة للساسة العراقيين انه لامشكلة لديهم مع عادل عبد المهدي كشخص، ولكنهم يتخوفون من الاجندة الايرانية التي يمكن ان تفرض عليه، خصوصا بعد ان تغير موقف الصدريين حياله مائة وثمانين درجة. ولاشك ان الشد والجذب بين العوامل المساعدة والعوامل المعرقلة لتولي عبد المهدي رئاسة الحكومة ستتداخل مع العوامل المناظرة لها بالنسبة لمنافسه الرئيسي في داخل اطار التحالف الوطني نوري المالكي، وللمنافس الاخر اياد علاوي الذي يراهن على فشل التحالف الوطني في التوصل الى مرشح واحد، ليكون الطريق سالكا امامه للتصدي للمهمة. وحتى الان فأن القراءات الاجمالية للمشهد العراقي ترجح كفة عبد المهدي على الاسماء الاخرى، بيد ان ما ينبغي الاشارة اليه هو ان ايقاع الحراك السياسي في الساحة السياسية العراقية مضطرب وخاضع للمتغيرات والتحولات والمفاجات الانقلابات الكبرى في المواقف والتوجهات، وهو ما يبقي خيار مرشح التسويه، الذي وصفناه في مقال سابق بــquot;الحل الصعبquot; قائما، وموضوعا على الطاولة وليس على الرف!
- آخر تحديث :
التعليقات