في كثير من المقالات التي تُنشر, والتي تهتم بالشئن العراقي وفي صحف كثيرة ومنها أيلاف طبعا ً, نقرأ الكثير من تعليقات القراء الذين يقارنون بين الوضع الحالي في العراق والوضع في ظل نظام صدام حسن السابق. فتراهم يترحمون على مامضى من عهد ويصفونه بأنه كان الأفضل. فهل هناك مقارنة بين الوضعين؟ وهل صحيح أصلا ً أن نقارن بين العهدين؟

للإجابة عن تلك الأسئلة أريد أن أسرد قصة من التراث الشعبي العراقي, يمكن أن تكون مدخلا ً لموضوعنا. هذه القصة إسمها قصة (شعيط ومعيط).

يُحكى في التراث الشعبي العراقي أن هناك سارق وقاطع طريق في البصرة أسمه معيط. كل الناس تعرف وتلعن معيط لعنا ً شديدا ً لأنه كان يسرق أكفان الموتى الذين يُجلبون من أيران فيُدفنون في البصرة بإسم الوديعة لحين نقلها بالقوارب التي تسمى الكلك إلى الكوفة, عبر شط العرب ونهر الفرات, ومن ثم إلى النجف حيث مستقرها الأخير. فلما مات معيط ارتاح الناس من شره فصاروا يلعنون معيط أمدا ً طويلا ً ليرتبط أسم معيط باللعن. لكن معيط وقبل أن يتوفاه الأجل أوصى إبنه شعيط بإن لايدخر جهدا ً برفع اللعن عن أبيه معيط. فكر شعيط كثيرا ً بالأمر فتوصل إلى حل وحيد يقوم به ليرفع اللعن عن أسم أبيه, وذلك بالقيام بفعل أكثر شناعة من فعل أبيه, وذلك لينسى الناس أبيه ويلعنوه هو بدلا ً عن أبيه. وعلى هذا الأساس قام شعيط بسرقة أكفان الموتى كما كان يفعل أبيه لكنه لم يكتف بذلك فقام بوضع خازوق بمؤخرات هؤلاء الموتى ممثلا ً بهم. فلما عرف الناس صاروا يرددون رحم الله معيط الذي كان فقط يسرق أكفان الموتى ولعنة الله على شعيط الذي يقوم بالتمثيل بها. وبهذه الحيلة رفع شعيط اللعن عن أبيه معيط بذكاء شيطاني.

يقال ان الأمثال تضرب ولاتقاس. فحال الشعب العراقي المسكين كحال الموتى الذين سرقت أكفانهم ومُثل بهم بين شعيط ومعيط. وعلى هذا الأساس صار الناس يترحمون على عهد النظام السابق بكل قسوته و جرائمة لأنهم يشهدون اليوم عهدا ً أكثر قسوة وإجراما.

إن المقارنة بين عهدين وتفضيل أحدهما على الآخر خطأ كبير, وذلك لأنه لايوجد عهد أفضل من عهد. فالعهد السابق مهد كثيرا ً لظهور العهد الحالي. فكما لايخفى على أحد أن النظام السابق قام بتهديم كل مؤسسات الدولة التي أنشأت في العهد الملكي بكل مفاصلها وقام بتحويلها إلى أدوات بيد حزب واحد يتحكم بها. بل قام بإنشاء مؤسسات جديدة على أسس خاطئة لخدمة ذلك الحزب الواحد. فقد كانت المحسوبية والفساد منتشران بشكل كبير بأغلب مؤسسات الدولة التي أبتلعها حزب البعث من خلال الولائات, ليشل الحركة السياسة بعد تصفية الاحزاب الأخرى لتبقى الساحة فارغة أمام حزب واحد ورجل واحد. وعلى هذا الأساس نشأت ثقافة جديدة لدى عامة الشعب وهي ثقافة عدم الثقة بالدولة وبمؤسساتها مما مهد لضعف الروح الوطنية. إن أكبر ضربة وجهت للشعب العراقي هي في فترة الحصار الاقتصادي التي أتت على ماتبقى من تلك المؤسسات ومنها المؤسستين القضائية والتعليمية, بل تعداها ليصل إلى المنظومة القيمية الأخلاقية لتنهار أمام شح الحال الذي فرضه المجتمع الدولي أضافة إلى حصار دولة الحزب الواحد لذلك الشعب المسكين.

بعد الغزو الأمريكي للعراق كان العراق بحاجة إلى بناة أكثر من حاجته لساسة وقيادات أتت من خارج الحدود. لقد كانت أخطاء المحتل كثيرة جلبت الويلات للشعب العراقي ليتممها السياسيون الحاليون الذين لم يدخروا وسعا ً بسرقة أموال الشعب بشكل قانوني كرواتب خيالية أو بشكل غير قانوني كصفقات مشبوهة. أن هاجس الخوف من البقاء كمعارضة جعل الأحزاب التي تحكم العراق اليوم تتهافت على تقوية نفوذها بقولبة مؤسسات الدولة, وحتى الدستور, على مقاساتها وعلى حساب الروح الوطنية التي تحولت إلى إنتماء طائفي وعشائري وحزبي. لتدخل في صراع على السلطة فيما بينها تاركة المواطن يعيش بين النفايات بعيدا ً عن الكهرباء والماء النقي. لينتشر القتل والتشريد والتهجير أكثر مما شهده العهد السابق. وليحكم الفساد المالي عقول الساسة وأتباعهم بعيدا ً عن الروح الوطنية التي كان العراق بحاجة لها للبناء.

فكما ورث شعيط عقلية معيط بالسرقة, فقد ورث العهد الحالي عقلية العهد السابق بالسرقة والفساد والإستبداد أيضا ً رغم الشعارات الديمقراطية المرفوعة. فمن الخطأ الترحم على العهد السابق بحجة فساد العهد الحالي وما هما إلا إمتداد لبعضهما كإمتداد شعيط لمعيط في السرقة وقطع الطرق.