لتقييم أداء أية حكومة لابد من الرجوع الى البرنامج الذي وضعته تلك الحكومة، ليتمكن المراقب أو المحلل السياسي من تقدير نجاحاتها ومكتسباتها،ومدى إيفاء تلك الحكومة بإلتزاماتها الواردة في البرنامج الإنتخابي الذي هو الأساس لنيل ثقة الناخب في الإنتخابات.
وفي حال رجعنا الى البرنامج الذي قدمته حكومة الإقليم برئاسة برهم صالح سنصل الى قناعة بأن هذه الحكومة لم تقدم شيئا يذكر، ولم تلتزم بالكثير من الوعود والعهود التي قطعتها على نفسها أمام الناخب الكردي.
فمنذ توليه السلطة، مارس برهم صالح دوره في قيادة الحكومة، وكأنها حكومة تصريف أعمال فقط، ويبدو أن ذلك راجع الى السبب الذي ذكرناه في متن المقال السابق، وهو تقييده من قبل قيادة حزبه بمهلة السنتين لرئاسة الحكومة، ورغم أن مجرد قبول برهم برئاسة الحكومة وبهذه الصيغة يعد منقصة له، لأن آمال العديدين كانت معقلة به كما فصلنا في المقال السابق، وأن معظم من صوتوا للقائمة الكردستانية أرادوا من خلال تصويتهم أن يفرضوا مبدأ التداول السلمي للسلطة بين الحزبين بغية معالجة مشاكلهم الحياتية، ولكن يبدو أن برهم قبل بذلك المنصب لإعتبارات تتعلق برغبته في الحصول على بريق إعلامي وبناء مستقبله السياسي أكثر من رغبته بمعالجة الأمور والمشاكل، وإلا كان عليه أن لا يخاطر بمستقبله السياسي برئاسة حكومة لمدة سنتين لم ولن تكون كافية بالمطلق لتطبيق برنامج حكومي بضخامة حجم برنامج القائمة الكردستاني الذي صوتت له جماهير واسعة بكردستان.
مع ذلك فإن رئاسة برهم للحكومة واجهت بطبيعة الحال بعض العقبات والعراقيل وهي نتاج الصراع السياسي والحزبي الموجود في كردستان منذ ما يقرب من نصف قرن بين حزبه وغريمه الآخر، بل وفي داخل حزبه تحديدا، فكثير من قيادات الإتحاد الوطني عارضت ولو ضمنا تبوأ برهم للمنصب، ورأوا أنه أقل إستحقاقا من الآخرين من رفاقه لقيادة الحكومة، وذهب البعض منهم الى القول بأنه لولا الحاجة الشعبية الملحة لتداول السلطة بين الإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني،ولولا الإتفاق الإستراتيجي الموقع بين الحزبين، والذي يقضي أحد بنوده على تداول السلطة، لما كان بإمكان برهم أن يصل الى رئاسة الحكومة الإقليمية، خصوصا وأن الحزب الديمقراطي الكردستاني إستطاع خلال السنوات الـ12 التي قاد فيها نيجيرفان بارزاني حكومة الإقليم التابعة للحزب في محافظتي أربيل ودهوك، أو من خلال الحكومة الموحدة التي قادها خلال الأعوام 2005-2009، أن يقدم نموذجا ناجحا لإدارة الحكومة، وأن يكسب بارزاني من خلال برنامجه الحكومي دعما شعبيا واسعا لحزبه وحكومته، وبذلك فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يكن أصلا بحاجة الى إشراك غريمه الإتحاد الوطني في جني ثمار مكاسبه الشعبية والحزبية في إقليم كردستان، ولكن كما يقال للضرورة أحكام، خصوصا حاجة أمريكا الى ضرورة إقرار السلام بين الحزبين في الإقليم، لتتمكن من التفرغ لشؤون العراق ومحاربة الإرهاب فيه.
إنتهج برهم صالح منذ بداية تسلمه رئاسة الحكومة سياسة مناطقية أغضبت كثيرا حليفه الإستراتيجي الحزب الديمقراطي، وتمثلت تلك السياسة بإيلاء أكبر إهتمامات حكومة الإقليم بمنطقة السليمانية، حتى أن برهم وهو إبن السليمانية خصص ثلاثة أيام من الأسبوع للتواجد في السليمانية وممارسة مهامه الحكومة هناك، وأنشأ فعلا مكتبا بديلا عن مجلس الوزراء هناك، وطبعا هذه السياسة أدت الى إنتقادات عديدة، خاصة تصريف جل جهده والإمكانيات المتاحة أمامه لرفع وتيرة المشاريع الحكومية في منطقة السليمانية على حساب بقية المحافظات والمناطق الأخرى، فمنذ وصول برهم الى رئاسة الحكومة لا يلاحظ المراقب تنفيذ أية مشاريع جديدة في أربيل أو دهوك، خصوصا المشاريع الستراتيجية، والرجل معذور الى حد ما خصوصا وأن حزبه خسر شعبيته بالكامل في السليمانية بعد ظهور حركة التغيير التي إنتزعت معقله التقليدي وهو السليمانية في الإنتخابات البرلمانية الكردستانية، ولكن ما لا يعذر منه برهم صالح هو تكريس موارد حكومته وجهد مؤسساته لمشاريع منطقة معينة على حساب أخرى.
ومن المؤاخذات الأخرى على برهم أنه لم يستطع لحد اليوم أن يوحد الحكومة الإقليمية ويخلصها من مشكلة الميزانيتين المنفصلتين، ومن جهازين أمنيين منفصلين، وقوات بيشمركة منقسمة على ذاتها وولائها، على الرغم من أن الحكومة السابقة برئاسة نيجيرفان بارزاني إستطاع الى حد ما إحتواء الصراع المزمن بين الحزبين بإعطاء دور أكبر لوزراء الإتحاد الوطني بحكومته.
وفيما يتعلق بآفة الآفات وهي الفساد الإداري والمالي، وبرغم كل الآمال التي علقت على رئاسة برهم، لكنه فشل فشلا ذريعا في الحد من تلك الظاهرة المقيتة، بل أنه عجز تماما حتى عن تقليل وتيرتها بإدارته، هذا بالاضافة الى مايتردد عن تورط عدد من المقربين من الدائرة الصغيرة المحيطة به بالفساد دون أي محاسبة.الى جانب تعيين عدد كبير من أنصاره والموالين له في مناصب رفيعة بالحكومة خصوصا في محافظة السليمانية، ناهيك عن إستقدامه لعشرات من أصدقائه في الخارج وزجهم في الجهاز الإداري للحكومة دون أن يمتلكوا أية خلفيات إدارية أو دراية بكيفية تصريف الشؤون في كردستان..
خلال السنة التي تولى فيها برهم صالح رئاسة حكومة الإقليم لم يستطع تقديم أية حلول للكثير من الأزمات التي عانى منها المواطنون.. فالغلاء إستمر بوتيرة أكبر، ووصلت الى حدود قياسية لم تشهدها كردستان من قبل،مع إرتفاع معدل التضخم، ووقفت حكومة برهم صالح متفرجة دون أن تتدخل لوضع حد لهذا الغلاء الفاحش الذي أفقر فئات كبيرة في المجتمع الكردستاني.
ورغم أن حكومة الإقليم السابقة برئاسة نيجيرفان بارزاني كانت قاب قوسين أو أدنى من إلإعلان عن نهاية مشكلة الكهرباء في الإقليم، حتى تردد في حينه أن الحكومة بصدد رفع المولدات الأهلية من الأحياء ومحلات المدينة، عادت المشكلة كما كانت في السابق، فلولا تلك المولدات الأهلية التي تستنزف أموالا كبيرة من ميزانية الأسر الكردستانية لما إستطاعت الحكومة الإقليمية الحالية أن تفي بإلتزاماتها بتحسين وضع الكهرباء في الإقليم، فتلك المولدات تتولى بالنيابة عن الحكومة توفير الجزء الأكبر من الطاقة الكهربائية لمنازل المواطنين في ساعات الذروة.
في ظل حكومة برهم صالح تصاعدت أسعار الوقود الى أرقام قياسية، على الرغم من أن حكومته أصبحت تصدر كميات كبيرة من المشتقات النفطية الى الخارج، فلا المحطات الحكومية إستطاعت توفير البنزين المحسن لسيارات المواطنين، ولا إستطاعت الحكومة أن توقف تجار الوقود عند حدهم من إستنزاف جيوب المواطنين، في الوقت الذي تدعي حكومة الإقليم أنها تعوم فوق بحر مكتشف من النفط في كردستان.
في عهد برهم زاد التضييق على الحريات الصحفية، وصلت في بعض الأحيان الى قتل عدد من الصحفيين، وإقامة مئات الشكاوى القضائية ضد الكتاب والصحفيين والصحف والمجلات، وكانت تقارير منظمة هيومان رايتس ووتش وغيرها من المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الصحفيين زاخرة في عهده بإنتهاكات خطيرة للحقوق والحريات الصحفية.
سنكتفي بهذا القدر من النقاط التي يؤاخذ عليها برهم وحكومته، وسنحاول في الحلقة المقبلة أن نقيم شخصية برهم صالح وأن نحدد بعضا من أسباب فشله في إدارة حكومة إقليم كردستان.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات