الديمقراطية نهج في الحياة أختارته العديد من شعوب العالم في التعامل و العلاقات بشأن القضايا الحياتية لتلكم الشعوب، نهج سلمي للحوار قائم على قاعدتين أساسيتين هما الحرية و المساواة بين الأفراد بغض النظر عن الجنس أوالعرق أو المعتقد، ويصبح الحوار السلمي بمختلف أبعاده و أنمطته بودقة لصهر الأفكار والرؤى للوصول الى أتفاق،ألجميع أو ألأغلبية المعبر عنها برغبة الناس و وفق معايير مختلفة منها البطاقة التصويتية.

ظهر النهج الديمقراطي وتتطور عبر مئات السنين، وأخذ أبعادا وأشكالا مختلفة، نتيجة تطور الشعوب ومجتمعاتها في مختلف نواحي الحياة، ولعبت الطبقة الوسطى دورا هاما في ذلك كونها دافعة الضرائب للدولة ولها الحق في التأثير على مسارات الحكومة، وفي ذلك تم رفض الشمولية كنظام سياسي وأجتماعي.

وفي مجتمعات مثل المجتمع العراقي الذي أجهض فيه تطور الطبقة الوسطى ومعها النهج الديمقراطيو عبر عشرات السنوات، بحيث عجزت الطبقة الوسطى في التأثير في مسارات الحياة في العراق، كما أن طبيعة الأقتصاد العراق الريعي (موارد النفط وليس الضرائب) هي المصدر لمالية السلطة، أدى الى فقدان التطور التاريخي للطبقة الوسطى وتأثيرها.يضاف الى ذلك أمتزاج النضال الوطني والنضال الديمقراطي، والنضال الوطني ضد الاستعمار لم تكن موضوعة لديمقراطي أوربا وفلاسفتها.

استطاعت الثورة الأعلامية،ثورة الأتصالات، من التقريب للناس قوة المثل في الديمقراطية والأنتخابات والمسؤولية والمحاسبة وبذا سهلت مهمة الديمقرطيين بحيث لم يعد دور العامل الأقتصادي ( الطبقة الوسطى ) وحيدا بين فئات المجتمع تبني الديمقراطية والمطالبة بها، أن قوى المثل هذه وشعبيته دفعت الأحزاب الدينية التي كانت ترتجف لكلمة الديمقراطية أن تتبناها ألان وتدعو لها وعلى طريقتها الخاصة بحصرها بالبطاقة التصويتية، ولكن الديمقراطية ومنهجها في الحياة أوسع من ذلك بالكثير، نهج للحياة.

أختلف نهج الشعوب التي خرجت من نظام الشيوعي الشمولي، الشعوب التي كان لها أرث ديمقراطي أستطاعت أن تتجاوز محنة التحول الى الديمقراطية وأصبحت تمارسها نهجا في الحياة أما الشعوب التي لم يكن لها موروث ديمقراطي فقد سقطت من جديد في براثن أنظمة دكتاتورية من قبل نفس الأشخاص أو غيرهم ولكن بأدوات ونظم دكتاتورية جديدة، وفي العراق حيث لا أرث ديمقراطي مؤثر في السابق ولا حالة من وجود ديمقراطي منظم واسع بحثت الناس عن أنمطة مؤثرة على الساحة الواسعة في التعامل، المؤسسة الدينية والعشائرية وبذا فتح الباب مجددا لأحتمالات عودة الدكتاتورية بشكل جديد وأسماء جديدة.

أستطاع النظام السابق تصفية أو أضعاف كل المؤسسات ليحتكر العمل السياسي لنظامه ولكنه فشل في تصفية المؤسسة الدينية وشجع المؤسسة العشائرية، ولذا بعد أسقاط النظام و سقوط منظمته السياسية من قبل الولايات المتحدة ألأميركية وجدت كل من المنظمة الدينية والعشائر ألأمكانيات الواسعة التي أنفتحت أمامها مستفيدة من المساجد والحسينيات والمضايف لتوسيع نفوذها وأدخلت قضية الطائفية السياسية لتصبح أداة لخدمتها للوصول الى مراكز السلطة.

اما الديمقراطيين العراقيين المنظمين منهم و المستقلين، وجدوا أنفسهم عاجزين أمام أندفاع الاحزاب الدينية و زعماء العشائر ولم يستطيعوا القيام من كبوتهم هذه حتى يومنا هذا.
ألاسباب الموضوعية والذاتية لعجز الوسط الديمقراطي.

ألاسباب الموضوعية
ذكرت في الأسطر السابقة العديد من الاسباب الموضوعية منها، عدم تطور الفئات الوسطية لتصبح عامل مؤثر،الدولة الريعية، ضعف ألأرث التاريخي،ألأنظمة الدكتاتورية بأشكالها المختلفة التي عاشها العراق منذ تأسيسه، السلوك الهمجي للنظام السابق تجاه المؤسسات السياسية ألأخرى، خطط و سياسات قيادات التحالف الذي أسقط النظام السابق، المحيط الغير الديمقراطي لمعظم دول الجوار.

ألأسباب الذاتية
عوامل ذاتية عدة ساهمت في أيصال الوسط الديمقراطي الى ما هو عليه من ضعف و تشرذم وتعود جميعها الى خلفيات أيديولوجية أو أجتماعية و ثقافية مختلفة و عدم التفريق بين البرامج الحزبية والنضال من أجل الديمقراطيةأو من سلوك سياسي فردي يطلب الزعامة. هذه العوامل جميعا أنعكست على مجمل النشاط السياسي العراقي بحيث لم تستطع القوى الديمقراطية العراقية أن توحد نشاطاتها ألا فترة قصيرة في أنتخابات 1954 أو تشكيل جبهة ألأتحاد الوطني التي لم تكن مقتصرة على المنظمات السياسية ذات البرامج الديمقراطية.

- أعتقد أن العقدة الأساسية في تطور العمل السياسي العراقي هو عدم الوضوح لدى العديد من القيادات ما بين النضال من أجل ألأستقلال الشامل وعدم الرضوخ لحكم الأجنبي المباشر أو غير المباشر والعمل من أجل الديمقراطية المتمثلة بمؤسسات للدولة من جهة، وقيام منظمات سياسية وأجتماعية من جهة أخرى.

وأحيانا أخرى طغت البرامج السياسية للأحزاب على برامجها من أجل الديمقراطية، وتمت التضحية بالأخير لمصلحة البرنامج السياسي والمعادلات السياسية التي ترتأيها قيادات الأحزاب بحيث ضحت قيادات الأحزاب بأسس الديمقراطية والتطلع الديمقراطي في سبيل ما كانت تعتقده من ضرورة لتطور البلد، لقد عبر هذا الموقف من ألأستهانة بالديمقراطية بأعتبارها ليست من اوليات العمل بأشكال مختلفة ومن قبل مختلف قيادات الأحزاب التي تدعو برامجها للديمقراطية، وأدت هذه المواقف الى تناقض ما بين دعاة الديمقراطية والأحزاب السياسية الديمقراطية، وأدى ألى عدم تجذر النضال من أجل الديمقراطية، بل ما حصل هو التأكيد على النضال والعمل السياسي الوطني من دون ألأخذ بنظر ألأعتبار كونه ديمقراطي أو غير ديمقراطي.

لقد أدى المزج بين عمل الأحزاب السياسية والعمل من أجل الديمقراطية الى ضعف الثقافة الديمقراطية في مجتمعنا،وهذا شيئ منطقي حيث أن الأحزاب تعمل وفق برامجها السياسية وفي ما تعتقده من مصلحة لتحقيق تلكم البرامج على حساب العمل من أجل ترسيخ الديمقراطية. لقد عبر هذا الخلاف عن نفسه بأشكال شتى منها.

- الديمقراطية داخل هذه المنظمات، حيث نلاحظ أن الديمقراطية كانت شبه معدومة أن لم تكن معدومة داخل المنظمات السياسية الديمقراطية وبهذا لم يتطور العمل الفكري داخل هذه الأحزاب بل بأتجاه أمر وضبط حديدي غلق الباب أمام أي حوار ديمقراطي أو تطور ديمقراطي بل وصل ألأمر الى تحريم أدبيات سياسية ديمقراطية كونها تحريفية أولدى البعض ألأخر يسارية أكثر مما يتطلبه الواقع السياسي، هكذا قررت قيادة ذلك الحزب وعلى الجميع الطاعة أو ينتهي ألأمر بالأنشقاقات وتشكيل منظمات جديدة.

- شخصنة العمل السياسي لبعض التنظيمات السياسية الديمقراطية فأذا مرض الشخص مرض الحزب.
- أستنادا الى أيديولجيتهم تفرض الأحزاب نفسها وصيا على الديمقراطيين ومنظماتهم مستندين الى فهم ميكانيكي خاطئ لتلك الأيديولوجية، ومع ألأسف أستمر هذا السلوك حتى يومنا هذا.

- عدم أحترام الأحزاب الديمقراطية لحق الفرد الديمقراطي الغير أيديولوجي من يسعى مع أفراد ديمقراطيين أخريين في توحيد أنفسهم في منظمات سياسية غير أيديلوجية، وكون الديمقراطية ليست أحتكارا لليسار السياسي فقط، وأنها نهج في الحياة يمارسه مئات الملايين من البشر غالبيتهم غير مؤدلجين وغير يساريين.

-تشديد الصراع الغير المبرر داخل ألأتجاه الديمقراطي ومنظماته مما أضعفها جميعا، ونشاهد هذا بوضوح،ومرجع هذا السلوك غير ديمقراطي للمنظمات السياسية التي تدعي الديمقراطية، حيث ترفض أليات الحوار ويبقى مبدأ رأي صحيح لا يقبل الخطأ،ومع الأسف ما زال هذا الوضع قائما الى الوقت الحاضر.

-أختزال المنظمات الجماهيرية من نقابات للعمال وأتحادات للطلبة وجمعيات فلاحية وغيرها من منظمات المجتمع المدني الى منظمات تابعة للأحزاب حيث تفقد هذه المنظمات أستقلاليتها بالرغمأنه من المفروض أن غالبية المنتمين لهذه المنظمات من غير الحزبيين، بل يجري التفريط بهذه المنظمات عندما تستدعي التحالفات السياسية التضحية بهذه المنظمات.

ختاما أعتقد أنه من واجب الديمقراطيين العراقيين المستقلين وهم الاكثرية توحيد أنفسهم ضمن برنامج ديمقراطي واضح يفسح المجال لانضمام الديمقرطين المستقلين من خلفيات أجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة، وأن تم ذاك عندئذ تأتي المرحلة الثانية في العمل والتنسيق مع المؤسسات السياسية المختلفة ضمن المفاهيم الديمقراطية لمصلحة التطور الديمقراطي في العراق للوصول الى الدولة المدنية الديمقراطية العصرية.


لندن قدمت الى ندوة الأزمة السياسية في العراق وضعف دور التيار الديمقراطيالتي أقامتها لجنة دعم الديمقراطية في العراق 17/9/2010