من يقرأ مقالات الباحث السوري في شؤون الأقلياتquot; سليمان يوسفquot; في الأونة الأخيرة، يلاحظ أننا امام تحليل للواقع في المنطقة يستند إلى مقدمة واحدة، وهي ان هنالك إسلام عربي وانا استعرت منه مصطلح المشرقية، فنصبح أمامquot; إسلامية مشرقيةquot; باعتبار أنه يرى أن المسيحيين في المنطقة غالبيتهم ليسوا عربا، واسماهم مسيحيي المشرق، والطرف الآخر هو المسيحية المشرقية والصراع قائم على قدم وساق، وله سمة اقتلاعية، ودموية في بعض المناطق، وما تبقى من استشهادات وووقائع هي لتخدم هذه المقدمة، وكي يؤكد عليها، فهو في مقاله الأخيرquot;نعم، المسيحية المشرقية قلقة، تواجه خطر الاقتلاعquot; على صفحات إيلاف يرد على الباحث السوري ميشيل كيلو، في مقالته quot;مسيحية قلقةquot; جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 31-8-2010quot; التي يتحدث فيها ميشيل عن أخطاء بعض الكنائس العربية.
لن أدخل في هذه القضية التي عالجها السيد كيلو، لكن سأعود إلى الحوار مع الصديق سليمان يوسف ومقالته.
في هذا المقال يعالج مشكلة الأقليات المسيحية في العراق ومصر ولبنان، وبشيء من الإسهاب في حجم مقالة! ولكن عندما يصل للحديث عن سورية فيكتفي بهذا المقطع:
في سوريا، رغم التسامح الديني والحياة الوطنية المشتركة بين مختلف الديانات والمذاهب والمكونات السورية، يخشى مسيحيو هذا البلد الآمن من أن يؤدي الصراع على السلطة يوماً الى صعود quot;الحركات الاسلاميةquot; وخسارتهم لهامش الحريات الدينية والاجتماعية المتاح لهم في ظل الحكم القائمquot;.
إذا كان يا سيدي في تسامح في سورية بين مكوناتها فلم الخوف والقلق إذن؟ يجيب الرجل بلا تردد أن السبب هو خوفه من سقوط النظام في ظل الصراع على السلطة لصالح الحركات الإسلامية، لأن النظام الحالي هو حامي المسيحيين! أعتقد هذه النقطة، رغم خطورتها وتزويرها للتاريخ المسيحي في سورية، لا تحتاج إلى كثير رد، لأنه سبق وان رددنا عليها أنا وغيري، ويمكن في هذا السياق العودة لدراسة عبد الرحمن الحاج عن ظواهر الإسلام السياسي في سورية، العيش المشترك لم يؤسسه هذا النظام بل خربه لصالح طريقة عيش يريدها هو فقط، أقصد تريدها مصالحه، العيش المشترك رغم تحقظاتنا على الكثير من القضايا، مؤسس في سورية منذ زمن بعيد، رغم محاولة فرنسا أن تلعب على هذا الوتر أثناء استعمارها لسورية، لتستقطب الفعاليات المسيحية السورية*، ولكي تبقي قضية التلاعب بين مكونات السوريين في خدمتها، وهذه سياسة فرنسية مشهود لها بخراب كل البلاد التي مرت بها، على عكس انكلترا، التي تركت وراءها نظما ديمقراطية بالحد الأدنى، والهند وباكستان وبنغلادش نماذج تشكل سدس الكرة الأرضية،، ومن جهة أخرى هذه النغمة المتخوفة على النظام من مجيء تيارات إسلامية إلى الحكم، هي تأسيس إسرائيلي- مع نخب فاعلة في أمريكا وأروبا، لها مصلحة باستمرار سورية خارج معادلة دولة طبيعية غير مدولنة.
إذا في النهاية: البحث عن أية مشكلة أقليات، يجب بحثها في المستوى السياسي، لأنها إنتاج سياسي،،،
طالما ان هذا النظام يحمي حرية المسيحيين السوريين، لماذا ازدات الهجرة المسيحية بعد مجيئه أي بعد عام 1970، بالمناسبة الهجرة المسيحية وغير المسيحية من سورية الطبيعية، كلها كان لها سبب واحد فقط، وهو الوضع الاقتصادي لسكان سورية من مختلف انتماءاتهم المذهبية والطائفية والدينية والقومية، ومنذ أواخر العهد العثماني وحتى اللحظة، لم تحدث هجرة في سورية الطبيعية نتاج لهروب أو استجابة لمحاولة اقتلاع قامت بها quot;الإسلامية المشرقيةquot; يا صديقي معقول أن تختصر التسامح الموجود في سورية كما تقول بسبب وجود هذا النظام؟ حتى الباحثين الغربيين والإسرائيليين عندما يسوقون هذه الأفكار حول الخوف على النظام من تيارات إسلامية، لايبيضون صفحته بهذا الشكل وبهذا التعسف في الحكم.
ولدي فعلا سؤال: أين هي تيارات الإسلام الجهادي الاقتلاعي في سورية؟ أرجو أن تبينها لنا ربما نغير رأينا ويصبح قلقنا على مسحيي سورية أكبر من الآن؟
وطالما أنك ياسيدي لست عربيا كما تقول، على الأقل عالج مشكلة الأقلية المسيحية في سورية، ولماذا هاجرت ولماذا لازالت تسعى للهجرة؟ واستعن بأمثلة من العراق ومصر ولبنان، أما ان تتحدث عن مصر مهاجما السلطة هناك، رغم انها تستحق هذا في ممارساتها بخصوص المسألة القبطية سياسيا، وتعود لتألب الرأي العام ضد المجتمع السوري لصالح النظام، فهذا أمر اسمح لنا فيه،،،رغم ما تمرره من عبارات هنا وهناك عن ديمقراطية وعلمانية وماشابه!
أكثرية سكان الجزيرة السورية هي أكراد وعرب مسيحيين ومسيحيين غير عرب كما تقول أنت عن السريان والآشوريين، والهجرة الأكبر لمسيحيي سورية كانت من منطقة الجزيرة، فهل هاجروا لوجود إسلامية مشرقية اقتلاعية؟ أم هاجروا لأسباب أخرى أهمها السبب الاقتصادي والفقر كما يفعل اشقاءهم من الكورد والعرب، رغم أن الهجرة الكردية لها سبب سياسي وهو اضطهاد الأقلية الكوردية، من قبل السلطة السياسية، ومع ذلك أكثرية الهجرة الكردية سببها اقتصادي أيضا، أما الهجرة المسيحية لم يكن مطلقا لها علاقة بشعور بالخوف من الإسلامية المشرقية، وهنالك ملاك أرض هجروا بسبب مجيء البعث وقرارات التأميم، أي هذا النظام الذي تخاف عليه! أنا في الحقيقة ليس لدي معطيات تسمح لي بالحديث عن أسباب هجرة الأقباط غير الأسباب الاقتصادية.
***
الإسلام السياسي الحالي في سورية، له حاضنتان الأولى- سلطوية عبر ما يمكننا تسميته الدين المتاح من قبل السلطة والمدعوم منها، وهذا الإسلام المتاح، يتحدث أكثر مما تتحدث حضرتك عن العيش المشترك الذي يوفره النظام السوري، لمكونات المجتمع السوري، وهذه سبق وتعرضت لها في مقالات كثيرة، وإذا كان خوفك من القبيسيات، وتيارات أبي القعقاع التي ترسل الجهاديين إلى العراق- والمتوفي قتلا في حلب ودون معرفة الجناة- فهؤلاء لا تسأل عنهم المجتمع السوري، أسأل عنهم السلطة السياسية،
الحاضنة الثانية هي يمكننا المجازفة بتسميتها حاضنة المعارضة، في أخوان مسلمين وتيارات إسلامية لها ملمح ديمقراطي، ومع ذلك هي ضعيفة جدا،،ومع ذلك خوفك على المسيحية في سورية مشروع، ولكن ممن؟ وماهي أسباب هذا الخوف؟
ملاحظة أخيرة للإسلام السياسي المعارض، لكوني اتابع مع بعض السوريين نقاشات حول هذا الأمر، أقول لتتخلصوا من هذه العنعنة، وتتحولوا على حزبا سياسيا ديمقراطيا تريحونا من هذه الالتواءات التي تحدث جراء التباس المعنى السوري الذي خلقته السلطة السياسية عبر أربعة عقود من الممارسات الفاسدة على كافة الصعد، ما معنى تغنيكم بالتجربة التركية في كل شيء عدا نقطة انتصار الحرية المدنية بكل ما تعنيه فيها على يد حزب سياسي ذو خلفية إسلامية،
وقبل أن اختم، لا بد لنا من التمييز دوما بين الأكثرية و الأقليات، كمنتج موضوعي في أي بلد بالعالم، وبين تأسيس هذا الأمر في مؤسسات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية ذات طابع اقتلاعي، وهذا لم يكن موجود في تاريخ سورية منذ أكثر من قرن على حد معرفتي،
وأتمنى يا صديقي سليمان أنهquot; عبر الحوار أن نصحح لبعضنا لما فيه خير بلدنا.
* ساضرب لك مثالا كوني ادرس الآن تاريخ حوران، مدينة أزرع الحالية جعلتها فرنسا كمركز للمنطقة المحيطة بها، أي أسمتها منطقة،،،بينما قريب منها بمسافة ستة كيلو متر فقط مدينة الشيخ مسكين وعدد سكانها يساوي ضعف سكان مدينة أزرع الأصليين آنذاك تقريبا، أعتقد حتى الآن ليس لدي إحصاء مؤكد، والسبب أن أزرع فيها أكثرية مسيحية بينما الشيخ مسكين فيها أقلية مسيحية، وموقعها كما يعرف سكان المنطقة وكل من يزور أفضل بكل الحسابات، لأنها كانت تقع على مفارق الطرق الرئيسية وفي وسط المنطقة، مع ذلك لم تؤثر هذه السياسة على علاقة أبناء المنطقة ببعضهم، ساعود لهذه النقطة في مقالات قادمة،،
التعليقات