ادعت هيئة الشؤون المسيحية العالمية (ICC) أن الحكومة السورية أغلقت ما لا يقل عن 8 كنائس إنجيلية في مدن ومناطق مختلفة شمال سورية. وقالت الهيئة التي مقرها في العاصمة واشنطن، في بيان صحفي على موقعها الالكتروني، أن الحكومة السورية أمرت بإغلاق عدد من الكنائس المنزلية (وهي كنائس غير رسمية) والتي لم تكن مخصصة أصلاً للعبادة. وأشار البيان إلى رسالة نشرت على موقع المحلل السياسي والروائي المسيحي جويل روزنبرغ، تقول: إخواننا والكنائس في سورية بحاجة لصلوات عاجلة. الحكومة أغلقت حوالي 8 كنائس إنجيلية في الأسبوعين الماضيين- كلنا شركاء.

ويذكر في ذات السياق أن بيان سابق صادر عن أساقفة دمشق في آب الماضي قد أشار إلى ما أسماه تغلغل بعض الطوائف والمذاهب المسيحية المنتشرة في أميركا داخل سورية. وجاء بيان المطارنة في سياق إصدار إدانة لدعوة القس الأميركي تيري جونز لإحراق القرآن الكريم، وقال اساقفة دمشق في بيانهم إلى أنه quot;في الولايات المتحدة آفة كبيرة ألا وهي أن كل من عنّ على باله أن يؤسس كنيسة جديدة مستقلة أو دينا جديدا مستقلا في وسعه أن يفعل ذلك وقد بات في تلك البلاد الآلاف من الشيع من جميع المذاهب والطوائف غايتها بعيدة كل البعد عن أصول الدين ومبادئه وشرائعه وتعاليمهquot;..... وبالعودة لبيان ICC الذي يعيد أسباب هذا الأجراء إلى تحريض بعض ممثلي الطوائف المسيحية السورية، ونقل البيان عما أسماه مسيحي سوري، قوله quot;أن الناشطين المسيحيين في هذا المذهب يعرفون بأنهم مراقبون عن كثب وأن الحكومة تنتظر عذراً لشن الحملة عليهم. وألمح quot;المسيحي السوريquot; كما أسماه البيان، إلى أن الحكومة السورية تتلقى تقارير من بعض الطوائف الأورثوذكسية- لاحظوا تسمية البيان للطائفة الارثوذكسية الكريمة- ومن طوائف أخرى فضلاً عما أسماه الشرطة السرية وبعض التجمعات الإسلامية. وفي ختام البيان أشار أيدن كلاي، المدير الإقليمي للهيئة في الشرق الأوسط، أن المسيحيين في سورية وعلى عكس بعض جيرانهم، يتمتعون بحرية نسبية في ممارسة شعائرهم الدينية. وحتى الآن، تعتبر الحرية الدينية في سورية بالغة الحساسية، مطالباً الحكومة السورية أن تحافظ على استدامة هذا التوازن والمحافظة على التنوع الديني وحماية الأقليات.

كان ينقص سورية خلط الأوراق هذا...؟
لفتت نظري في بيان ICC هذا قضيتان:
الأولى- أن الطوائف المسيحية الأخرى في سورية هي التي حرضت الحكومة إلى إغلاق هذه الكنائس المنزلية غير المرخصة، وهذه قضية وإن بدت صحيحة من خلال بيان أساقفة دمشق، لكنها لا تتعلق بالحريات الدينية في المنطقة بل تحمل مضمونا سياسيا سنجده في ختام البيان! وهي القضية:
الثانية- أن الحرية الدينية النبسية التي يتمتع بها المسيحيون في سورية بخلاف جيرانهم! ويطلب من الحكومة السورية ان تحافظ على التنوع الديني وأن تحمي الأقليات..

أولا جيران سورية يتمتعون بحرية دينية كما هو الحال في سورية وأكثر، ويتمتعون بحرية سياسية أيضا كلبنان والأردن، لبنان مثالا يعرفه الجميع، ولكن في الأردن الدستور الأردني لا يمنع تسلم أي مواطن أردني مهما كان دينه أو جنسه المنصب التنفيذي الأعلى سلطويا في البلاد وهو رئيس مجلس الوزراء..
بينما في سورية هذا الأمر ممنوع دستوريا فرئيس الجمهورية يجب أن يكون مسلما..

تركيا أيضا.. الحرية الدينية والسياسية مكفولة دستوريا لمسحيي تركيا...بقي العراق الذي يجب أن يتعرض له في غير هذا السياق..و لماذا لم يسمه بالاسم وكان السبب الرئيسي لماحدث ويحدث في العراق هو السياسة الأمريكية ما بعد دخولها بغداد وإسقاطها النظام السابق؟ ولا أظن انه يقصد السعودية او أية دولة من الدول، بل يريد فقط نقطة واحدة وهي تلميع صورة النظام السياسي في سورية، قياسا بجيرانه، وهذا أمر يدعو للريبة والشك وله بعد سياسي واضح...

إضافة إلى استمرار الخلط بين الحريات الدينية والحريات السياسية، وتحديدا لمسحيي المنطقة لأنهم أصل المنطقة أصلا؟ والحرية الدينية لم تتعرض لمضايقات مؤسساتية منذ دخول الاستعمار التقليدي للمنطقة، لا أريد العودة لما قبل، وما تتعرض له أحيانا ليس له علاقة بالحريات الدينية، بل له علاقة بالحريات السياسية، وهذه النقطة يتقاسم فيها الجميع المظالم، جميع أبناء سورية بغض النظرعن دينهم وقوميتهم وطائفتهم وجنسهم، تكمن إشكاليتهم جميعا في غياب الحريات السياسية العامة.

هذه القضية التي طرحها بيان ممثل الكنائس الأنجيلية الأمريكية، يقودنا للحديث عن أمر بدأ يبرز في العقد الأخير، وهو أنه يجب على الأقليات في سورية أن تدافع عن النظام، لأن النظام هو من يحميها من بقية المجتمع السوري! هذا قول لم يعد يحتاج لكثير عناء لرؤية تمريره بمناسبة وبدون مناسبة..وهذا أيضا بت تجده يتجسد حتى في سلوك أكثرية الفعاليات الروحية داخل الأقليات، وانعكس هذا الأمر حتى على المثقفين المنحدرين من هذه الأقليات...إنه تزوير للتاريخ تقع فيه سورية، بالمقابل يتواطأ ممثلي الدين الإسلامي المتاح وغير المتاح على هذه القضية لأن النظام قد رشاهم...لم يعد الضحية سوى هذا المواطن المنحدر من الأكثرية السنية حيث تحول إلى وحش يريد افتراس الأقليات إذا سقط النظام...والمواطنين السوريين المنحدرين من الأقليات، سبب خوفهم وفقرهم وحرصهم على الهجرة إذا تسنت لهم سببها هذا المواطن المغلوب على أمره دينيا وسياسيا، فلولا هذا المواطن السوري- السني- لكانت سورية تعيش في نعيم، فهو يسرقها وهو يمنع عنها الحريات السياسية، أي تواطأ هذا؟..

لقد تحول إلى غول...وكأنه وجد فقط بعد مجيء هذه السلطة، ومجيئها هو الذي حمى ما كان يقوم به هذا المواطن من منع للحريات الدينية والسياسية للأقليات في سورية، المشكل مواطنquot; مسلم سنيquot; قار لا يحول ولايزول، هذا هو سبب ما فيه سورية الآن....المواطن المسلم السني هو من بسببه هجر اليهود أحياء دمشق وحلب والقامشلي في العقدين الأخيرين وقبل ذلك؟ ألم يكن تجار اليهود مسيطرين على قسم من السوق السوري؟ هل من حولهم من مواطنيين مسيحيين ومسلمين من أهالي حي الأمين في دمشق أو حي الجميلية في حلب اعتدوا عليهم وسببوا لهم الهجرة إلى امريكا ومنهم من هاجر لإسرائيل...؟

مثال آخر من الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين بزعامة المرحوم سلطان باشا الأطرش 1925 حيث كان في مجلس قيادة الثورة مشايخ من حوران وجبلها كما يعرف بجبل الدروز، ومنهم الشيخ اسماعيل الحريري، وللعلم عشيرة الحريرية يعادل تعدادها ما يفوق عشيرة آل الأطرش بعشر مرات ربما..

لم تشهد المنطقة على مدار 250 عام حوادث جماعية أساسها منع الأقليلة الدرزية من ممارسة حريتها الدينية، ولا حتى السياسية..اما العثمانيون فلا أظن أنه يجب محاكمة المواطن السوري الحالي بناء على ذاكرة عثمانية! سكان حوران الأصليين هم من المسحيين وجاء الإسلام والمسلمين وثم جاءت الطائفة الدرزية واستقرت في المنطقة منذ ثلاثة قرون تقريبا، ولا أحد يتدخل في الحرية الدينية للأطراف الأخرى، وعادة يكون أسباب الخلافات التي تنشأ إما على الأرض الزراعية أو على قصص تتعلق بالعشق والنساء..
قضية اخرى نطرحها في النقاش هذا...أريد ان أسأل سؤالا وهذا حقيقي، هل توافق الفعاليات الدينية المسيحية الحالية في سورية على سن قانون للزواج المدني؟ أعتقد أيضا أن الفعاليات الإسلامية الموجودة الآن متربعة على عرش الدين المتاح سلطويا بغالبيتها لن توافق، ومعروف أن الأخوان المسلمين أيضا لن يوافقوا ولازالوا لا يريدون أن يطرحوا مفهوما عصريا لدولتهم المدنية...

كل ما يدور هو سياسة مارستها السلطة بذكاء لأنها الطرف الأقوى، ولا تهتم لمعايير الأخلاق والثقافة والتعايش ولايعنيها أصلا..لها اهتمام أساسي تنفيذ كل ما من شأنه استمرارها في السلطة...
حتى ربما كتابتي الآن بمحاولة أن تكون واضحة، ربما تخدم هذه السياسة نفسها التي مارستها وتمارسها هذه السلطة، ولكن كان ينقص سورية، الكنائس الانجيلية الأمريكية لكي تلمع صورة هذه السياسية؟
وبودي ان أنهي هذه المقالة بطرح قضية للنقاش تتعلق بالحريات الدينية والسياسية في سورية منذ خروج العثمانيين وحتى اللحظة...
الحريات العامة السياسية والمدنية هي الضمانة للجميع بدون استثناء...ولهذا تتطلب تضافر جهود الجميع...
ملاحظة- من حق مسيحيي سورية، أن تبقى ذاكرتهم معلقة على دخول الإسلام المنطقة، ولكن...هل يجب العودة للأصل؟! هذه قضية تحتاج لأن نفرد لها نقاشا خاصا...