بعيدا عما يثار حاليا من كلام حول الفتنة الطائفية التي تطل برأسها، لفت نظري غياب الدولة المصرية في الرد على قضيتين هامتين الأولى : محاضرة الأنبا بيشوي التي قال فيها: quot;إن المسلمين في مصر ضيوف على الأقباطquot;، وخوضه في quot;القرآن الكريمquot; والقضية الثانية: هي اختفاء quot;كاميليا شحاتةquot; زوجة كاهن درمواس بعد ما قيل عن إسلامها. في القضيتين لم نجد تحركا من جانب الدولة للرد على مزاعم الأنبا بيشوي، وسبب اختفاء كاميليا، وأتصور أنه لو تعاملت الدولة بعقلانية مع تلك القضيتين لأخرست الألسن التي تنفخ في النار.

ولا يخفى على احد أننا مسلمين ومسيحيين نعيش مع بعضنا البعض تحت سماء وطن واحد، يجمعنا الحب والاحترام، نشاركهم ويشاركونا أفراحنا وأتراحنا، لا فرق بين مسلم ومسيحي كلنا في الهم سواء، اذكر قصة حدثت قبل نحو عشرين عاما في بداية عملي بالتليفزيون المصري، كنا في شهر رمضان، وأحيانا نضطر إلى تناول الإفطار في كافتيريا التليفزيون، مع الزملاء، وكان من بينهم رئيس تحرير اسمه quot;معزوز سلامة أيوب quot; كان رحمه الله كبير الجلسة، يطلب لنا أشهى المأكولات، ويتنقل بنفسه باحثا عن أجود الأطعمة والمشروبات الرمضانية، وظللنا على هذا الحال سنوات، وحين توفاه الله، عرفت أنه كان مسيحياً، وهذا دليل على التجانس الغريب بين المصريين مسلمين ومسيحيين، فمن النادر جدا أن تجد شعبا ملامحه وتكوينه الجسماني والنفسي وعاداته واحدة مثل شعب مصر.

وإذا كان الإسلام والمسيحية ديانتان مختلفتان في الاعتقاد، فإنهما تتفقان في الأهداف وهي القيم، والأخلاق، والمحبة، والسلام بين البشر جميعا، المسيحية تعتقد إن المسيح اله أو ابن الله، والإسلام يقول إن المسيح عبد الله ورسوله، وفي الآية 75 من سورة المائدة quot; مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكون quot;.

المسيح عليه السلام إذن بشر كسائر الرسل، وأمه العذراء مريم صديقة أي مؤمنة ومصدقة له كانا يأكلان الطعام، ومن يأكل الطعام يحتاج أن يخرج الفضلات وهذا دليل على بشريتهما، وتقول المسيحية إن المسيح قد صلب وعذب، والإسلام يقول quot; وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم quot; والكفار هم فقط الذين يؤمنون بأن المسيح صلب، والأنبا بيشوي أراد أن يقول ما قاله بعض المستشرقين من أن القرآن يرى المسيحيين quot; كفرةquot; وأضيفت هذه الآية في عهد الخليفة quot;عثمان بن عفانquot; رضي الله عنه، وهذا الكلام مردود عليه بأن الله سبحانه وتعالى قالquot; إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظونquot; والقران اكتمل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره آخر الكتب السماوية وأخر رسالة أرسلها الله على خاتم رسله محمد صلي الله عليه وسلم.

ومعلوم أن الإسلام ترك للبشر حرية الاعتقاد فقال تعالى في الآية 28 من سورة الكهف quot; وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرquot;، فالمسلم مؤمن بما يعتقد وكافر بما يعتقده الآخرون، وكذلك المسيحي مؤمن بما يعتقد وكافرا بما يعتقده الآخرون، وكل واحد يحترم معتقدات الأخر، فالله سبحانه وتعالي هو الذي يفصل بينهم يوم القيامة.، ولأننا نعيش في مجتمع مأزوم بمشاكله الحياتية، فينقل البعض إلى العلن، مايجب أن يناقش داخل الغرف المغلقة، وإلا فما الدافع الذي يجعل صحفا بعينها تركز ما قاله الأنبا بيشوي في شأن ديني يتعلق بما يعتقده إلا إذا كانت هناك أيدي خفية تبحث عن المثير، ونشر ما من شأنه صب الزيت على النار وتأجيج مشاعر العداء بين المسلمين والمسيحيين، فيختلط الديني بالسياسي والسياسي بالديني، ويغرق المجتمع في جدال لا طائل منه في ظروف صعبة تمر بها مصر.

لا نريد أن ندع الفرصة للآخرين للاصطياد في الماء العكر، ولابد من الإجابة على أسئلة كثيرة من بينها: لماذا اختفت quot; كاميلياquot; زوجة كاهن درمواس بمحافظة المنيا، بعد أن أعلنت إسلامها، هذا التعتيم الإعلامي يطلق العنان لمتشددين من الجانبين للتظاهر مثلما حدث عقب صلاة الجمعة الماضية إمام مسجد الفتح بميدان رمسيس مطالبين بما سموه quot; إنقاذ الأسيرات المسلمات من سجون الكنيسةquot; وإقالة الأنبا بيشوي، ولكي لا تتسع الدائرة يوما بعد يوم، فإن الدولة مطالبة بالتدخل العاجل لتوضح للرأي العام موقفها من تلك الأحداث، وعقد جلسات بين رجال الدين الإسلامي والمسيحي لتهدئة الشباب الغاضب خشية أن تخرج الفتنة من مهدها لتحرق الأخضر واليابس في بلد عرف على مدى تاريخه بالتسامح واحترام عقائد الآخرين.

إعلامي مصري