ناشط مقاوم للاستيطان اليهودي في اواخر العهد العثماني في فلسطين

في كتابه الأخير ldquo; A Rift In Timerdquo; والتي تعني quot;صدع في الزمنquot; يتقصى رجا شحاده حياة خاله البعيد نجيب نصار في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى وحتى وفاته عام 1948 شهرين قبل اعلان تأسيس دولة اسرائيل. عائلة نصار الفلسطينية كانت من عائلات فلسطين العريقة قبل نشؤ الدولة العبرية وكانت من العائلات الميسورة حيث متلكت اراضي وعقارات وافضل فنادق فلسطين. واضطر آل نصار مع آلاف العائلات الأخرى للهجرة كضحايا للنكبة التي حلت بالفلسطينين عام 1948.
يتتبع الكاتب رحلات خاله نجيب نصار الذي اختفى لمدة 3 سنوات هربا من حبل المشنقة التركية التي كان يشرف عليها سفاح تلك الحقبة جمال باشا الحاكم العسكري التركي في دمشق ضد كل من يكتب مقالا ينتقد فيه السياسية العثمانية. ويزور الكاتب الأماكن التي اختبأ بها خاله في الارياف والبادية.


وكنت قد قرأت خلال السنوات القليلة الماضية عدد من الكتب لرجا شحادة باللغة الانجيليزية منها quot;عندما توقف البلبل عن الغناءquot; وquot;غرباء في المنزلquot; وquot;سرحات فلسطينيةquot; وآخرها كتاب موضوع المقال.


نكتشف اثناء قراءة هذا الكتاب الشيق طبيعة الحياة في بلاد الشام خلال الفترة العثمانية في سنواتها الأخيرة قبل نهاية الامبراطورية العثمانية عام 1917 والتي استمرت منذ عام 1445.


نكتشف القرى الفلسطينية التي مسحتها اسرائيل من الخارطة ومن الجغرافيا كليا. قرى تحمل اسماء جميلة مثل quot;كوكب الهوىquot;.
اثناء رحلة البحث عى تاريخ العائلة يكتشف رجا شحاده بالصدفة (خاله البعيد نجيب نصار). وكان نجيب نشطا سياسيا واعلاميا وصحفيا وكاتبا ورئيس تحرير صحيفة quot;الكرمل الاسبوعيةquot; التي كان ناشرها ومالكها في منطقة الجليل.


نكتشف ان نجيب نصار كان من الاوائل الذين ناضلوا وكافحوا ضد الاستيطان اليهودي لفلسطين وحذر في كتاباته من هذا الخطر المتزايد.
في العام 1922 كتب نجيب quot;ما نواجه اليوم هي حرب تنافس على من سيمتلك الأرضquot; وحذر من قدوم المملكة اليهودية ورأى بعينه كيف انتقلت ملكية الاراضي في حيفا والناصرة لليهود. وكان ضد بيع الاراضي لليهود والوكالات الدولية التي كانت تدفع اسعارا مغرية للاستيلاء على الأراضي. هذا قبل حوالي 90 عام مما يؤكد أن التخطيط الصهيوني يأخذ بعين الاعتبار المدى البعيد جدا والذي لا نزال نعاني من نتائجة الآن.


اعتبر نجيب نفسه مواطن عثماني مخلص حيث رأى انه تحت الحكم العثماني كان هناك نوع من الوحدة الجغرافية والسياسية والاجتماعية فيما يسمى الآن الشر ق الأوسط حيث تستطيع ان تنتقل بين يافا ودمشق وبيروت دون عبور حدود سياسية او جغرافية او جوازات سفر لأن المنطقة بأكملها كانت ولاية واحدة في اطار الدولة العثمانية. ونقرأ ان السنوات الأخيرة من الحكم العثماني كانت سنوات قسوة وجوع وحرمان وقلق وخوف من التجنيد الاجباري وهناك شبه اجماع في المجتمع العربي الكبير الخاضع للدولة العثمانية أن الحكم التركي كان حكم ظالما ومظلما ولكنه حافظ على وحدة المنطقة وضمن حرية الاديان وبنى الطرق والمسشفيات وسكك الحديد ولم يفرض اللغة التركية على السكان العرب. كان نجيب نصار معجبا بنظام الملات التركي الذي يسمح للأديان الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية بحرية العبادة والعيش بأمان.


الحاكم العسكري جمال باشا من مقره في دمشق كان دكتاتورا من الطراز الأول واعدم العشرات من الرموز القيادية العربية الأمر الذي شجع الكثيرون على الالتحاق بالثورة العربية التي اطلقها الشريف حسين بن علي في حزيران عام 1916 من الحجاز ضد الاتراك بالتحالف مع بريطانيا مقابل وعود باستقلال العرب ومنحهم دولتهم المستقلة والتي اثبتت الوقائع فيما بعد انها وعود منقوصة.


ورغم ولاءه للدولة العثمانية كان نجيب نصار ملاحقا من السلطات العثمانية بتهم مختلفة بعضها مزور او بسبب وشاية من بعض الحاقدين والاعداء مما اجبره على الهروب والاختباء في بيوت اصدقاء ومتعاطفين ولكنه وجد القبائل البدوية شرق نهر الأردن وغربه اكثر أمنا حيث وجد الاحترام والرعاية الحماية وابدى اعجابه بالبدو وكرمهم وحسن ضيافتهم.


ويمكن القول بأن نجيب نصار كان اول صحفي عربي يكتب عن الصهيونية ويحذر من المشروع الصهيوني في فلسطين.
وبعد 3 اعوام تقريبا من الاختباء والهروب من مصير المشنقة على يد جمال باشا قرر نجيب تسليم نفسه للسلطات في دمشق بعد ان سمع ان اقاربه واصدقاءه سيتعرضوا للانتقام من قبل السلطات التركية وكان يعلم ان جمال باشا سوف يأمر بشنقه اذا ما تم ادانته في المحكمة ولكن في النهاية كانت المحاكمة اكثر عدلا ومرونة من اي محكمة اسرائيلية معاصرة مثل امامها فلسطيني بأي تهمة. ورجا شحادة يعرف ذلك من خبرته الطويلة كمحامي في الثمانينات والتسعينات في المحاكم الاسرائيلية. حيث لا يستمع القاضي الاسرائيلي لأي شهادة او تفاصيل دفاعية مهما كانت دقيقة ومقنعة لأنه يكون قد قرر سياسيا ان يدين الفلسطيني خدمة لاسياده في المؤسسة العسكرية. ولكن تبرئة نجيب نصار كانت مشروطة والشرط هو ان يساعد في تحرير صحيفة الشرق التي كانت بوق الدعاية التركية ولكن نجيب رفض وفي النهاية سمح له بمغادرة دمشق. بعد عودة نجيب الى حيفا دخل الجنرال البريطاني اللينبي مدينة القدس بتاريخ 9 ديسمبر 1917. هنا انتهى الدور العثماني وحل محله الدور البريطاني.


وتم الاعلان عن بدء حكومة الانتداب في حزيران 1922 والتي باشرت في تنفيذ برامج خلق وطنا لليهود في فلسطين تنفيذا لوعد بلفور واستمر نجيب في الكتابة والتحذير من بيع الاراضي لليهود ولكن نجيب شعر بخيبة الأمل حيث لم يحظى بالتقدير والاحترام لكل ما عمله من اجل فلسطين والفسطينين.


مات نجيب في مارس آذار عام 1948 قبيل اعلان دولة اسرائيل ودفن في الناصرة في قبر بسيط في المقبرة الاورثوذكسية رغم انه بروتستانتي ولكن المهم انه مدفون في ارض فلسطين وعندما اكتشف رجا شحاده قبر خاله في السنوات الأخيرة قبل ظهور الكتاب وجد نقشا على حجر القبر المتواضع يقول quot;هنا يرقد شيخ الصحافة الفسطينية الاستاذ نجيب نصار صاحب جريدة الكرمل الذي توفي 30 مارس 1948quot;.

اعلامي عربي لندن