السيد رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية هو ابن حارة quot;قاسم باشاquot; في استانبول. الحارة معروفة بتاريخها الحافل بالقبضايات. مفهوم quot;القبضايquot; أو quot;الفتوةquot;هنا لا يقصد منه الجانب السلبي إطلاقاً، لاسيما عندما يتعلق الأمر بشخصية بمستوى السيد اردوغان. اردوغان عانى الأمرين من الفاقة والعوز في فترتي الطفولة والشباب حيث أضطر الى بيع الكعك في الشورع ليسد به الرمق. هذا الأمر لايقلل من مرتبته بل العكس هو الصحيح.

في الأسابيع الأخيرة ظهرت محاولات حثيثة وجادة لحل القضية الكردية في تركيا. على رأس تلك الجهود تأتي المفاوضات المباشرة مع الزعيم الكردي السيد عبدالله اوجالان المحتجز في سجن إمرالي بالإضافة الى اللقاء المباشر بين الحكومة ممثلةً بنائب رئيس الوزراء السيد جميل جيجك ووزير العدل السيد سعدالله ارغين وحزب السلم والديمقراطية الكردي برئاسة السيد صلاح الدين دميرتاش. لعل من المفيد أن نذكر بأن هذا اللقاء ليس بين حزبين كما هو المفروض في الأحوال العادية، وإنما هو بين حزب ممثل في البرلمان والحكومة. لذلك تأتي اهميته الخاصة والاستثنائية الى حد ما.

في هذه الأجواء المفعمة بالتفاؤل والهدوء خرج علينا السيد اردوغان بتصريح أقل ما يقال فيه أنه زرع قنبلة مفخخة في ثنايا العملية السلمية قد تؤدي الى العودة الى المربع الأول أي 15 آب 1984 يوم البدء بالكفاح المسلح من قبل حزب العمال الكردستاني. قال السيد اردوغان في تصريحه: على الذين يطالبون بالتعليم والتدريس باللغة الأم أن لا ينتظروا منا أية مبادرة في هذا الشأن ولكن لا مانع لدينا إذا جرى ذلك من خلال دورات التعليم اللغوية العادية، والدولة لن تسمح بأكثر من ذلك. ثم أردف قائلاً: التعليم بلغة الأم في المدارس الرسمية سيؤدي الى تقسيم تركيا!!.

في اليوم التالي على هذه التصريحات ولمدة أكثر من أسبوع كان فحوى تلك التصريحات موضوعاً تناوله كبار الصحافين في زواياهم اليومية. الأكثرية كانت في الجانب المعارض لما قاله اردوغان( قد أعود الى الدخول في التفاصيل لما يجري من مناقشات هامة في هذا الشأن مستقبلاً)...

قبل عدة سنوات تم إفتتاح دورات( كورسات) لتعليم اللغة الكردية من قبل الكرد في استانبول وآمد ومدن عديدة أخرى في المناطق الكردية والمدن التركية الكبيرة. في البداية كان الإقبال على تلك الدورات كبيراً ومثيراً للدهشة. ولكن بعد ثلاث أو أربع سنوات تلاشى ذلك الإندفاع وأضطرت معظم تلك المعاهد والأندية الى إغلاق أبوابها لعدم وجود العدد الكافي من الراغبين في الدراسة وبالتالي حدوث صعوبات مادية، على الرغم من أن أكثر المدرسين لم يطلبوا رواتبا أو أية حوافز مادية، بل الكثير منهم كان يدفع من جيبه ويتبرع من لقمة عيش أسرته بدافع الإخلاص لشعبه.

لماذا؟.

الهدف من كل تعليم ودراسة، سواء كانت اللغة أو غيرها، هوالإستفادة منها مادياً أو ثقافياً أومهنياً. كل هؤلاء حصلوا على وثيقة النجاح في تلك الدورات، ولكن ماذا بعد؟. لا شيء......مجرد ورقة عادية للزينة علقت على حائط في البيت أو المكتب...
في هذه الفترة التي تبدي الحكومة التركية نيتها في حل القضية الكردية وتكثرالآراء حول شروط حلها، يبدو أن الشرط الأساسي في أي إتفاق لا بد أن يكون تعليم وتدريس اللغة الكردية. اللغة هذه يجب أن يكون تدريسها إلزامياً في جميع مدارس المنطقة الكردية الى جانب اللغة التركية.

إجادة اللغة الكردية في تلك المنطقة لا بد من أن يكون شرطاً أساسياً للقبول في الوظائف الحكومية والبلدية مثل المحاكم ودوائر الأمن والبوليس والصحة والتعليم وجميع دوائرالمصلحة العامة والمجالات الأخرى الضرورية في المجتمع.

الهدف من كل ما ورد أعلاه هو أن يكون تعلم اللغة سبيلاً وquot;باب رزقquot; قبل كل شيء آخر، حتى تصبح حافزاً للجميع للإقبال على الدراسة والتعليم بها. والباب مفتوح لمن يريد الإستزادة في التعليم الآكاديمي في الجامعات لاحقاً.

إذا لم يتثبت هذا الشرط في أية إتفاقية لحل القضية الكردية فإن اللغة الكردية مصيرها الفناء بعد سنوات معدودة، أي نفس مصير ومآل تلك الدورات المذكورة أعلاه، وسنجد أن الجميع يتكلمون التركية بعد عقد أوعقدين من الآن.

أي تهاون في هذا المجال، إنما هو تصفية للقضية الكردية ولكن علىquot; نارهاديةquot; وبرودة أعصاب دون ضجيج....

تصريحات اردوغان لا تحمل أية نوايا حسنة بل الآية معكوسة تماماً، خاصةً إذا علمنا أن جهود السلام لازالت تحبو في أولى خطواتها....نأمل أن يكون تصريح اردوغان لا يتعدى عن كونه quot;نوبة قبضاويةquot; تنتابه بين الفترة والأخرى...

منع التدريس والتعليم باللغة الأم سيؤدي الى تقسيم تركيا وليس العكس كما ورد في تصريح السيد رئيس الوزراء....

إذا تسنى للكرد الخيار بين quot;النشيد القومي ورفع العلم الكرديquot; وبين quot;التعليم والتدريس بلغتهمquot; لإختاروا الشق الثاني دونما تردد...

طبيب كردي سوري
[email protected]