بعد النجاح السياسي للتحالف الوطني العراقي في اختيار نوري المالكي رئيس كتلة دولة القانون بالتوافق بين حزب الدعوة والتيار الصدري وبقاء المجلس الاعلى الاسلامي والفضيلة خارج هذا التوافق، فان العملية السياسية خرجت من خندق التأزم ودخلت في بداية مرحلة انفراج مع دخول تحالف الكتل الكوردستانية في الحوار مع المالكي وقرب التوصل الى اتفاق بين الطرفين، وهذا الانفراج يشير الى ان الاغلبية البرلمانية المطلوبة داخل مجلس النواب الجديد لاعادة تكليف رئيس الوزراء الحالي بتشكيل الحكومة المقبلة باتت في طريقها الى التشكل، وبهذه الخطوات فان الامال بدأت بالانحسار امام القائمة العراقية ورئيسها اياد علاوي، وبدأت قدرة هذه القائمة بالزوال في نيل استحقاقها الانتخابي بسبب عدم نجاحها في كسب القوائم والكتل البرلمانية الاخرى. وبفضل الصمود السياسي التي اتسم به المالكي في الفترة الماضية ونجاحه في كسب التيار الصدري والتحالف الكوردستاني، فان الساحة العراقية اعيدت اليها الحراك السياسي بنشاط وحيوية، وستكون مقبلة على مشاهد ايجابية للبدء بعملية اختيار الرئاسية الثلاث للعراق وفق الالية الدستورية من قبل الدورة الجديدة لمجلس في ظل quot;الجمهورية الثانيةquot; للعهد الجديد بعد سقوط صنم الطاغية عام الفين وثلاثة، والقراءات السياسية للحالة الراهنة وفق الحراك الجديد للتحالف الوطني تشير الى احتمال بقاء الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي لفترة رئاسية ثانية بالمشاركة مع رئاسة مجلس النواب والمتوقع ان تكون من نصيب طارق الهاشمي. وبعد رسوخ هذا المشهد، فإن الاستحقاقات الانتخابية لأبناء الأمة العراقية ستدخل في اختبار امام الحكومة المقبلة، ولابد ان تكون من ضمن الاولويات الرئيسية والأساسية للحكومة وكذلك للاحزاب والكتل البرلمانية، وبالأخص للسلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا شك فان المرحلة المقبلة ستحمل استحقاقات كبيرة تعود بمسؤوليتها الى الحكومة الجديدة بالدرجة الاولى لاخراج العراقيين من ازمات كثيرة يعانون منها في حياتهم المعيشية والاقتصادية. وكما هو معلوم فان العراق تعرض الى اخفاق سياسي كبير في الفترة الماضية، ولكن هذا الاخفاق لا بد ان يتحول الى منطلق قوي لوضع ارضية متينة لمعالجة الحالة الخدمية والبدء بالاعمار الفعلي والاصلاح والتغيير، أرضية تكون قادرة على استيعاب الواقع المتأزم الذي اخذ طريقه الى الساحة العراقية للتعامل مع الاحداث والوقائع بموضوعية وواقعية ومسؤولية. هذه الأرضية الجديدة في تثبيت وجود سلطة مقتدرة على الصعيد العراقي، ستساعد على تجديد روحية البناء المميزة التي غرستها الوطنية العراقية في نفوس ابنائها، وفق اطر جديدة مؤمنة بالحياة المدنية الحديثة المبنية على النهج والفكر الانساني بعيدا عن الاستبداد والطغيان، وهذه الاطر تسمح للتأمل بتقديم رؤية سياسية جديدة من قبل السلطة الجديدة للعراق لقراءة المكونات والمفردات للاحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية التي مر بها العراق في ماضيها وحاضرها، والاستفادة منها في اطلاق برنامج نهضوي للسنوات المقبلة لتغيير الحالة الراهنة التي يعيشها العراقييون ببؤس شديد. وتوزايا مع الحراك السياسي الجديد بفضل ترشيح المالكي من قبل التحالف الوطني، يمكننا القول ان هذا الترشيح تدعمه ضرورات عراقية لابد من الاخذ بها كوجهة نظر من باب الالمام بالواقع العراقي، وهذه الضرورات اساسها المنطق ودافعها الواقعية مستنبطة من الساحة العراقية وفق منظور بناء الدولة من جديد، للانتقال بواقعها الى مرحلة قادرة على تلبية الاحتياجات الحقيقية للمواطنين لضمان الخدمات وتطوير واقع حياة العراقيين خدميا وانسانيا واقتصاديا واجتماعيا، والضرورات هي: أولاً: اتاحة الفرصة الكاملة لنوري المالكي بقيادة العراق لاربع سنوات اخرى للخروج من ازماتها الامنية والمعيشية والخدمية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العراقييون، لان فترة الحكومة السابقة لم تكن مهيأة للقيام بمعاجلة حقيقية شاملة للازمات بسبب الحالة الامنية التي شهدت عمليات ارهابية كبيرة واسعة التاثير على العراقيين وعلى النشاط الحكومي. هذا باختصار، رؤية للضرورات المبنية على قراءة واقعية للعراق في ظل العملية السياسية الجارية، لدعم قيادة مقتدرة منتخبة من اصوات الناخبين لضمان بيئة سليمة للنهوض بالعراقيين واخراجهم من الازمات المعيشية والخدمية في جميع مجالات الحياة من خلال تشكيل حكومة مستقرة تكون قادرة على احداث تغيير حقيقي في حياة المواطن العراقي.
ثانياً: الاحتفاظ بالهيكل الاداري والامني والعسكري لمكونات الدولة العراقية الحالية، للتواصل بتنفيذ برامجها المبنية على فترات زمنية لضمان الفترة اللازمة لها لتحقيق نتائج مؤثرة عند الانتهاء منها لتعمل على احداث تغيير حقيقي في واقع الحال خاصة في المجال الامني.
ثالثاً: العمل الجدي بالاحتفاظ على النهج الحكومي السائر لرئيس الوزراء بابعاد الجيش والمؤسسات الامنية من التسيس السياسي، حيث ان فترة ستة اشهر الماضية التي مر بها العراق اثبت فيها المالكي قدرته ونجاحه ببقاء الجيش والشرطة وقوى الامن الداخلي بالوقوف على الحياد من الوضع المتأزم للعملية السياسية بين الكتل البرلمانية الفائزة، ولولا هذا الحياد لوقع العراق في اتون مخاطر حقيقية لحرب اهلية لم تكن في الحسبان، وعلى العكس فان هذه القوى الفاعلة استمرت بفعالية ونشاط جدي في عملياتها ضد قوى الارهاب والاجرام، وتمكنت في الاحتفاظ بوجود حيوي للدولة والامة العراقية.
رابعاً: التفهم الحكيم بين مكون الكتل والاحزاب الشيعية ومكون التحالف الكوردستاني بضرورة سد الطريق امام عودة رجال البعث والنظام البائد، للاحتفاظ بالعهد الجديد للعراق، وهذا التفهم يشكل العمود الرئيسي للاحتفاظ بالعراق الديمقراطي الاتحادي التعددي الذي انبثق بعد سقوط صنم الاستبداد، ولا بد ان نعترف ان هذا النهج بعيد عن القائمة العراقية التي يتركب اغلب مكوناتها من رجالات العهد البائد.
خامسا: الاتفاق الضمني غير المكتوب للدول الاقليمية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا بتأييد المالكي لرئاسة ثانية للحكومة تشكل عامل استقرار ودعم معنوي كبير للسلطة التنفيذية بعهدة الطالباني والمالكي لادارة برامج وخطط الحكومة بعيدا عن التوترات الاقليمية والدولية.
- آخر تحديث :
التعليقات