كل مرة أشاهد فيها القادة العرب وهم يجلسون متبخترين على كراسي قاعة المؤتمر أتساءل ما إذا كانو يعرفون أن الشعوب العربية (واستطيع هنا الحديث بجزم وبدون تردد نيابة عن أكثر من 95% من تلك الشعوب) لا تعرف ما هو جدول إجتماعاتهم ولا تسمع أو تقرأ بيانهم الختامي لأن كل ذلك لا يعني لها شيئا. ولا يزيد (وهنا أتحدث عن نفسي فقط) مشاهدتي أكثر من بضع دقائق أحدق في وجوه ديناصورية لم تتغير كثيرا منذ عقود (وإن تغيرت فإن الموت السبب الوحيد)، أو لإنتظار ملاسنة هنا أو هناك أو مداخلة من أحد جهابذة السياسة والبلاغة من اولئك القادة لتكون مادة دسمة للضحك مع بعض الأصدقاء.


في المقابل، راجعوا معي كيف تتغير وجوه المشاركين، من سنة الى أخرى، في مؤتمرات تحالفات مثل الإتحاد الأوربي أو مجموعة السبع (قبل أن يصبحوا ثمانية بإنضمام روسيا والتي يبدو أن بوتين سيبقي على وجوده رئيسا أو رئيسا للوزراء بالإلتفاف حول الدستور لأنه مازال يفكر بعقلية الإتحاد السوفييتي، وقبل أن تصبح مجموعة العشرين). حتى تحالفات دول أمريكا الجنوبية وجنوب آسيا والمحيط الهادي كلها يمثلها أشخاص يتغيرون عبر صناديق الإقتراع، فيظهر في كل مؤتمر وجوها جديدة - شابة في معظم الأحيان.
كم معدل عمر الحكام العرب؟ هذا سؤال تسلية آخر نشكرهم عليه وأرجوا أن يقدم لنا أحد القراء نتيجة هذه الدراسة الهامة ويضيفها الى التعليقات حتى تعم الفائدة.
وكم قائد عربي quot;سابقquot; مازال على قيد الحياة؟ وقارنوا ذلك ببعض من الدول التي تعرفونها.


هنا أتذكر فجأة غوردن براون عندما اختفى تماما من المشهد في يوم وليلة بعد هزيمته في الإنتخابات البريطانية الأخيرة وبين نوري المالكي في العراق وتشبثه منذ أشهر بالمنصب وكأنه ملك له.


أنظروا ماذا حدث في العالم خلال العشرين سنة الماضية خاصة منذ سقوط جدار برلين عام 1989. تساقط ما تبقى من أنظمة شمولية في دول أمريكا اللاتينية من المكسيك الى تشيلي، وحتى في دول جزر البحر الكاريبي الصغيرة، وكذلك دول أوربا الشرقية وجنوب شرق آسيا وبعض دول أفريقيا السوداء، وسقط النظام العنصري في جنوب أفريقيا ليتحرر سكان الأرض الأصليين، ولم يصمد امام هذا المد الهائل إلا دول العالم العربي ومعها عدد من الدول الأفريقية وكوريا الشمالية وكوبا.


ولأن علاقة الشعوب العربية بقياداتها قديمة فإننا نعرفهم جيدا، فنعرف لماذا هم هناك، ونعرف لماذا غاب ذلك القائد وحضر آخر، ولماذا حضرفلان نيابة عن فلان، ونعرف أن تصريحاتهم لوسائل الإعلام، إن حدثت، هي للإستهلاك المحلي (غير الموجود أصلا)، ونعرف ما يمكن أن يتحدثون عنه في جلساتهم المغلقة (وهم مبدعون في العمل السري لكن لما هو في مصلحة بقائهم فقط). إذا لا داعي لعقد هذه المؤتمرات ولا حاجة لجامعة الدول العربية ولا لعمرو موسى (لاحظوا أيضا أن الأمين العام يربض طويلا هو الآخر في منصبه أسوة بأسياده).


الشمولية في الحكم تعني ببساطة إنعدام العدالة وغياب الحريات وحكم قاطع لفئة قليلة هي فوق المساءلة وفوق أي قانون، فينتشر الفساد الإداري والمالي، وكل تبعات ذلك من نهب لثروات البلاد، وإنعدام المساواة الإجتماعية/الإقتصادية بين شرائح المجتمع. هنا تفقد هذه الأنظمة شرعيتها ومصداقيتها عند شعوبها (داخل بيتها) فكيف لها أن تنجح في مواجهة أمور إقليمية او دولية في مؤتمر قمة (ولا أعرف إن كانت كلمة quot;قمةquot; تنطبق على مؤتمرات القيادات العربية).


أعتقد ان المسألة مرتبطة بالعقلية العربية وبإمتياز، فحتى تلك الشعوب التي تحدثت نيابة عنها في هذا المقال تمارس - في معظمها - علاقة ماسوخية مع تلك القيادات. إزدواجية في الشخصية يعاني منه كل من ينتمي الى هذه الأمة، ومن يعارض هذا الإدعاء يخبرنا كيف وأين تعالج.
إذا هيك شعوب بدها هيك قيادات، والى مؤتمر قادم بالأسماء ذاتها - وبنفس الأمين العام.

كاتب سعودي
[email protected]